
تقدمت الوكالة الفيدرالية الأميركية المسؤولة عن بناء الأسلحة النووية وتأمين الترسانة النووية بطلب عاجل إلى البيت الأبيض، قبل نفاد تمويلها، لاستخدام الأموال المتبقية من مشاريع قوانين الإنفاق السابقة بهدف تجنب منح موظفيها إجازات غير مدفوعة الأجر، إلا أن هذا الطلب لم يلب حتى الآن، وفق ما ذكرت مصادر مطلعة لـCNN.
وذكرت المصادر أن طلب الإدارة الوطنية للأمن النووي NNSA من مكتب الإدارة والميزانية التابع للبيت الأبيض، لم يُلبَّ، على الرغم من استخدام تمويل مماثل لدفع رواتب الجيش، وعملاء الجمارك، وحرس الحدود، وعناصر خفر السواحل، إلى جانب عدد من مسؤولي إنفاذ القانون الفدراليين.
ومنحت الوكالة الأسبوع الماضي، إجازات غير مدفوعة لمعظم موظفيها الدائمين، والبالغ عددهم نحو 1400 موظف، وهي المرة الأولى التي تشهد فيها هذه الوكالة الحيوية للأمن القومي تسريحات مؤقتة خلال فترة إغلاق حكومي.
وقال متحدث باسم وزارة الطاقة الأميركية، التي تشرف على الوكالة، في بيان: "بينما تمكنت الإدارة من تخصيص التمويل اللازم للحفاظ على تشغيل مختبرات الأسلحة النووية والمصانع والمواقع التابعة للوكالة، إلا أن القيود القانونية والميزانية أجبرتها على البدء في تسريح الموظفين الفيدراليين بالوكالة".
وذكرت المصادر أن الأمر كان مفاجئاً للبعض داخل الوكالة التي تبلغ ميزانيتها 25 مليار دولار، وتخصص نحو 20 مليار منها لتصنيع الأسلحة النووية، التي يتم تثبيت بعض مكوناتها على طرادات البحرية وقاذفات القنابل التابعة لسلاح الجو الأميركي.
وقال أحد المصادر في الوكالة: "كان الناس يأملون، بعد أن شاهدوا وزارة الدفاع (البنتاجون) تعيد تخصيص الأموال لدفع رواتب الجنود، أن نحصل على نفس المعاملة، لأننا نقوم بنفس العمل من أجل الأمن القومي".
وأضاف مصدر آخر: "تلك الأموال، دون شك، كانت ستبقي جميع الموظفين الـ1400 الذين تم تسريحهم على رأس عملهم".
وأشارت الشبكة إلى أن معظم هؤلاء الموظفين الدائمين يشرفون على تطوير الأسلحة، بينما يعمل آخرون على جهود منع انتشار الأسلحة النووية.
وقال مصدر إن موظفي الوكالة كانوا "في حالة ذهول بسبب التسريحات، جزئياً لأنهم لم يكونوا في حالة انشغال مماثلة منذ عقود، مشيرين إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترمب زادت الضغوط للوفاء بمواعيد نهائية أكثر صرامة لتسليم أسلحة حديثة إلى البنتاجون، ما زاد حجم العمل داخل الوكالة بشكل كبير".
"تقويض إنتاج الأسلحة النووية"
قبل انتخاب ترمب، قال مدير الإدارة الوطنية للأمن النووي في عهد الرئيس السابق جو بايدن أمام الكونجرس إن الوكالة "باتت مطالبة بالقيام بأشياء أكثر من أي وقت مضى منذ مشروع مانهاتن" (الذي أطلق برنامج تطوير الأسلحة النووية في الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية).
والآن يخشى مسؤولو الإدارة الوطنية للأمن النووي أن يؤدي الإغلاق الحكومي، وهو الأحدث في سلسلة من الاضطرابات منذ تولي ترمب منصبه، إلى تقويض أهداف إنتاج الأسلحة النووية التي حددتها الإدارة.
وأكد مصدر أن "إيقاف الإنتاج حتى لفترة قصيرة قد يتسبب في تأخير المواعيد النهائية للأسلحة لشهور، إن لم يكن لسنوات، نظراً للتعقيد الذي ينطوي عليه إغلاق العمل على المواد النووية مثل البلوتونيوم، وهي عملية قد تستغرق أسبوعاً كاملاً".
وكانت الوكالة واجهت صعوبات سابقة بسبب جولات متلاحقة من عمليات الفصل وإعادة التوظيف لمئات العمال في فبراير الماضي، بالإضافة إلى تجميد طويل للتوظيف هذا العام.
وقال موظفون في الوكالة، تحدثوا إلى CNN، طالبين حجب هوياتهم خوفاً من الانتقام، إن هذه الانتكاسات تتعارض مباشرة مع الأهداف الأمنية الوطنية الطموحة التي وضعتها إدارة ترمب. وأوضح أحدهم: "إذا كان هذا الأمر مهماً لهم، وهم يقولون إنه كذلك، فهم لا يتصرفون على هذا النحو".
ورغم أن معظم الموظفين الفيدراليين في الوكالة مُنحوا إجازات غير مدفوعة، لا يزال نحو 400 موظف يعملون دون أجر. في المقابل، يواصل عدة آلاف من المقاولين الفيدراليين العاملين في بناء الأسلحة النووية لصالح NNSA، تقاضي رواتبهم من مصدر تمويل منفصل.
