اعتبرت وكالة "بلومبرغ" أن الرئيس الأفغاني السابق، أشرف غني، كان الرجل المناسب لإصلاح بلاده، نتيجة خلفيته الأكاديمية، قبل أن يفرّ، بعدما سيطرت حركة "طالبان" على العاصمة كابول.
قبل أن يصبح رئيساً، في عام 2014، أمضى غني جزءاً كبيراً من حياته في دراسة كيفية تعزيز النموّ في الدول الفقيرة. وحاز الدكتوراه من "جامعة كولومبيا"، ودرّس في مؤسسات أكاديمية مرموقة في الولايات المتحدة، قبل عمله في البنك الدولي والأمم المتحدة. ثم شارك في إعداد كتاب "إصلاح الدول الفاشلة: إطار لإعادة بناء عالم ممزق".
ورغم أن غني من البشتون، المجموعة العرقية المهيمنة في البلاد، إلا أنه اعتُبر دخيلاً "يفتقر إلى اللمسة السياسية لتوحيد فصائل متباينة، وبات أكثر عزلة بمرور الوقت"، وفقاً لـ"بلومبرغ".
ونقلت الوكالة عن كبير تانيجا، وهو باحث في مؤسسة Observer Research Foundation بنيودلهي ومعدّ كتاب "خطر داعش: المجموعة الإرهابية الأكثر رعباً في العالم وظلّها في جنوب آسيا"، قوله: "لم يكن غني يستوعب الحقائق المتعلّقة بكيفية إدارة أفغانستان. إما أنه لم يفهم وإما لم يستطع فهم القادة العسكريين، الذين هم في الأساس أشخاص يمثلون خطوط الصدع العرقية" في البلاد.
"أسوأ وظيفة على الأرض"
بعد الغزو الأميركي في عام 2001، عاد غني إلى أفغانستان، للمرة الأولى منذ أكثر من ربع قرن، وعمل لسنتين وزيراً للمال في حكومة الرئيس حامد كرزاي. ثم كتب مقالات في صحف كبرى، وتحدث في مؤتمرات، واعتُبر مرشحاً لمنصب الأمين العام للأمم المتحدة.
وبعد خوضه انتخابات رئاسية فاشلة، في عام 2009، ارتبط غني بساسة أفغان بارزين، بينهم القائد العسكري عبد الرشيد دوستم، ليُنتخب رئيساً بعد 5 سنوات. لكن نصره قُوّض منذ البداية، إذ زار وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، كابول للتوسّط في تشكيل حكومة وحدة وطنية، منحت أبرز منافسي غني، عبد الله عبد الله، منصب "الرئيس التنفيذي"، وهذا لقب ليس مدرجاً في دستور أفغانستان.
في عام 2017، قال غني لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إنه حصل على "أسوأ وظيفة على الأرض". ومع ذلك، زعم أن قوات الأمن الأفغانية تجاوزت منعطفاً في قتالها "طالبان"، معتبراً أن قوات التحالف الدولي ستكون قادرة على المغادرة بحلول عام 2021.
اتضح أن تقدير غني دقيق، ولكن ليس بالطريقة التي تكهّن بها، كما ذكرت "بلومبرغ"، إذ بدأت إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب، محادثات مباشرة مع "طالبان"، في محاولة لإنهاء أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، وأقصت غني عن هذا المسار. وبعدما حدّد الرئيس الأميركي، جو بايدن، موعداً نهائياً للانسحاب في 31 أغسطس، قاوم غني دعوات إلى التنحّي والسماح لحكومة انتقالية بتولّي الحكم، فيما حققت "طالبان" تقدّماً عسكرياً.
ونقلت الوكالة عن عمر صمد، وهو سفير أفغاني سابق في أوروبا وباحث في معهد "أتلانتيك كاونسل"، قوله: "تظاهر غني بأنه يسعى إلى السلام، لكنه كان يؤيّد الحرب كي يحتفظ بالسلطة، ولو كلّف ذلك أرواحاً ودفع طالبان للعودة إلى الخيار العسكري. تكتيكات التأخير دمّرت فرص التوصّل إلى اتفاق، كان سيقصيه من منصبه ولكنه كان سيمهّد لانتقال واسع" للسلطة.
"لن أبحث عن ملاذ آمن"
مع اقتراب "طالبان" من كابول في نهاية الأسبوع الماضي، شدد غني على أنه سيتجنّب مصير الملك السابق أمان الله خان، الذي تنازل عن العرش وفرّ إلى الهند البريطانية، في عام 1929. وقال في كابول، في 4 أغسطس: "لن أهرب. لن أبحث عن ملاذ آمن وسأكون في خدمة الناس".
ولكن مع إطباق "طالبان" على كابول، بدا غني معزولاً بشكل متزايد. وفي تسجيل مصوّر بُثّ قبل ساعات من فراره، دعا الرئيس السابق وزارة الدفاع إلى إقامة خطوط هاتفية، لمساعدة المواطنين على الاتصال بها. وبعد فراره، كتب غني على "فيسبوك" أنه غادر بلاده لتجنّب إراقة الدماء، في خطوة أغضبت وزراءه. وكتب وزير الدفاع الأفغاني بالوكالة، بسم الله محمدي، على "تويتر": "قيّدوا أيدينا من وراء ظهورنا وباعوا البلاد. اللعنة على غني وفريقه".
ومع رحيل غني، يقود كرزاي وساسة أفغان آخرون محادثات مع "طالبان" في الدوحة، بشأن تشكيل حكومة جديدة. وأشارت "بلومبرغ" إلى أن الطرفين سيتفقان على أمر واحد، هو ازدراء غني. وقال عبد الحق حمد، من الفريق الإعلامي للحركة، لشبكة "طلوع نيوز" الأفغانية: "خان أشرف غني وطنه، وفريقه وقبيلته. هذه الخيانة ستبقى دوماً في الذاكرة".
اقرأ أيضاً: