
مع حلول الذكرى السنوية الثانية لهجوم السابع من أكتوبر، تواجه إسرائيل عزلة دولية متزايدة، في ظل تزايد الاعترافات الدولية بدولة فلسطين، ما يعكس دعماً متنامياً لحل الدولتين، فيما يشهد الداخل الإسرائيلي انقساماً عميقاً بين قوى تدعو إلى تكثيف العمليات العسكرية وأغلبية تطالب بوقف إطلاق النار في غزة، في وقت يواصل فيه المفاوضون في مصر بحث تنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء الحرب.
ومنذ بدء الحرب، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 67 ألف فلسطيني، ووصل الوضع الإنساني في غزة إلى مستويات كارثية، حيث يواجه سكان القطاع نقصاً هائلاً في الغذاء وانتشار الأمراض وتشريد 1.9 مليون شخص من منازلهم.
وخلال العامين الماضيين، قصف الجيش الإسرائيلي المستشفيات ومخيمات اللاجئين والمدارس في غزة، ما أسفر عن سقوط آلاف النساء والأطفال، بالإضافة إلى عدد كبير من الصحفيين وعمال الإنقاذ والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية.
وتحتضن مصر هذا الأسبوع، محادثات "غير مباشرة" بين حركة "حماس" وإسرائيل، بوساطة أميركية مصرية قطرية، لبحث تنفيذ خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإنهاء الحرب في غزة.
وتتضمن خطة الرئيس الأميركي 20 بنداً، تشمل انسحاباً للجيش الإسرائيلي على 3 مراحل، وإدارة قطاع غزة بموجب حكم انتقالي مؤقت من قِبل لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية.
عزلة دولية
امتد الغضب تجاه إسرائيل من العالم الإسلامي إلى أوروبا والولايات المتحدة، حيث تحول جزء كبير من الحزب الديمقراطي وجزء متزايد من حركة "اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" MAGA ضد الدعم الأميركي لإسرائيل.
وفي الوقت نفسه، منحت هذه العزلة غير المسبوقة الرئيس ترمب نفوذاً استثنائياً، استخدمه لعرقلة خطط ضم الضفة الغربية، ولجعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتذر عن الهجوم الإسرائيلي على قطر، والموافقة على خطة وقف إطلاق النار الأخيرة في غزة.
وتصاعدت الإدانات الدولية منذ أن أعلنت إسرائيل عن هجوم بري على مدينة غزة وشنت ضربة غير مسبوقة ضد قيادة "حماس" على الأراضي القطرية.
ويأتي ذلك أيضاً بعد أن خلص تحقيق مستقل تابع للأمم المتحدة لأول مرة إلى أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة، وهو استنتاج يتوافق مع آراء خبراء إبادة جماعية آخرين ومنظمات حقوق الإنسان، لكنه قوبل برفض من قبل الحكومة الإسرائيلية.
وتبين أنه حتى أقوى حلفاء إسرائيل بدأوا يفقدون صبرهم على الحرب في غزة. وبينما تظل الولايات المتحدة المورد الرئيسي للأسلحة لإسرائيل، مع تدفق يُقدّر بنحو 4 مليارات دولار من واشنطن إلى تل أبيب سنوياً، يبدو أن الاستياء يتزايد على أعلى المستويات في واشنطن بشأن إدارة إسرائيل للحرب.
أما ترمب، فيبدو أنه فقد صبره تجاه نتنياهو، إذ كشف موقع "أكسيوس" تفاصيل محادثة حادة جرت بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، على خلفية رد حركة "حماس" على المقترح الأميركي بشأن وقف الحرب في غزة.
وذكر الموقع أن "حماس" قدّمت رداً اعتبره ترمب إيجابياً على مقترحه لوقف الحرب في غزة، ما دفعه إلى الاتصال بنتنياهو لمناقشة الأمر، لكن الأخير "كان له رأي مختلف".
ونقل الموقع عن مسؤول أميركي مطّلع على المكالمة قوله إن "بيبي (نتنياهو) قال لترمب إن هذا الرد ليس أمراً يدعو للاحتفال، ولا يعني شيئاً"، فردّ عليه الرئيس الأميركي بغضب: "لا أفهم لماذا أنت دائماً سلبي للغاية بهذا الشكل اللعين.. هذا مكسب عليك أن تتقبّله".
