
في رحلة مكثفة لم تتجاوز اثنتي عشرة ساعة، تنقل الرئيس الأميركي دونالد ترمب بين مصر وإسرائيل، حاملاً رسائل سياسية متباينة. ففي الكنيست، تحدث في خطاب مطول عمّا اعتبره "الفجر التاريخي للمنطقة"، داعياً إلى طيّ صفحة الحرب في غزة، قبل أن يختتم جولته بتوقيع "وثيقة قمة شرم الشيخ للسلام" بمشاركة أكثر من 20 قائداً عالمياً، في مشهد يعكس تسارع التحولات في الشرق الأوسط.
وترصد السطور التالية أبرز 10 مشاهد من جولة ترمب، بدءاً من دعوته المثيرة للجدل إلى العفو عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في محاكمته الجارية بتهم الفساد، مروراً بإشادته بميريام أديلسون، وصولاً إلى وعوده المشروطة التي ربطت بين إعادة إعمار غزة ونزع السلاح من القطاع.
خطاب الـ60 دقيقة في الكنيست
في زيارته الأولى إلى إسرائيل منذ إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في يناير الماضي، ألقى ترمب خطاباً أمام الكنيست الإسرائيلي، ليصبح رابع رئيس أميركي يقوم بذلك.
وبتصفيق حار متكرر، استقبل نواب الكنيست ترمب خلال خطابه الذي تجاوز الساعة، وأعلن فيه "بداية عهد جديد في الشرق الأوسط والسلام لإسرائيل".
ووصف ترمب علاقته بإسرائيل بـ"الخاصة والاستثنائية"، مؤكداً أنه سيبقى "حليفاً دائماً لها"، وأشار إلى قراراته السابقة بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، والاعتراف بها "عاصمة لإسرائيل".
"حان وقت السلام"
وفي وعدٍ بـ"عصر ذهبي" لمنطقة الشرق الأوسط وإسرائيل، قال ترمب إن الوقت "حان للسلام" في المنطقة، مضيفاً أن إسرائيل "حققت كل ما يمكن تحقيقه من نصر بقوة السلاح".
وأكد أن المرحلة المقبلة يجب أن تترجم "الانتصارات في ساحة المعركة" إلى "الجائزة الكبرى المتمثلة في السلام والازدهار لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها".
ووصف ترمب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بأنه "إنجاز غير مسبوق" بعد عامين من "كابوس حرب مؤلمة"، ولكنه شدد على ضرورة "نزع سلاح حماس، حتى لا تشكل خطراً على إسرائيل في المستقبل".
"أعظم صديق لإسرائيل"
وبإشادة مكررة، اعتبر نتنياهو، دونالد ترمب، "أعظم صديق عرفته إسرائيل في البيت الأبيض"، مثنياً على دوره في استعادة المحتجزين الإسرائيليين.
وخلال كلمته أمام الكنيست، شكر نتنياهو الرئيس الأميركي، على "اعترافه بالجولان السوري كأرض إسرائيلية"، و"وقوفه مع إسرائيل في الأمم المتحدة".
"العفو عن نتنياهو"
وفي خطوة لافتة، اعتبرها البعض تدخلاً في الشؤون الإسرائيلية، فاجأ ترمب الحضور عندما دعا إلى منح نتنياهو عفواً رئاسياً عن قضايا الفساد التي يحاكم فيها، وقال موجهاً حديثه للرئيس الإسرائيلي يسحاق هرتسوج: "سيدي الرئيس، لماذا لا تمنحه عفواً".
وتابع مبتسماً: "سيجار وشمبانيا؟ من يهتم بذلك!"، في إشارة إلى الهدايا التي تلقاها نتنياهو.
وأوضح ترمب أن هذه الدعوة لم تكن مدرجة في خطابه المُعدّ مسبقاً، لكنها جاءت دعماً "لحليف" على حد تعبيره. مضيفاً: "أنا معجب بهذا الرجل، ويبدو أن كلامه منطقي للغاية، سواءً أحببنا ذلك أم لا، فهو أحد أعظم رؤساء زمن الحرب".
