
تشكل مسألة تسليم رفات المحتجزين الإسرائيليين أزمة جديدة بين تل أبيب و"حماس"، إذ تطالب الحركة الفلسطينية بتوفير معدات ثقيلة ومساعدة تقنية لانتشال 18 جثة من تحت الأنقاض، بينما تشترط إسرائيل استكمال تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بتسليم باقي الجثامين.
ووفق اتفاق وقف إطلاق النار في غزة الذي دخل في 11 أكتوبر الجاري حيز التنفيذ، يتوجب إطلاق "حماس" سراح كافة المحتجزين الإسرائيليين الأحياء والجثامين دفعة واحدة خلال أول 72 ساعة من الاتفاق.
وفي الموعد المحدد في 13 أكتوبر، سلّمت حماس 20 محتجزاً من الأحياء فقط، وبعد يومين سلمت الحركة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على ثلاث دفعات، 10 جثامين لإسرائيليين محتجزين في القطاع.
وتقول "حماس"، وعدد من الفصائل مثل حركة الجهاد الإسلامي، ولجان المقاومة الشعبية، إنها تتعثر في الوصول إلى 18 جثة، بعضها حصلت عليها عندما نفذت كتائب القسام هجومها على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، فاختطفت الحركة وفصائل أخرى 251 شخصاً إسرائيلياً بينهم عدد من العسكريين خلال الهجوم، من بينهم عدد من جثامين القتلى وآخرين أحياء، ولكن قتلوا في القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.
وبسبب عدم تسليم كل الجثامين، جمدت إسرائيل تنفيذ الاتفاق، خاصة ما يتعلق بفتح معبر رفح الحدودي مع مصر للأفراد والبضائع، المساعدات، والانسحابات من المناطق ذات التجمعات السكنية.
لماذا تأخير التسليم؟
أعلنت كتائب القسام في بيان مساء الخميس، أنها إلى جانب "الأسرى الأحياء" الإسرائيليين، سلّمت جثامين المحتجزين الذين استطاعت الوصول إليها.
وبيّنت أن "ما تبقى من جثامين تحتاج إلى جهود كبيرة ومعدات خاصة للبحث عنها واستخراجها" لكنها تعهدت ببذل جهد كبير لإغلاق هذا الملف.
وتقول مصادر في "حماس" إن جميع هذه الجثامين طمرت تحت أنقاض بنايات أو تحت أنقاض أنفاق تعرضت لضربات جوية إسرائيلية عنيفة ومدمرة.
وتفيد المصادر أن "حماس" عندما اختطفت المحتجزين الأحياء والجثامين في هجومها الكبير، نقلتهم إلى مدافن ومخابئ بعضها تحت الأرض في مناطق سريّة مختلفة في قطاع غزة.
وخلال الحرب أعلنت القسام مرات عدّة عن سقوط أو إصابة عدد من المحتجزين في القطاع.
ودفن القتلى إضافة إلى الجثامين في أماكن سرية، يعرفها أشخاص محدودو العدد من وحدة "الظل" المسؤولة عن الأسرى أحياء وأمواتاً، في كتائب القسام.
وتفيد مصادر مطلعة على سير عملية التبادل بين الأسرى والمحتجزين لـ"الشرق"، أن عناصر من القسام كانوا يحاولون، مساء الخميس، البحث على ما يبدو عن جثامين تحت أكوام ركام في منطقتين في خان يونس ومدينة غزة.
وبحسب المصادر، فإن بعض المباني التي دفنت بقربها جثامين بعض المحتجزين، مكونة من 10 طبقات، ومن الصعب الوصول إليها دون استخدام حفارات ومعدات البحث والانتشال.
وفي ما يتعلق بأزمة رفات المحتجزين، قال مسؤول أميركي لـ"الشرق" إن الوسطاء يتفهمون، وقالوا ذلك في إحاطة الخميس"، مضيفاً أن "هناك آلية مشتركة للمساعدة في البحث عن المحتجزين".
