"دعم إسرائيل" يعصف باليمين الأميركي ويعمق خلافات معسكر "ماجا" الموالي لترمب

جدل جمهوري واسع بعد حوار تاكر كارلسون مع الناشط اليميني نيك فوينتيس

time reading iconدقائق القراءة - 10
صورة نشرها الناشط اليميني نيك فوينتيس مع المذيع تاكر كارلسون خلال المقابلة التي أثارت جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة. 29 أكتوبر 2025 - @NickJFuentes
صورة نشرها الناشط اليميني نيك فوينتيس مع المذيع تاكر كارلسون خلال المقابلة التي أثارت جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة. 29 أكتوبر 2025 - @NickJFuentes
دبي -الشرق

أثار المذيع الأميركي تاكر كارلسون عاصفة من الجدل داخل التيار المحافظ في الولايات المتحدة، وعمّق الانقسام داخل الحزب الجمهوري، بعد المقابلة التي أجراها مع الناشط اليميني نيك فوينتيس، المعروف بخطاباته التي توصف بـ"المتطرفة"، وحُظر بسببها في معظم المنابر الإعلامية.

خلال المقابلة، استعرض فوينتيس (27 عاماً) بداياته في العمل السياسي منذ كان طالباً جامعياً، موضحاً كيف حاولت أوساط من التيار المحافظ المؤيد لإسرائيل، ومن بينهم شخصيات إعلامية مثل بن شابيرو، استقطابه إلى صفوفها في تلك المرحلة. لكنه لاحقاً تحوّل إلى أحد أبرز المنتقدين لإسرائيل داخل اليمين الأميركي، بدعوى "التدخل في السياسة الأميركية".

ويُتهم فوينتيس بأنه "معاد للسامية" بسبب تشكيكه في أعداد "ضحايا الهولوكوست" في الحرب العالمية الثانية، و"تمجيده لهتلر"، وبسبب ما يعتبره "سيطرة اليهود" على الولايات المتحدة.

واعتبر فوينتيس، أن اليهود الأميركيين يقدمون مصلحة إسرائيل على الولايات المتحدة، وأنهم "مهووسون بتاريخ اضطهادهم"، مضيفاً: "نحن كأميركيين وبيض لا نفكر بهذه الطريقة".

في إحدى فترات المقابلة، أظهر كارلسون رفضه للتفرقة على مبدأ الهوية و"الحكم على الناس لأنهم ولدوا فقط يهوداً"، معتبراً أن هذا الطرح يقود فقط إلى مزيد من "الانقسام" وربما "العنف السياسي"، ولكن فوينتيس أصر على أن "اليهود المنظمون في أميركا يشكلون تحدياً كبيراً للتناغم الاجتماعي".

وبالفعل تسببت هذه المقابلة في انقسام واضح داخل التيار المحافظ، المعروف بدعمه لإسرائيل، وخصوصاً تيار "ماجا" MAGA (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى)، والذي يمثل القاعدة السياسية الأساسية للرئيس الأميركي دونالد ترمب.

خطاب انتقاد إسرائيل

يواجه فوينتيس اتهامات بـ"الفكر المتطرف" و"معاداة اليهود" و"السود" و"المهاجرين"، وتشدده للعرق الأبيض، ما تسبب في حظر نشاطه من معظم مواقع التواصل الاجتماعي.

ورغم أن الخطاب المتطرف ليس جديداً في التيار المحافظ، فبن شبيرو أو مارك ليفين أو لورا لومر مثلاً، يقودون خطابات معادية للمسلمين والسود في الولايات المتحدة منذ فترة، ولكنهم لم يواجهوا نفس الحظر مثل فوينتيس، الذي وجد نفسه ممنوعاً من الظهور في أغلب المواقع والقنوات التلفزيونية.

يقول فوينتيس في مقابلته مع تاكر كارلسون، إنه عندما بدأ حياته السياسية في الجامعة حاول بن شبيرو استدراجه، ولكنه تخلى عنه لاحقاً، وانتقده بشدة بسبب معارضته تبني خطاب مؤيد لإسرائيل.

وأعيد تسليط الضوء مؤخراً على فوينتيس مع تصاعد الخطاب المنتقد لإسرائيل داخل التيار المحافظ الأميركي في الأشهر الأخيرة، خصوصاً بسبب الحرب على غزة، ومحاولة جر الولايات المتحدة للحرب مع إيران.

يقول فوينتيس إن المحافظين "بدأوا فقط يدركون الحقيقة، التي تحدث منذ زمن، وهو أننا نخوض حروب هؤلاء الناس منذ أجيال" في إشارة إلى إسرائيل.