ويواجه نتنياهو محاكمات عدّة داخل إسرائيل، وسط اتهامات بمحاولة إطالة أمد الحرب في غزة لتجنب تداعياتها السياسية والقضائية.
ميريام أديلسون.. رمز النفوذ
وخصّ ترمب، في كلمته أمام الكنيست، المتبرعة الأميركية من أصل إسرائيلي ميريام أديلسون بإشادة بارزة، مشيراً إلى تأثيرها الكبير في توجيه السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، وإلى علاقتهما الطويلة التي توطدت عبر زياراتها المتكررة إلى البيت الأبيض برفقة زوجها الراحل، قطب صالات القمار شيلدون أديلسون.
وتضمّنت كلمة ترمب أمام "الكنيست" إشادات علنية عبّر فيها عن شكره وتقديره لميريام، داعياً الحضور إلى الوقوف احتراماً لدعمها، وتأثيرها الواضح في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل.
وقال ترمب "إنها تحب إسرائيل"، ونسب إلى الزوجين الفضل في تشكيل قرارات مثل اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل في عام 2017، ونقل السفارة الأميركية إلى المدينة في عام 2018، وتأييده للسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة في عام 2019.
ترمب والسيسي.. مديح متبادل
وفي شرم الشيخ، اصطفت لوحات إعلانية كبيرة تُظهر ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وهما مبتسمان، مع عبارة "أهلاً بكم في أرض السلام"، على طول الطريق من المطار إلى مركز المؤتمرات.
ونشرت إيفانكا ترمب لقطات تُظهر طائرات مقاتلة مصرية ترافق طائرة والدها لدى دخولها الأجواء المصرية، أثناء توجهه من إسرائيل إلى شرم الشيخ.
وخلال لقائهما الثنائي على هامش قمة السلام، تبادل ترمب والسيسي عبارات المديح خلال لقائهما المشترك على هامش قمة السلام.
وبعبارات شكر مكررة، أشاد ترمب، بنظيره المصري، قائلاً: "أنا هنا مع صديقي، إنه قائد قوي، الرئيس... وجنرال أيضاً، أدعوه الجنرال... وهو جيد في كليهما. لقد قاموا بعمل رائع، لديهم معدل جريمة منخفض هنا.. هنا بمصر لا يعبثون (عندما يتعلق الأمر بالجريمة) كما نفعل نحن في الولايات المتحدة".
وأضاف ترمب: "هذا رجل عظيم، قام بعمل عظيم بتوحيد بلاده معاً، والولايات المتحدة معك دائماً".
وأشار إلى "الدور الحاسم" لمصر في التوسط لوقف إطلاق النار في غزة، مضيفاً أن القاهرة "تحظى باحترام حماس والفاعلين الإقليميين"، وأثنى على "جهودها المؤثرة في تحقيق التهدئة".
وذكر ترمب، أنه يود انضمام السيسي، لما يعرف بـ"مجلس السلام لإدارة قطاع غزة"، وفقاً لخطة إنهاء الحرب في القطاع.
من جانبه، قال السيسي مخاطباً ترمب: "كنت متأكداً أنك الوحيد القادر" على إنهاء الحرب وتحقيق السلام في المنطقة.
وأهدى السيسي ترمب "قلادة النيل" تقديراً لجهوده في إحلال السلام.
ماكرون يرافق عباس لترمب
وفي مشهد لافت خلال قمة شرم الشيخ، رافق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب أثناء التقاط الصور التذكارية مع القادة المشاركين.
وخلال المصافحة، دار حوار مطول بين ترمب وعباس، وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية بأن ترمب وجّه الشكر لعباس على حضوره ومشاركته في القمة.
توقيع وثيقة شرم الشيخ
وقّع دونالد ترمب، إلى جانب قادة مصر وقطر وتركيا، وثيقة اتفاق إنهاء الحرب في غزة، خلال قمة شرم الشيخ للسلام، والتي تضمنت التأكيد على أن "الشرق الأوسط لا يمكنه تحمّل دورة مستمرة من الحروب المزمنة".
