
قال مسؤولون أوكرانيون وغربيون إن روسيا نجحت في تطوير صواريخها للتهرب من الدفاعات الجوية الأوكرانية، وذلك استناداً إلى الهجمات الجوية المدمرة التي استهدفت مواقع حيوية ومصانع لتصنيع الطائرات المسيرة في كييف مؤخراً، بحسب صحيفة "فاينانشيال تايمز".
وأضاف المسؤولون أن عمليات القصف، التي استهدفت مصانع المسيرات الأوكرانية هذا الصيف، كانت مثالاً بارزاً على تحسين روسيا لصواريخها الباليستية لهزيمة بطاريات باتريوت الأميركية بشكل أفضل.
ورجح المسؤولون أن تكون روسيا قد عدلت نظامها المحمول "إسكندر- إم"، الذي يطلق صواريخ بمدى يقدر بما يصل إلى 500 كيلومتر، بالإضافة إلى صواريخ "كينزال" الباليستية التي تطلق من الجو، والتي يمكن أن تطير حتى 480 كيلومتراً.
وأوضحت القوات الجوية الأوكرانية، الأربعاء، أن جميع صواريخ "إسكندر- إم" الأربعة التي أُطلقت خلال الليل، أفلتت من دفاعات البلاد وأصابت أهدافها.
وصرح مسؤولون أوكرانيون حاليون وسابقون بأن أربعة مصانع على الأقل لتصنيع المسيرات في كييف ومحيطها تضررت بشدة جراء الصواريخ هذا الصيف، وشمل ذلك ضربة في 28 أغسطس على منشأة لإنتاج طائرات "بيرقدار" التركية المسيرة.
وقال مسؤولان مطلعان على الحادث إن صاروخين أُطلقا في ذلك الهجوم، على ما يبدو، استهدفا مكاتب شركة تُصمم وتُنتج مكونات أنظمة الطائرات بدون طيار، كما أفلتت المقذوفات الروسية من الدفاعات الجوية الأوكرانية، وألحقت أضراراً بمكاتب وفد الاتحاد الأوروبي والمجلس الثقافي البريطاني، اللذين كانا يقعان في مكان قريب.
وقال سيرجي كيسليتسيا، النائب الأول لوزير الخارجية الأوكراني، إن الروس "يواصلون تحديث تكنولوجيا إسكندر وغيرها من الصواريخ بشكل كبير"، مشدداً على ضرورة قيام شركاء كييف بـ"خنق تدفقات المكونات الغربية الصنع إلى روسيا، بما في ذلك عبر الصين".
وتتبع الصواريخ الروسية حالياً مساراً نموذجياً قبل أن تنحرف وتغوص في هبوط حاد أو تنفذ مناورات "تربك" صواريخ باتريوت الاعتراضية، ومع مواجهة كييف لبطء تسليم صواريخ الدفاع الجوي الاعتراضية من الولايات المتحدة، دمرت الحملة الصاروخية منشآت عسكرية رئيسية وبنية تحتية حيوية قبل الشتاء.
وتحسن معدل اعتراض الصواريخ الباليستية الأوكرانية خلال الصيف، حيث وصل إلى 37% في أغسطس، لكنه انخفض بشكل حاد إلى 6% في سبتمبر، رغم انخفاض عمليات الإطلاق، وفق ما أفادت به بيانات القوات الجوية الأوكرانية العامة، التي جمعها مركز مرونة المعلومات في لندن وحللتها "فاينانشيال تايمز".
ترسانة كييف من بطاريات الباتريوت
وتعد صواريخ "باتريوت" الاعتراضية الوحيدة في ترسانة كييف القادرة على إسقاط الصواريخ الباليستية الروسية، إذ يُمكن إسقاط صواريخ "كروز" الروسية بدفاعات جوية أقل تطوراً، لكن تحديثات الصواريخ الروسية زادت من صعوبة ذلك.
وصرح مسؤول غربي مُطلع على بيانات أداء "باتريوت" بأن أول مؤشر على تحديث الصواريخ الروسية هو انخفاض ملحوظ في معدلات الاعتراض، مضيفاً أن "نمطاً" جديداً قد ظهر، حيث تتصرف الصواريخ القادمة بشكل مختلف في مرحلتها النهائية، متجاوزةً إعدادات الاشتباك المُحددة سابقاً.
كما أن الأفراد المتخصصين المدربين على أنظمة باتريوت مستهدفون، بينهم المقدم دينيس ساكون، كبير مهندسي وحدة الصواريخ المضادة للطائرات في اللواء 96 في كييف.
وساعد ساكون في إنشاء أنظمة يُنسب إليها ما وصفته كييف بأنه "أول إسقاط لصاروخ روسي من طراز Kh-47M Kinzhal في العالم". ووفقاً للتقارير العامة، قُتل ساكون في ديسمبر، أثناء محاولته إنقاذ معدات باتريوت خلال حريق اندلع بعد غارة روسية في منطقة كييف.