في المقابل، اقترح الاتحاد الأوروبي، أكبر شريك تجاري لإسرائيل، فرض عقوبات قد تؤدي إلى تعليق جزئي لاتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل، في حال موافقة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ونفذت عدة دول غربية بالفعل عقوبات تستهدف بعض الأفراد الإسرائيليين والمستوطنات والمنظمات الداعمة للعنف في الضفة الغربية المحتلة.
وقال شالوم ليبْنر، زميل في مجلس الأطلسي ومستشار سابق لعدة رؤساء وزراء إسرائيليين: "إقليمياً، إسرائيل أقل تهديداً مما كانت عليه قبل عامين، لكن دولياً، هي بين مطرقة وسندان، والاتجاهات طويلة المدى ليست لصالحها"، وفق "وول ستريت جورنال".
الاعترافات الدولية بفلسطين
وساهمت الظروف المأساوية في غزة في تعزيز الجهود الدولية للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة. حتى قبل 7 أكتوبر 2023، كانت حوالي 140 دولة حول العالم قد اعترفت بفلسطين. وبعد مرور عامين، اعترفت 20 دولة إضافية رسمياً بفلسطين، بما في ذلك فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وأستراليا وكندا.
وأعربت هذه الحكومات عن دعمها لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة بجانب إسرائيل. وزعم نتنياهو أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيكون بمثابة "مكافأة" لحماس، لكن الحكومات التي قدمت الاعتراف استبعدت أي إمكانية لمشاركة "حماس" في إدارة الدولة الفلسطينية.
ورفض نتنياهو الجهود الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
كما أوقفت العديد من الدول صادرات الأسلحة إلى إسرائيل رداً على الحرب المستمرة على غزة، وفرضت عدة دول، بما في ذلك كولومبيا وجنوب إفريقيا وماليزيا، عقوبات على إسرائيل.
ويناقش الاتحاد الأوروبي اتخاذ تدابير اقتصادية عقابية، فيما يدعم عدد متزايد من الدول الأعضاء تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وتقليص السفر بدون تأشيرة لمواطني إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي، وحظر واردات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة.
ومع ذلك، رفضت ألمانيا وبعض الدول الأعضاء الأخرى في التكتل الأوروبي حتى الآن الانضمام إلى هذه الإجراءات.
كما تواجه الحكومة الإسرائيلية اتهامات بارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، إذ تؤكد لجنة حقوق الإنسان المستقلة التابعة للأمم المتحدة، ورابطة العلماء الدوليين لدراسة الإبادة الجماعية، ومنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية مثل "بتسيلم" و"الأطباء من أجل حقوق الإنسان"، أن إسرائيل تنخرط في إبادة جماعية. وتنفي حكومة نتنياهو ذلك، مدعية عدم وجود أدلة وأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها.
وفي ديسمبر 2023، رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية لانتهاكها اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإبادة الجماعية.
وفي نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه آنذاك، يوآف جالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ورفضت الحكومة الإسرائيلية وحلفائها هذه الأوامر، وأعلنت المجر لاحقاً انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية.
المقاطعات والحظر
تواجه إسرائيل أيضاً تصاعداً في المقاطعات والحظر بسبب الحرب التي تخوضها على غزة. ففي أغسطس، قطعت تركيا جميع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل وأغلقت حتى مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية الحربية وطائرات المسؤولين.
وكانت تركيا قد قطعت التجارة مع إسرائيل في 2024، مطالبة بالسماح الفوري بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة ووقف دائم لإطلاق النار.
كما قطعت كولومبيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب حرب غزة، وقررت وقف استيراد السلع من إسرائيل، بما فيها الأسلحة.
ودعت جامعة الدول العربية في وقت سابق من هذا العام دولها الأعضاء إلى وقف التعاون العسكري والاقتصادي مع إسرائيل بسبب ممارساتها في حرب غزة.
وانضمت "هوليوود" إلى هذا الحراك، إذ وقّع أكثر من 5 آلاف فنان عالمي، من بينهم نجوم كبار مثل مارك رافالو، وخواكين فينيكس، وخافيير بارديم، رسالة مفتوحة يتعهدون فيها بعدم العمل مع هيئات البث أو شركات الإنتاج الإسرائيلية، أو عرض أفلامهم في المهرجانات السينمائية الإسرائيلية.