وجاء في نص الوثيقة: "نحن الموقّعون أدناه نسعى إلى تحقيق التسامح والكرامة وتكافؤ الفرص لكل إنسان، لضمان أن تكون هذه المنطقة مكاناً يمكن للجميع فيه السعي لتحقيق تطلعاتهم في بيئة يسودها السلام والأمن والازدهار الاقتصادي، بغضّ النظر عن العِرق أو الدين أو الأصل الإثني".
وأشارت الوثيقة إلى أن الموقعين يسعون لتحقيق "رؤية شاملة للسلام والأمن والازدهار المشترك في المنطقة، تستند إلى مبدأ الاحترام المتبادل والمصير المشترك".
وأوردت: "نلتزم بحل النزاعات المستقبلية من خلال الحوار الدبلوماسي والتفاوض بدلاً من اللجوء إلى استخدام القوة أو الصراعات طويلة الأمد. ونُقرّ بأن الشرق الأوسط لا يحتمل دوامة مستمرة من الحروب المطوّلة، والمفاوضات المتعثرة، أو التطبيق الجزئي أو الانتقائي للشروط التي تم التفاوض عليها بنجاح.
وأضافت: "نرحب بالتقدم المُحرز في إرساء ترتيبات سلام شاملة ودائمة في قطاع غزة، وكذلك بالعلاقات الودية والمثمرة المتبادلة بين إسرائيل وجيرانها الإقليميين".
وخُتمت الوثيقة بالقول: "نتعهد بالعمل الجماعي على تنفيذ هذا الإرث والحفاظ عليه، وبناء أسس مُلهمة يمكن للأجيال المقبلة أن تزدهر فوقها معاً في سلام".
رسائل سياسية
حملت خطابات ترمب سواء في الكنيست أو خلال فعاليات قمة شرم الشيخ، عدداً من الرسائل السياسية، أبرزها إشارته إلى إمكانية التوصل إلى "اتفاق سلام بين إيران وإسرائيل"، وقال إنه يعتقد أن إيران تريد ذلك.
وربط ترمب إعادة إعمار غزة بنزع السلاح الكامل للفصائل وتشكيل قوة شرطة مدنية لضمان الأمن الداخلي.
وعن "اتفاقات أبراهام"، قال ترمب: "أنتم جميعاً ستسدون لي معروفاً إذا انضممتم إليها"، مضيفاً أن: " 4 دول ظلت جزءاً منها حتى خلال الفترة السيئة التي مررنا بها".
وبعد مغادرة القمة، وعلى متن الطائرة الرئاسية قال ترمب للصحافيين إن التركيز في المرحلة الحالية ينصبّ على إعادة إعمار قطاع غزة، وليس مناقشة حل الدولتين أو الدولة الواحدة.
ورداً على سؤال بشأن دعوات لحل الدولتين، قال: "نحن نتحدث عن شيء مختلف تماماً.. نحن نتحدث عن إعادة بناء غزة"، لافتاً إلى أن "بعض الدول تفضل خيار الدولة الواحدة وأخرى تفضل خيار الدولتين وسنرى"، لكن واشنطن "لم تعلق بعد على ذلك"، وأضاف: "في النهاية سأقرر ما أراه صائباً، ولكن بالتنسيق مع الدول الأخرى".
نهاية الحرب ومصير معلّق
من قاعة قمة شرم الشيخ، أعلن ترمب رسمياً أن الحرب في غزة انتهت، مؤكداً أن الشرق الأوسط يقف على أعتاب "عصر جديد من السلام والازدهار".
وعلى الرغم أن ترمب شدد على أن المرحلة المقبلة يجب أن تركز على إعادة الإعمار، وتهيئة بيئة استقرار إقليمي مستدام، إلا أنه ترك مصير حل الدولتين معلقاً، وسط مخاوف حقيقية تتعلق بمستقبل قطاع غزة والقضية الفلسطينية ككل، وفي مقدمتها عدم الالتزام بتنفيذ بنود "خطة ترمب".
وربما تشكل المشاهد السابقة ذروة الجولة القصيرة لترمب في الشرق الأوسط، وترسّخ صورتها كإحدى أكثر زيارات الرئيس الأميركي رمزية في المنطقة.