وسارع عدد من السياسيين المحافظين إلى إدانة المقابلة ومنح منصة لفوينتيس، وتركّزت الانتقادات خصوصاً من المحافظين المؤيدين لإسرائيل. غير أن معظم هؤلاء ينتمون إلى الجيل السياسي القديم داخل اليمين الأميركي، والذي يبدو بعيداً عن التحولات الجديدة التي يشهدها التيار المحافظ، ولا توجد مؤشرات حتى الآن على قدرتهم على استعادة زمام السيطرة داخل الحزب الجمهوري.

ويوصف فوينتيس بأنه "الطليعة الجديدة للحركة المحافظة"، خصوصاً وأن القوى التي كانت تحدد شكل هذه الحركة، مثل السيناتور الجمهوري، ميتش ماكونيل وقناة "فوكس نيوز"، تفقد حالياً قدرتها على تحديد الأولويات، وفرض القواعد على أشخاص مثله.

يقول موقع Religion Unplugged إن بروز اسم فوينتيس "يشكل تهديداً خاصاً لليهود"، لأنهم كأقلية اعتمدوا تاريخياً على استراتيجيتين للحفاظ على مكانتهم، أولاً "التحالف مع أقليات أخرى للمطالبة بحقوق متساوية"، وثانياً "الحفاظ على علاقة وثيقة مع أصحاب السلطة لتوفير حماية خاصة لهم".

والنموذج الثاني أصبح هو الأساس خلال إدارة ترمب، وقد حقق بعض النجاح مثل ضغط البيت الأبيض على الجامعات لإلغاء برامج التنوع، مع مطالبتها في الوقت نفسه بـ"توفير خدمات خاصة للطلاب اليهود".

مؤسسة "هيريتيج"

ما أثار قلق المحافظين الداعمين لإسرائيل، أن مؤسسة "هيريتيج" (التراث)، وهي مركز تفكير مؤثر يضع خطط سياسات للبيت الأبيض، سارعت للدفاع عن كارلسون بعد مقابلته مع فوينتيس.

وأصر رئيس "هيريتيج" كيفن روبرتس، على أن "المسيحيين يمكنهم انتقاد دولة إسرائيل". وقال في مقطع فيديو نُشر في 30 أكتوبر: "لم تصبح مؤسسة هيريتدج العمود الفقري لفكر الحركة المحافظة بإلغاء أصواتنا أو مراقبة ضمائر المسيحيين، ولن نبدأ بفعل ذلك الآن".

ودافع روبرتس عن كارلسون، قائلاً إن كارلسون "سيظل دائماً صديقاً للمنظمة التي احتضنت الفكر اليميني منذ عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريجان، وساهمت في تشكيل أجندة ترمب السياسية"، مضيفاً أن "التحالف السام الذي يهاجمه (كارلسون) يزرع الفرقة".

 تسببت تصريحات روبرتس في شرخ بارز داخل البيت المحافظ، وحتى داخل مؤسسة "هيريتدج" نفسها، إذ استقال خمسة أعضاء على الأقل من فريق عمل المؤسسة "هيريتدج" المعني بـ"معاداة السامية" وسط دعوات لاستقالة روبرتس، بحسب CBS News.

كما هددت مجموعات يهودية يمينية عدة مرتبطة بـ"هيريتدج"، بمن فيها منظمة "الصهيونية في أميركا"، بقطع العلاقات مع المؤسسة.

وفي مؤتمر "التحالف اليهودي الجمهوري" في لاس فيجاس، الأسبوع الماضي، وُصف السيناتور، تيد كروز كارلسون، بأنه "جبان" ومتواطئ مع "الشر" بسبب صمته على أقوال فوينتيس. وكانت مقابلة كروز مع كارلسون، في يونيو الماضي، تسببت في موجة انتقادات كبيرة للسيناتور الأميركي، بعد قوله إنه انتخب ممثلاً عن تكساس في مجلس الشيوخ للدفاع عن إسرائيل، وأيضاً بسبب زعمه أن إسرائيل الحالية هي نفسها المذكورة في الكتاب المقدس.

خطاب فوينتيس

لأكثر من خمس سنوات، كان تشارلي كيرك الوجه الأبرز للشباب اليمينيين في الولايات المتحدة، من خلال منظمة Turning Point USA، التي برزت بشكل كبير داخل الجامعات الأميركية.

لكن بعد اغتيال كيرك على المسرح في ولاية يوتا في سبتمبر الماضي، بدأت تظهر أصوات أخرى تحاول ملء الفراغ، من بينها فوينتيس، رغم أن له ماض داخل حركة المحافظين، وفق صحيفة "واشنطن بوست".

وكان فوينتيس قد برز في أواخر ولاية ترمب الأولى بين فئة من الشبان المستائين من الساسة الأميركيين، كما أنه تناول العشاء مع ترمب في منتجعه الخاص "مارالاجو" في فلوريدا في عام 2022، رغم أن الرئيس الأميركي قال لاحقاً إنه لم يكن يعرف مواقفه.

