وثائق أميركية تكشف قلق إدارة ترمب من انهيار اتفاق غزة

"بوليتيكو": 400 مسؤول وخبير ناقشوا تحديات المرحلة الثانية ومخاوف مستقبل المنطقة

time reading iconدقائق القراءة - 11
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلقي كلمة خلال قمة شرم الشيخ للسلام، مصر. 13 أكتوبر 2025 - Reuters
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يلقي كلمة خلال قمة شرم الشيخ للسلام، مصر. 13 أكتوبر 2025 - Reuters
دبي-الشرق

أعرب عدد من مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن قلقهم العميق من احتمال انهيار اتفاق غزة بين إسرائيل وحماس، بسبب صعوبة تنفيذ العديد من بنوده الأساسية، وفقاً لوثائق داخلية حصلت عليها مجلة "بوليتيكو" وتداولها مسؤولون أميركيون، والتي تُظهر غياب مسار واضح للمضي قدماً.

وعُرضت مجموعة الوثائق الشهر الماضي، خلال ندوة استمرت يومين نظمتها القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM) بمشاركة أعضاء مركز التنسيق المدني-العسكري الذي أُنشئ في جنوب إسرائيل ضمن الاتفاق بين إسرائيل وحماس، الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر.

وترأس الحدث اللفتنانت جنرال مايكل فنزل، منسق الأمن الأميركي لإسرائيل والسلطة الفلسطينية، بمشاركة نحو 400 مسؤول وخبير من وزارتي الخارجية والدفاع ومنظمات غير حكومية وشركات خاصة مثل منظمة "راند RAND" للأبحاث.

وأثارت الوثائق قلقاً خاصاً بشأن مدى إمكانية نشر قوة الاستقرار الدولية فعلياً، وهي مبادرة أمنية متعددة الجنسيات تهدف إلى حفظ السلام في غزة.

وأظهرت إحدى الوثائق سهماً متبوعاً بعلامة استفهام بين المرحلتين الأولى والثانية من خطة السلام التي توسطت الولايات المتحدة فيها، في إشارة إلى الشكوك حول مستقبلها.

وقالت "بوليتيكو" إنها حصلت على نسخة من الوثائق التي عُرضت هناك من أحد المشاركين.

وتضمنت الوثائق المعروضة خلال الندوة، مواد صادرة عن وكالات حكومية أميركية، وتقارير ميدانية عن الأوضاع في غزة، ووثائق استشارية من معهد بلير، الذي يديره رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، المشارك في المفاوضات، وفقاً للمصدر. 

كما أكد مسؤول أجنبي من دولة حليفة للولايات المتحدة صحة الوثائق، وأكد مسؤول دفاعي أميركي ثالث أن الوثائق تعكس مخاوف الإدارة العميقة بشأن مستقبل المنطقة.

تحديات في وجه إدارة ترمب

وتتألف الوثائق من 67 شريحة عرض "باور بوينت" مقسمة إلى ستة أجزاء، ترسم صورة واضحة للتحديات التي تواجه الإدارة الأميركية وحلفاءها في المنطقة لتحقيق "السلام الدائم" الذي يسعى إليه ترمب، على خلاف اللهجة المتفائلة التي يستخدمها كبار مسؤولي إدارته.

وعلى الرغم من أن الوثائق لا تتضمن مواد سرية، فإنها تشير إلى التزام الإدارة بالمضي قدماً في خطة السلام رغم تعقيداته.

ويُظهر أحد المخططات التنظيمية الواردة في الوثائق خططاً لمشاركة أميركية واسعة في غزة، تتجاوز الجوانب الأمنية لتشمل الإشراف على إعادة الإعمار الاقتصادي.

وقال إيدي فاسكيز، المتحدث باسم وزارة الخارجية لفريق تنفيذ خطة السلام، في بيان: "هذه القصة تظهر جهلاً تاماً بكيفية عمل جهود غزة. الجميع يريد أن يكون جزءاً من الجهد التاريخي للرئيس ترمب في تحقيق السلام في الشرق الأوسط".