وأوضح أن "الأميركيين طلبوا من الإسرائيليين تزويدهم بالمعلومات الاستخباراتية، التي توفرت وستتوفر عن أي جثة، لتمريرها (للوسطاء)".
وتؤكد هذه المصادر أن جثامين المحتجزين الإسرائيليين قد تكون اختلطت مع مدنيين نتيجة للضربات الجوية العنيفة، وهو ما يتطلب أجهزة لفحص الحمض النووي والتمييز بينهم.
ويؤيد ما سبق عضو بارز بحركة "حماس" في غزة، إذ يقول إن "عدداً من المحتجزين من 3 إلى 5 ممن قتلوا في مخابئهم مع عناصر وحدة الظل المسؤولين عن حراستهم، قتلوا في أنفاق تحت الأرض وأيضاً اختلطت جثامينهم ببعضها".
ويضيف: "كتائب القسام جاهزة فوراً لانتشالهم وتسليمهم، لكن لا يوجد في القطاع أي معدات ثقيلة تساعد على تسريع عمليات الانتشال".
وألمح أيضاً إلى أن "عدداً محدوداً من الجثامين التي كانت قد دفنت في أماكن سرية، قد نحتاج إلى بعض الوقت لمعرفة المكان بالتحديد، لأن عناصر المجموعة الآسرة استشهدوا جميعاً"، مضيفاً أن الجيش الإسرائيلي جرّف مساحات واسعة في منطقة كان يتواجد بها جثامين في جنوب قطاع غزة دون مزيد من التفاصيل.
وصرح قيادي في "حماس"، بأن الحركة أبلغت الوسطاء مساء الخميس أنها سلمت كافة جثامين المحتجزين التي تمكنت الوصول إليهم، وتعهدت بتسليم باقي الجثامين، بعد دخول معدات ثقيلة لانتشالها.
وأوضحت مصادر في "حماس"، أنه جرى الاتفاق مع الوسطاء وبتنسيق مع الإدارة الأميركية والجانب الإسرائيلي أن تبدأ فرق فنية مصرية وتركية الأسبوع المقبل (على الأغلب الأحد) بتوفير معدّات ثقيلة ومستلزمات لوجستية، للمساعدة على عمليات انتشال الجثامين المتبقية.
وقال قيادي آخر في الحركة إن "حماس" طالبت الوسطاء بإلزام إسرائيل تنفيذ الاتفاق، من دون ربط فتح معبر رفح باستكمال تسليم باقي الجثامين، لا سيما أن "حماس أوضحت تفاصيل الظروف الميدانية واللوجيستية التي يتفهمها الوسطاء".
تشكيك إسرائيلي
في الجانب الإسرائيلي، تقول المصادر الإسرائيلية، إن تل أبيب تطالب بإعادة الجثامين بأسرع وقت ممكن، وتشكك في ما تقوله "حماس" حول أن الحركة سلّمت العدد المتاح لديها، مشيرة إلى أن الأجهزة الأمنية ووفق المعلومات المتوفرة، فإن لدى حماس عدداً أكبر من الجثامين حالياً.
وتحاول تل أبيب من خلال اتصالات جارية مع الولايات المتحدة، إقناع واشنطن بأن "حماس" تتهرب من تنفيذ الاتفاق، وتطالب بإعطائها إمكانية تقليص المساعدات للضغط على الحركة.
وفي المقابل، جاءت تصريحات لوزير الدفاع يسرائيل كاتس، بأنه أعطى تعليمات للجيش بتجهيز خطة عسكرية لمواصلة الحرب والعثور على الجثامين، والقضاء نهائياً على حركة حماس سياسياً وعسكرياً، ولكن وفق تقدير المصادر، فإن الأمر يبقى مرهوناً بالقرار الأميركي الذي يطالب حتى ساعة إعداد هذا التقرير باستمرار تنفيذ الاتفاق.