وقال فوينتيس في مقابلته مع تاكر كارلسون، إن الشعار الذي رفعه ترمب "أميركا أولاً" هو من جعله داعماً كبيراً له، قبل أن يختلف معه لاحقاً.

كما انضم فوينتيس إلى حركة "أوقفوا السرقة" المؤيدة لترمب، وشجّع المحتجين خلال اقتحام الكونجرس الأميركي في 6 يناير 2021 باستخدام مكبر صوت.

وبحلول الوقت الذي تولى فيه الرئيس الأميركي السابق جو بايدن منصبه، كان فوينتيس قد تم حظره أو إيقافه مؤقتاً من جميع المنصات تقريباً.

هذا الحظر من المنصات أدى إلى تحجيم انتشار فوينتيس، لكنه واصل نشاطاته، ووجد في النهاية ملاذاً على موقع Rumble. وبقي لديه جمهور متابع، فيما قرر المحافظون التقليديون تجاهله بدلاً من الجدال معه.

وعاد فوينتيس إلى الأضواء مجدداً بعدما رفع الملياردير إيلون ماسك الحظر عنه في منصة "إكس" في مايو 2024، بعد أن شكك متابع لفوينتيس في التزام ماسك بحرية التعبير. ورد ماسك قائلاً: "حسناً، ستتم إعادة تفعيل حسابه، شريطة ألا ينتهك القواعد. من الأفضل أن يكون المعارضون ظاهرين في العلن ليتم الرد عليهم، بدلاً من أن ينموا في الظلام".

 مقابلة فوينتيس مع كارلسون كانت مجرد محطة واحدة في جولة بودكاست موسعة، إذ ظهر مؤخراً في برامج للصحافي المعارض، جلين جرينوالد، ورجل الأعمال المحافظ، باتريك بيت ديفيد، وبرنامج Red Scare الذي أصبح أكثر تقارباً مع ترمب. 

وقال جرينوالد على منصة "إكس"، إن "المؤسسة الجمهورية تهاجم فوينتيس فقط لأنه لا يدعم إسرائيل".

وأضاف: "لا أحد ينشر عنصرية صريحة أكثر من لورا لومير، لكنها واحدة من أقرب مستشاري ترمب، وذلك لأنها، على عكس فوينتيس، تدعم إسرائيل، لذلك يُسمح لها بذلك".

الصهيونية المسيحية

بعد مقابلته مع فوينتيس، واجه تاكر كارلسون هجوماً كبيراً من قبل المحافظين الداعمين لإسرائيل، والذين أصبحوا يصفونه بـ"المعادي للسامية"، رغم أن تاكر ينفي ذلك، ويقول إنه ينتقد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتدخل إسرائيل في السياسة الأميركية.

وكانت أكثر اللحظات تداولاً هي انتقادات كارلسون لـ"الصهيونية المسيحية"، واصفاً هذه المعتقدات بأنها "هرطقة خطيرة" و"فيروس عقائدي يصيب الكنيسة".

والصهيونية المسيحية، هي حركة إنجيلية واسعة في الولايات المتحدة، وتدعو المسيحيين لدعم إسرائيل.

في حواره مع فوينتيس بدأ كارلسون الحديث عن جذور التيار المحافظ الجديد Neoconservatives، الذي ضم شخصيات بارزة مثل إيرفينج كريستول، الصحافي والمؤرخ الأميركي، والكاتب نورمان بودهوريتز، منظر السياسة الخارجية التدخلية للولايات المتحدة.

وقال فوينتيس: "نشأ هذا التيار من يساريين يهود صدمتهم الحقيقة عندما شاهدوا الهجوم المفاجئ في حرب عام 1973"، في إشارة إلى حرب تحرير سيناء في أكتوبر 1973.

ورد كارلسون قائلاً: "ولكن كيف تفسر أن (السفير الأميركي لدى إسرائيل) مايك هاكابي، والسيناتور تيد كروز، ومستشار الأمن القومي السابق جون بولتون؟.. وأيضاً (الرئيس السابق) جورج دبليو بوش، و(مستشار بوش السابق) كارل روف، جميعهم أشخاص أعرفهم شخصياً، وقد استحوذ عليهم هذا الفيروس العقلي، وهم ليسوا يهوداً، معظمهم يعرّفون أنفسهم كمسيحيين".

وواجه كارلسون انتقادات كبيرة في الولايات المتحدة بسبب هذه التصريحات، وقال لاحقاً إنه يأسف على قوله ذلك.

ويبتعد كبار المسؤولين في البيت الأبيض حتى الآن عن الانخراط في الجدل حول فوينتيس. وفي منشور على منصة "إكس"، الأربعاء، وصف نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، الخلاف بأنه "غبي"، ودعا المحافظين إلى "العمل معاً لهزيمة الديمقراطيين".

تصنيفات

قصص قد تهمك