
قال رئيس مدغشقر أندري راجولينا إنه غادر البلاد خوفاً على حياته بعد تمرد عسكري، لكنه لم يعلن استقالته في خطاب بُث مساء الاثنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي من مكان لم يُكشف عنه، حسبما أفادت وكالة "أسوشيتد برس"، الثلاثاء.
ويواجه راجولينا منذ أسابيع احتجاجات مناهضة للحكومة يقودها "جيل زد"، بلغت ذروتها السبت الماضي حين انضمّت وحدة عسكرية نخبوية إلى المتظاهرين ودعت الرئيس وعدداً من الوزراء إلى التنحي، ما دفع راجولينا إلى التحذير من "محاولة غير قانونية للاستيلاء على السلطة" في الجزيرة الواقعة بالمحيط الهندي، قبل أن يغادر البلاد.
وأضاف راجولينا في خطابه الذي ألقاه خلال وقت متأخر من الليل: "لقد اضطررت إلى البحث عن مكان آمن لحماية حياتي". وكان من المقرر بث الخطاب على التلفزيون الرسمي في مدغشقر، لكنه تأخر لساعات بعد محاولة جنود السيطرة على مباني هيئة الإذاعة الرسمية، وفق ما ذكره مكتب الرئيس.
وفي نهاية المطاف، جرى بث الخطاب على الصفحة الرسمية للرئاسة على منصة "فيسبوك" فقط، دون أن يُعرض على التلفزيون الوطني.
ويمثل هذا الخطاب أول تعليق علني لراجولينا منذ أن انقلبت وحدة "كابسـات" (CAPSAT) العسكرية على حكومته فيما بدا أنه محاولة انقلاب، وانضمت إلى آلاف المتظاهرين الذين احتشدوا في ساحة رئيسية بالعاصمة أنتاناناريفو خلال نهاية الأسبوع.
ودعا راجولينا إلى "إجراء حوار لإيجاد مخرج من هذا الوضع"، مشدداً على ضرورة احترام الدستور. ولم يوضح كيف غادر مدغشقر أو إلى أين توجه، غير أن تقريراً أفاد بأنه نُقل إلى خارج البلاد على متن طائرة عسكرية فرنسية.
وذكرت "أسوشيتد برس" أن متحدثاً باسم وزارة الخارجية الفرنسية رفض التعليق على الأمر.
ومدغشقر مستعمرة فرنسية سابقة، وتقول تقارير إن راجولينا يحمل الجنسية الفرنسية، وهو ما يثير استياءً بين بعض سكان البلاد منذ سنوات.
واندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في 25 سبتمبر الماضي، بسبب انقطاع المياه والكهرباء بشكل متكرر، لكنها سرعان ما تحولت إلى حركة أوسع ضد الرئيس وحكومته.
وتُعد هذه الاضطرابات الأوسع التي تشهدها البلاد، البالغ عدد سكانها 31 مليون نسمة، منذ تولي راجولينا السلطة لأول مرة عام 2009 على رأس حكومة انتقالية عقب انقلاب عسكري.
وكانت الوحدة العسكرية النخبوية نفسها "كابسـات"، التي تتمرد ضده حالياً، قد لعبت دوراً محورياً في وصول راجولينا إلى الحكم عام 2009.
"كابسـات" تعلن سيطرتها على الجيش
ولم يحدد راجولينا هوية الجهة التي تقف وراء محاولة الانقلاب، لكن وحدة "كابسـات" أعلنت أنها باتت تسيطر على جميع القوات المسلحة في مدغشقر، وعينت ضابطاً جديداً قائداً للجيش، وهو ما وافق عليه وزير الدفاع في ظل غياب الرئيس.
ويبدو أن "كابسـات" باتت في موقع القوة وتحظى بدعم وحدات عسكرية أخرى، من بينها قوات الدرك.
وأفاد قائد الوحدة، الكولونيل مايكل راندريانيرينا، بأن الجيش "استجاب لنداءات الشعب"، لكنه نفى وجود انقلاب، موضحاً في مؤتمر صحافي عُقد الأحد بمقر القيادة العسكرية أن الأمر متروك لشعب مدغشقر ليقرر ما سيحدث لاحقاً، سواء غادر راجولينا السلطة أو أُجريت انتخابات جديدة.
وأشار راندريانيرينا إلى أن جنوده قرروا الوقوف إلى جانب المتظاهرين، وأنهم تبادلوا إطلاق النار مع قوات الأمن التي حاولت تفريق الاحتجاجات في نهاية الأسبوع، ما أسفر عن سقوط أحد جنوده. ومع ذلك، لم تشهد شوارع العاصمة معارك كبيرة، وظهر جنود على متن مدرعات يلوحون بأعلام مدغشقر وسط ترحيب من السكان في أنتاناناريفو.
ونصحت السفارة الأميركية في مدغشقر مواطنيها بالبقاء في منازلهم بسبب "الوضع المتقلب وغير المتوقع"، بينما دعا الاتحاد الإفريقي جميع الأطراف "المدنية والعسكرية" إلى التحلي بالهدوء وضبط النفس.
أسابيع من الاحتجاجات
اهتزت مدغشقر على مدى 3 أسابيع من احتجاجات دامية ضد الحكومة، قادتها في البداية مجموعة تُطلق على نفسها اسم "جيل زد مدغشقر".
وأعلنت الأمم المتحدة أن المظاهرات أودت بحياة ما لا يقل عن 22 شخصاً وإصابة العشرات، وانتقدت السلطات لاستخدامها "القوة المفرطة" ضد احتجاجات سلمية في بداياتها، بينما شككت الحكومة في عدد القتلى المعلن.
ويقول منظمو الحركة الشبابية إنهم استلهموا احتجاجاتهم من الانتفاضات التي أطاحت بحكومتي نيبال وسريلانكا.
تاريخ من الأزمات
شهدت مدغشقر إطاحة عدد من قادتها عبر انقلابات عسكرية، وعانت سلسلة من الأزمات السياسية منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960.
وبرز راجولينا، البالغ من العمر 51 عاماً، على الساحة السياسية عندما تولى رئاسة حكومة انتقالية عقب انقلاب عام 2009 الذي أجبر الرئيس آنذاك مارك رافالومانانا على الفرار من البلاد وفقدان السلطة.
وانتُخب رئيساً عام 2018، ثم أُعيد انتخابه في عام 2023 في اقتراع قاطعته أحزاب المعارضة.
وقالت حكومة موريشيوس إن رئيس الوزراء السابق لمدغشقر وأحد أقرب مستشاري الرئيس راجولينا فرا أيضاً من البلاد، ووصلا إلى الجزيرة المجاورة فجر الأحد على متن طائرة خاصة، مضيفة أنها "غير راضية" عن هبوط الطائرة على أراضيها.