
قال مسؤولون أميركيون وأوكرانيون، إن الولايات المتحدة تساعد أوكرانيا منذ أشهر في تنفيذ ضربات بعيدة المدى ضد منشآت الطاقة الروسية، في إطار جهد مشترك لإضعاف الاقتصاد الروسي، حسبما نقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، الأحد.
وأضح المسؤولون الأوكرانيون والأميركيون، المطلعون على العملية، وفق الصحيفة البريطانية، أن معلومات استخباراتية أميركية نُقلت إلى كييف مكنتها من تنفيذ ضربات على أصول حيوية لقطاع الطاقة الروسي، من بينها مصافٍ للنفط تقع على مسافات بعيدة عن خطوط المواجهة.
وأفادت الصحيفة بأن "الاستخبارات الأميركية تقدم لأوكرانيا معلومات تفصيلية حول المسارات، والارتفاعات، والتوقيتات، وطبيعة المهام، مما يمكّن الطائرات المسيّرة الانتحارية الأوكرانية بعيدة المدى من تجنّب أنظمة الدفاع الجوي الروسية".
وقال المسؤولون، إن "الولايات المتحدة تشارك عن قرب في جميع مراحل التخطيط"، مشيرين إلى أن "كييف هي من تختار الأهداف، بينما تزوّدها واشنطن بمعلومات استخباراتية عن نقاط ضعفها".
وتزايد هذا الدعم منذ منتصف الصيف، ولعب دوراً حاسماً في تمكين أوكرانيا من تنفيذ هجمات كانت تعارضها إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
وأسهمت هذه الضربات في ارتفاع أسعار الطاقة داخل روسيا، وأجبرت موسكو على تقليص صادرات الديزل وزيادة واردات الوقود، وفق "فاينانشيال تايمز".
تحول في موقف ترمب
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التحول في موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب جاء عقب مكالمة هاتفية في يوليو الماضي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، سأل الرئيس الأميركي خلالها عما إذا كانت أوكرانيا قادرة على توجيه ضربات داخل روسيا، في حال زودتها واشنطن بأسلحة بعيدة المدى.
وقال شخصان مطلعان على فحوى الاتصال، إن ترمب أبدى تأييده لاستراتيجية تهدف إلى جعل الروس "يشعرون بالألم" وإجبار الكرملين على التفاوض.
غير أن البيت الأبيض أوضح لاحقاً أن ترمب "كان يطرح سؤالاً فقط، ولم يكن يشجع على المزيد من القتال".
وقال ثلاثة أشخاص مطلعين على العملية، إن واشنطن شاركت عن قرب في جميع مراحل التخطيط، بينما أكد مسؤول أميركي أن أوكرانيا هي من تختار الأهداف للضربات البعيدة المدى، ثم تقدم واشنطن معلومات حول نقاط الضعف في تلك المواقع.
وذكرت مصادر أخرى مشاركة ومطلعة على العمليات، أن الولايات المتحدة "حددت أيضاً أولويات الأهداف للأوكرانيين". ووصف أحدهم قوة الطائرات المُسيرة الأوكرانية بأنها "أداة" تستخدمها واشنطن لإضعاف الاقتصاد الروسي ودفع بوتين نحو المفاوضات.
وكان ترمب قد أعرب علناً عن خيبة أمله من بوتين منذ قمة ألاسكا التي جمعتهما مؤخراً، والتي لم تحقق تقدماً ملموساً، وهو ما شكل عاملاً رئيسياً في تحوله نحو "دعم ضربات أعمق داخل روسيا"، بحسب المصادر.
دعم استخباراتي
وشاركت واشنطن منذ فترة طويلة في تبادل المعلومات الاستخباراتية مع كييف لدعمها في ضرب أهداف عسكرية روسية داخل الأراضي الأوكرانية التي تسيطر عليها موسكو، إضافة إلى توفير إنذارات مبكرة من الهجمات الصاروخية والجوية الروسية.
وأذنت إدارة بايدن سابقاً باستخدام صواريخ "هيمارس" و"أتاكمز" الأميركية في ضربات داخل منطقة روسية حدودية، بعد أن أرسلت كوريا الشمالية قوات لدعم موسكو هناك.
لكن الولايات المتحدة لم تُقر قط بدور مباشر في الهجمات الأوكرانية على منشآت الطاقة الروسية، إذ ظلت واشنطن حذرة حيال أي تحركات قد تؤدي إلى تصعيد الحرب، أو تجرها بشكل مباشر إلى مواجهة مع موسكو.
ويعكس الدعم العملياتي المتزايد من إدارة ترمب تحولاً واضحاً عن سياستها في مطلع ولايته الثانية، حين علق الرئيس الأميركي حينها مؤقتاً تبادل المعلومات والمساعدات العسكرية مع كييف، للضغط عليها من أجل الدخول في محادثات سلام مع موسكو.
ورفض زيلينسكي خلال إيجاز صحافي في كييف، الأربعاء، الحديث عن دور الاستخبارات الأميركية في الضربات العميقة داخل روسيا، لكنه قال إن بلاده "تعمل مع الاستخبارات الأميركية بشكل رئيسي للدفاع عن نفسها"، مشيراً إلى أن أنظمة الدفاع الجوي الغربية مثل "باتريوت" و"ناسامز" و"إيريس-تي" تمثل جزءاً من هذا التعاون.