وتشير المصادر الإسرائيلية إلى توقع بحلحلة الموضوع مع دخول طاقم "تركي قطري مصري أميركي" إلى غزة لتحديد مواقع الجثامين، ودخول معدات للمساعدة في العثور على الجثامين، خاصة أن جزءاً من المعلومات عن أماكنها يأتي من الاستخبارات الإسرائيلية.
صفقات التبادل السابقة
وجرت عملية تسليم 20 محتجزاً إسرائيلياً دفعة واحدة في 13 أكتوبر الجاري عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومن دون أية مراسم احتفالية أو حضور جماهيري مثل عمليات التبادل السابقة، وسلمت "حماس" الأسبوع الماضي 10 جثامين لمحتجزين إسرائيليين.
وأعلنت إسرائيل، الخميس، أن إحدى الرفات لا تنطبق عليها مواصفات أي من الجثامين، وبحسب مصدر مطلع في "حماس"، تبين أن الجثة تعود لشخص فلسطيني "متخابر" مع الجيش الإسرائيلي، حسب قوله.
وكانت كتائب القسام أعلنت في مايو 2024 عن هجوم على قوة عسكرية إسرائيلية في مخيم جباليا شمال القطاع، وقالت في ذلك الوقت إنها اختطفت جثتين حينها، وبثت صوراً ما بدا لقيام عناصرها بسحب جثة.
ونجحت الوساطات المصرية والقطرية وأطراف أخرى، بتنفيذ ثلاث صفقات للتبادل وهي كالتالي:
في أول هدنة صمدت لعدة أسابيع، أطلقت "حماس" سراح 105 محتجزين أحياء بينهم أطفال ونساء وكبار السن، وصُنّف معظمهم على أنهم من المدنيين، حيث جرى الإفراج عنهم ما بين 24 و30 نوفمبر 2023، وفي المقابل أطلقت إسرائيل سراح 150 أسيراً فلسطينياً من ذوي المحكوميات العالية.
وخلال هدنة استمرت ستين يوماً فقط، وفي الفترة بين 19 يناير و22 فبراير عام 2024 أفرجت "حماس" عن كافة من تبقى من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، وعدد 34 محتجزاً جميعهم من الأحياء، وفي المقابل أفرجت إسرائيل عن حوالي 1050 أسيراً ممن اعتقلهم الجيش الإسرائيلي بعد اندلاع الحرب، وجميعهم من سكان قطاع غزة.
وسلّمت "حماس" عدة جثامين لمحتجزين من بينها لجندي إسرائيلي سقط في هجوم لحماس في 2014.
وفي 13 أكتوبر، أفرجت حماس عن 20 محتجزاً إسرائيلياً صنفتهم حماس بالعسكريين دفعة واحدة، مقابل نحو 250 من الأسرى أصحاب المؤبدات والمحكوميات العالية، ونحو 1700 من معتقلي غزة بعد الحرب.
وسلّمت حماس 10 جثامين، في المقابل سلمت إسرائيل نحو 120 جثة لفلسطينيين قتلوا خلال الحرب، ولا تشمل هذه الجثامين رفات الشقيقين رئيس حركة "حماس" يحيى السنوار، وأبرز القادة العسكريين في الحركة محمد السنوار.
ورغم كل المحاولات، رفضت إسرائيل بشكل قاطع الإفراج عن أبرز قادة الأسرى "السبعة الكبار" مثل القيادي البارز في حركة فتح مروان البرغوثي، وأمين عام الجبهة الشعبية أحمد سعدات، والقادة في حماس حسن سلامة، وعباس السيد، وعبد الله البرغوثي.
وتمكن الجيش الإسرائيلي خلال عمليات عسكرية خاصة من تخليص ثمانية محتجزين، وجثتان خلال الحرب.
وإحدى المحتجزات التي أعلن الجيش الإسرائيلي تحريرها، كانت سيدة لدى أشخاص مدنيين لا علاقة لهم بالفصائل في منزل في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، وجرى إطلاق سراحها في عملية معقدة في أواخر 2023، بعد الاتفاق مع الأشخاص الذين يحتجزوا السيدة.