وأفادت مصادر مطلعة بأن أموالاً من "قانون ترمب الكبير والجميل"، وهي حزمة الضرائب والإنفاق الضخمة التي أُقرت في وقت سابق من هذا العام، حُوِّلت لإبقاء رواتب المتعاقدين حتى نهاية الشهر الجاري. ويشمل ذلك تمويلاً مخصصاً لجهود تحديث الترسانة النووية، إلا أن هناك قيوداً قانونية تمنع استخدام تلك الأموال لدفع رواتب الموظفين الفيدراليين الدائمين.
وتمت الموافقة، الاثنين الماضي، على تخصيص أموال إضافية للاستمرار في دفع رواتب المتعهدين حتى نهاية نوفمبر المقبل.
ومع أن المتعهدين يستطيعون مواصلة العمل مؤقتاً، فإن العملية الإنتاجية لا يمكن أن تستمر بالوتيرة المطلوبة، لأن معظم الموظفين الفيدراليين المسؤولين عن الإشراف والموافقة على أعمال المتعهدين مُنحوا إجازات. وهذا يعني أن خطوط الإنتاج لا يمكن أن تعمل بشكل كامل، ولا يمكن تسليم الأسلحة من دون فحص وموافقة الموظفين الفيدراليين في الوكالة.
وهناك 8 مواقع في الولايات المتحدة متخصصة في تصميم وتصنيع مكونات مختلفة للرؤوس الحربية النووية. وأعربت المصادر عن قلق خاص من احتمال توقف الأنشطة في منشأة بانتكس في تكساس، وهو الموقع الرئيسي لتجميع الأسلحة النووية الجديدة وتفكيك القديمة، وكذلك في منشأة "Y‑12" في تينيسي، حيث يُخزن اليورانيوم المُخصَّب، وتُعاد تأهيل مكونات الأسلحة النووية.
وكان من المتوقع أن تنفد أموال هذين الموقعين الأسبوع المقبل، لكن التمويل الممنوح بموجب "القانون الكبير الجميل" أتاح لهما مهلة إضافية حتى نهاية أكتوبر الجاري. وقال أحد المصادر: "لا يوجد صندوق أموال غير محدود، وهذه الأموال لن تستمر إلى الأبد".
تحديات إضافية للإدارة
وفي تصريح لوسائل الإعلام في نيفادا الأسبوع الماضي، قال وزير الطاقة الأميركي كريس رايت إن الإدارة سعت لإيجاد "تمويل مبتكر إضافي" لإبقاء المتعاقدين والمرافق النووية تعمل.
وأضاف: "لقد عملنا داخل إدارة ترمب، عبر مختلف الوكالات، في وزارة الطاقة ومكتب الإدارة والميزانية، لإيجاد طرق مبتكرة للحفاظ على التمويل وإبقاء المتعاقدين على رأس عملهم على الأقل حتى نهاية الشهر".
ولكن لا توجد ضمانات بحل الإغلاق في هذا الإطار الزمني، وقالت CNN إن عدم العثور على تمويل إضافي سيُوقف العمل الحيوي لبناء الأسلحة الجديدة تماماً، ما "سيهدر وقتاً ثميناً".
ونقلت الشبكة عن أحد المصادر قوله: "الأمر لا يشبه مجرد إطفاء الأنوار والعودة إلى المنزل. عليك التأكد من أن كل شيء وُضع في مكانه بشكل آمن".
وأشارت الشبكة إلى أن إعادة تشغيل الموظفين ستستغرق وقتاً أيضاً، ما يعني أن حتى التأخير القصير بسبب الإغلاق يمكن أن يعرقل قدرة الوكالة على الوفاء بالجداول الزمنية الدقيقة لمشاريعها.
وتتمثل المهمة التالية الكبرى للوكالة في تصنيع رؤوس حربية لصواريخ كروز بعيدة المدى لسلاح الجو الأميركي بحلول عام 2027، مع مواعيد نهائية أخرى تمتد حتى عام 2035.
سباق الزمن وأثره على الأهداف الاستراتيجية
وحتى قبل الإغلاق، كانت NNSA تُكافح لمواكبة عبء العمل المتزايد في فترة ولاية ترمب الثانية، حيث تم تسريع الجداول الزمنية لعدد من برامج الأسلحة الرئيسية لتسليمها إلى وزارة الدفاع.
وفي هذا العام أنتجت الوكالة أول قنبلة جاذبية حديثة من طراز B61‑13 قبل الموعد المحدد، وهي الآن تعمل على سلسلة من الأهداف الهامة، بما في ذلك تصميم وبناء صواريخ كروز بحرية جديدة وتحديث الرأس النووي W88 للبحرية.
وقال أحد المصادر: "هناك بالتأكيد شعور بالإلحاح فيما يتعلق بإنتاج الأسلحة في فترة ولاية ترمب الثانية. يبدو أن المهمة أصبحت أكثر أهمية، وإذا نظرنا إلى الأحداث العالمية، سيكون من السهل فهم السبب وراء هذا الشعور".
ومع ذلك، وفقاً للمصادر، أصبح تحقيق أهداف الرئيس الخاصة بالأسلحة النووية أكثر صعوبة كثيراً بسبب الإغلاق. وأضاف أحدهم: "إذا رأى خصومك أنك لا تستطيع تنظيم صفوفك وإنجاز ما تقول إنه ضروري لأمنك القومي، فإن ذلك في كثير من الحالات يمكن أن يُعزز موقفهم".