ويدعم تقييم المسؤول تقرير أعده المفتش العام الخاص لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية، ويغطي الفترة من 1 أبريل إلى 30 يونيو، إذ ذكر أن القوات المسلحة الأوكرانية "واجهت صعوبة في استخدام أنظمة الدفاع الجوي باتريوت باستمرار للحماية من الصواريخ الباليستية الروسية بسبب التحسينات التكتيكية الروسية الأخيرة، بما في ذلك التحسينات التي تُمكّن صواريخها من تغيير مسارها وإجراء مناورات، بدلاً من التحليق في مسار باليستي تقليدي".
وأشار التقرير إلى هجوم روسي وقع في 28 يونيو، شمل سبعة صواريخ باليستية، أسقطت أوكرانيا منها واحداً فقط، وقصف في 9 يوليو، كان في ذلك الوقت أكبر هجوم جوي منذ بداية الحرب، إذ شمل 13 صاروخاً، أسقطت كييف أو حيدت سبعة منها.
وقال مسؤولون غربيون وأوكرانيون إن أوكرانيا تشارك بيانات اشتباك باتريوت مع وزارة الدفاع الأميركية ومصنعي نظام الدفاع الجوي الأميركيين، حيث تصنع شركة "رايثيون" ومقرها فرجينيا نظام باتريوت، بينما تنتج شركة "لوكهيد مارتن" ومقرها ماريلاند صواريخ اعتراض النظام.
وتُستخدم البيانات لإجراء التحديثات اللازمة لمواكبة تعديلات روسيا، لكن أحد المسؤولين قال إن هذه التحسينات "غالباً ما تتخلف عن تكتيكات موسكو المتطورة".
صواريخ "إسكندر - إم"
وقال محللون إن تعديلات البرامج من المرجح أن تكون السبب وراء زيادة فعالية الصواريخ الروسية، إذ قال فابيان هوفمان، باحث الصواريخ في جامعة "أوسلو"، إن المصنعين يستخرجون بيانات الاعتراض بشكل روتيني لتحسين الأداء.
ولفت هوفمان إلى قيام روسيا "باتباع هذا النهج"، مشيراً إلى أن صاروخ "إسكندر- إم" يمكنه المناورة بقوة في المرحلة النهائية، فبدلاً من التغييرات المكلفة في الأجهزة، يمكن لتعديلات أنظمة التوجيه أن تُصدر تعليمات للصاروخ بتنفيذ مناورة سريعة قبل إصابة الهدف مباشرةً ثم الغوص بشكل حاد، ما يُعقّد قدرة باتريوت على التتبع والاشتباك.
وأضاف هوفمان: "مسار نهائي أكثر انحداراً، هذا شيء يمكنك برمجته في الصاروخ"، مضيفاً أن أوكرانيا وروسيا "تلعبان لعبة تكيف" عندما يتعلق الأمر بتكنولوجيا أسلحتهما، لكن كانت هناك أيضاً لعبة "قط وفأر" تُلعب في محاولة تدمير أنظمة أسلحة كل منهما، إذ تُطلق صواريخ "كينزال" من قاذفات موسكو الاستراتيجية أو الطائرات المقاتلة بعيداً عن متناول الدفاعات الجوية الأوكرانية.
وقال هوفمان إنه كان من الصعب أيضاً على كييف تدمير منصات إطلاق صواريخ "إسكندر" المتنقلة الروسية، إذ تتكون أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية من باتريوت، رادار ومحطة تحكم ومنصات إطلاق تُنقل على شاحنات أو مقطورات، متنقلة.
وكانت صواريخ باتريوت محمية سابقاً بأنظمة أخرى مثل بطاريات Iris-T الأوروبية والبطاريات متوسطة المدى، لكن الآن، ومع تضرر بعض هذه الأصول أو إعادة نشرها، يتعين على صواريخ باتريوت حماية نفسها أثناء مواجهة التهديدات الصاروخية الروسية الواردة في بعض الحالات.
ولا تكشف أوكرانيا عن معلومات حول عدد بطاريات الباتريوت التي تمتلكها أو أماكن نشرها، لكن من المعروف أنه تم تسليم 6 بطاريات على الأقل، بالإضافة إلى مكونات 3 بطاريات إضافية على الأقل تم تسليمها في الأسابيع الأخيرة من قبل ألمانيا والنرويج.
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ناشد شركاء أوكرانيا الغربيين تزويد بلاده بالمزيد، وعرض شراء ما يصل إلى 10 أنظمة كاملة، فيما حذر من تكرار موسكو استراتيجيتها المعتادة في الشتاء المتمثلة في ضرب شبكة الكهرباء في أوكرانيا لإغراق البلاد في الظلام واستنزاف الروح المعنوية.