وأوضح أن نجاح أوكرانيا الأخير في تنفيذ ضربات عميقة يعود في الأساس إلى التطوير التقني للطائرات المُسيرة وزيادة الإنتاج المحلي، ما أتاح لكييف إطلاق عدد أكبر في وقت واحد.
وقال: "طائراتنا المُسيرة وصواريخنا المُسيرة وبعض صواريخنا الأخرى، باتت بأفضل أداءً: استخدامات أوسع وإنتاج أكبر".
استهداف عمق الأراضي الروسية
ووفق ما نقلته "فاينانشيال تايمز"، فإن معظم الضربات في عمق روسيا، يشنها جهاز الأمن الأوكراني SBU، وفرع أنظمة الطيران المُسير التابع للقوات المسلحة، إلى جانب مشاركة وحدات استخباراتية وعسكرية أخرى في هذه العمليات.
وقال زيلينسكي إن طائرات "فاير بوينت" و"ليوتي" بعيدة المدى، التي يصل عددها أحياناً إلى 300 في عملية واحدة، كانت في طليعة الهجمات الجماعية، فيما أطلقت القوات الأوكرانية مؤخراً صواريخ Flamingo المنتجة محلياً على أهداف داخل روسيا.
وأعلن جهاز الأمن الأوكراني، السبت، أن وحدة "ألفا" الخاصة التابعة له، نجحت في استهداف مصفاة النفط "باشنفت-أو إن بي زد" في مدينة أوفا، على بعد نحو 1400 كيلومتر من حدود أوكرانيا.
وتُعد المصفاة من أكبر منشآت التكرير في روسيا، وتزود الجيش الروسي بالوقود وزيوت التشحيم.
وشكل الهجوم ثالث ضربة تستهدف منشآت الطاقة في إقليم باشكورتوستان الروسي، خلال شهر واحد.
وقال جهاز الأمن الأوكراني لـ"فايننشال تايمز"، إن "الضربات البعيدة المدى تهدف إلى تدمير القدرات العسكرية لروسيا، بما في ذلك إمكانياته الاقتصادية"، مضيفاً أن كييف ستعمل على توسيع نطاق وعدد الضربات داخل روسيا.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف، إنه من "الواضح" أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" يزودان أوكرانيا بالمعلومات الاستخباراتية "بشكل منتظم"، بما في ذلك ما يتعلق بضرب الأهداف المرتبطة بالطاقة الروسية.
ولم يحسم ترمب بعد قراره بشأن تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى، من بينها صواريخ "توماهوك". وقال، الاثنين الماضي، إنه يرغب أولاً في معرفة المزيد عن كيفية استخدامها.
وقال زيلينسكي، الأربعاء الماضي، إن خيار "توماهوك"، قيد الدراسة، مؤكداً أنه "قد يعزز قدرات أوكرانيا ويجعل الروس أكثر حذراً".
تسارع الهجمات الأوكرانية
وقالت مصادر "فايننشيال تايمز"، إن تدفق المعلومات الاستخباراتية الأميركية إلى كييف، بدأ بعد مكالمة ترمب وزيلينسكي في يوليو، وبمستوى غير مسبوق من الدقة، ما أتاح لأوكرانيا رسم خرائط أوضح للدفاعات الجوية الروسية وتخطيط مسارات الهجمات بدقة أكبر.
وتسارعت وتيرة الهجمات الأوكرانية على منشآت النفط والغاز الروسية وخطوط الأنابيب، التي تدعم المجهود الحربي لموسكو، بشكل حاد في أغسطس وسبتمبر، ما أجبر روسيا على تقليص صادرات الديزل، وزيادة اعتمادها على الوقود المستورد، وفقاً للتقرير.
وأفادت مؤسسة "إنرجي أسبكتس" البحثية، بأن 16 مصفاة من أصل 38 في روسيا تعرضت لهجمات، بعضها أكثر من مرة، ما عطل أكثر من مليون برميل يومياً من طاقة التكرير.
وأظهرت مقاطع مصورة منشورة على وسائل التواصل الروسية، مشاهد لحرائق ضخمة في عدد من منشآت النفط والغاز.
وذكر زيلينسكي، السبت، أنه أجرى اتصالاً "إيجابياً وبنّاءً" مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، تناول الهجمات الروسية على نظام الطاقة الأوكراني.
وقال زيلينسكي في منشور على منصة "إكس": "ناقشنا سبل تعزيز الدفاع الجوي، والاتفاقات الملموسة التي نعمل عليها لتحقيق ذلك، لدينا خيارات جيدة وأفكار قوية لتعزيز قدراتنا بالفعل".
وقال زيلينسكي، الأربعاء، إن موسكو بدأت استيراد البنزين "خصوصاً من بيلاروس والصين"، كما فرضت قيوداً على صادراتها، مضيفاً أن روسيا فقدت ما يصل إلى 20% من طاقتها الإنتاجية للوقود بسبب الضربات الأوكرانية.