كما أعلنت عدة دول، منها إسبانيا وهولندا وأيرلندا، مقاطعة مسابقة الأغنية الأوروبية "يوروفيجن 2026" اعتباراً من العام المقبل إذا سُمح بمشاركة إسرائيلية. وتعرض بعض المغنين الإسرائيليين لصيحات استهجان في المسابقة، التي يعتبرها الكثيرون في إسرائيل معياراً ثقافياً.
ويتحمل المحاضرون والأساتذة الإسرائيليون أيضاً وطأة المقاطعة، فقد أُلغيت دعوات عديدة لباحثين إسرائيليين لحضور ندوات دولية أو تقديم عروض في مؤتمرات.
كما أنهت أكثر من 20 مؤسسة للتعليم العالي في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك هولندا وبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا، جميع مشاريعها مع شركاء إسرائيليين.
استهداف قادة إسرائيل
وفرضت بريطانيا وكندا وأستراليا والنرويج ونيوزيلندا عقوبات مُحددة على وزراء إسرائيليين من اليمين المتطرف.
وكانت بريطانيا فرضت في وقت سابق من هذا العام عقوبات على عضوين في حكومة نتنياهو؛ هما وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بسبب "التحريض المتكرر على العنف ضد التجمعات الفلسطينية" في الضفة الغربية المحتلة.
ومُنع بن جفير وسموتريتش من دخول بريطانيا. وقال وزير الخارجية البريطاني آنذاك ديفيد لامي إنه سيتم تجميد أي أصول تابعة لهما.
كما أوقفت بعض هذه الدول تعاونها مع إسرائيل مؤقتاً. وأعلنت بريطانيا أنها ستوقف محادثات التجارة الحرة مع إسرائيل وتراجع خارطة الطريق الأوسع بين إسرائيل والمملكة المتحدة.
كما أعلنت ألمانيا، ثاني أكبر مصدر لواردات الأسلحة الإسرائيلية، أنها ستتوقف عن إرسال أسلحة يمكن استخدامها في غزة.
فيما أعلنت إسبانيا فرض حظر دخول أراضيها على "كل من تورط بشكل مباشر في الإبادة الجماعية، وانتهاكات حقوق الإنسان، وجرائم الحرب في قطاع غزة" دون أن توضح مدريد من سيشملهم هذا القرار، أو ما إذا كان يشمل نتنياهو تحديداً.
واتخذت الحكومة الإسبانية إجراءات تتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، والتي تُعد غير قانونية بموجب القانون الدولي، رغم أن إسرائيل تنفي ذلك.
ويشمل ذلك فرض حظر على استيراد المنتجات القادمة من تلك المستوطنات "بهدف التصدي لهذه الاحتلالات، ووقف التهجير القسري للسكان الفلسطينيين، والحفاظ على حل الدولتين".
الانقسام الداخلي في إسرائيل
في إسرائيل، تتباين الآراء بشأن ما إذا كان ينبغي على البلاد الاستمرار في حربها على غزة، أو كيفية القيام بذلك.
ويفضل وزيرا الأمن القومي والمالية من اليمين المتطرف، إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش، استمرار العمليات العسكرية ضد "حماس"، وقد اقترحوا علناً أن إسرائيل قد تقوم بضم الضفة الغربية المحتلة، وهي خطوة ستضع فعلياً نهاية لأي خطط لحل الدولتين، وفق مراقبين.
وفي المقابل، قضت مجموعات أخرى في المجتمع الإسرائيلي أشهراً تطالب بوقف إطلاق النار، لا سيما أقارب المحتجزين الذين ما زالوا في غزة، ونظموا احتجاجات أسبوعية وطالبوا بحل تفاوضي، مشيرين إلى شعورهم بالتخلي عنهم من قبل حكومتهم.
كما خرج عرب إسرائيل، وقدامى المحاربين في الجيش، وأقارب مجندي الجيش الإسرائيلي إلى الشوارع معارضين للحرب. وبشكل عام، يدعم أكثر من 64% من الإسرائيليين وقف إطلاق النار، وفقاً لمسح نُشر في سبتمبر.