وأضاف فاسكيز: "منذ أن أُعلنت خطة ترمب ذات النقاط العشرين، تلقينا سيلاً من الأفكار والمقترحات من عشرات الدول والمنظمات حول قضايا متعددة".

وتابع: "لا يمكننا التعليق على محتوى آلاف المقترحات التي قد تكون أو لا تكون قيد المراجعة"، مشيراً إلى أن "إدارة ترمب ستواصل الحفاظ على وقف إطلاق النار وتنفيذ خطة النقاط العشرين بفاعلية".

اقرأ أيضاً

قطاع غزة.. خطر التقسيم يلوح في الأفق

التقارير تشير إلى واقع جديد في غزة، مع تحوّل "الخط الأصفر" إلى حدود فعلية تفصل بين مناطق تسيطر عليها إسرائيل وأخرى تديرها حماس، وسط جمود في جهود إنهاء الحرب.

ويحمل أول قسم من الوثائق عنوان: "20 PP: المرحلة الثانية+ التحديات والفرص الأمنية". فيما امتنعت وزارة الدفاع الأميركية عن التعليق.

غياب الجوانب العملية

وتقول "بوليتيكو" إنه ليس من الواضح من الذي أعدّ تلك الوثائق، أو مَن تحديداً داخل الإدارة اطّلع عليها، لكن أحد المشاركين في الندوة أوضح أن الشرائح المعروضة كانت جزءاً تمهيدياً من العرض، يخص الثلث الأول من الفعالية، وليست مجمل ما قُدم خلالها.

فيما رفض معهد بلير التعليق، غير أن أحد العاملين فيه قال إن الوثيقتين اللتين أعدهما المعهد ضمن المجموعة كانتا تقييمين واقعيين دون تبني موقف محدد بشأن التحديات المقبلة.

وتؤكد المواد، التي جمعها أحد المشاركين في الندوة، وهو منخرط في جهود التخطيط للسلام، لكنه ليس من أفراد إدارة ترمب، أن الرئيس قد يواجه المستنقع ذاته الذي واجهه أسلافه، وهو التوسط في صراع لا يمكن حله في الشرق الأوسط من دون الصبر أو الموارد أو الشراكات الكافية لإنجاح الخطة.

وقال أحد المشاركين: "بعيداً تماماً عن اتفاق غزة نفسه، تكمن المشكلة في غياب خطة واضحة لتنفيذه على أرض الواقع. فالجميع يتحدث بمستوى نظري مرتفع، لكن لا أحد يتطرق إلى الجوانب العملية أو التكتيكية للتنفيذ".

لا حلول سياسية محددة

ولا تقدم الوثائق، التي تتضمن قسماً بعنوان "العمل الحقيقي يبدأ الآن: تنفيذ خطة الرئيس ترمب"، حلولاً سياسية محددة، بل تستعرض العقبات العديدة التي تواجه واشنطن وشركاءها لتحويل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس إلى خطة سلام وإعادة إعمار دائمة.

وبينما وضعت القوات الأميركية بعض التصورات لدعم المرحلة الانتقالية، لم تلعب وزارة الخارجية، التي أضعفتها تخفيضات المساعدات الخارجية وتغييرات أخرى، دوراً محورياً في إعداد الخيارات بعد، وفقاً لمسؤول أميركي رابع مطلع على التخطيط.

ووفقاً لـ"بوليتيكو"، اعتبر ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط خلال الولاية الأولى لترمب أن "هذا المشروع الضخم يحتاج إلى اهتمام متواصل على أعلى المستويات، كما يحتاج إلى موظفين إداريين لديهم صلاحيات كافية لمتابعته حتى النهاية".

وقال إن "إدارة ترمب اكتفت بجولة انتصار بعد وقف إطلاق النار وتحرير المحتجزين، لكن كل العمل الصعب الحقيقي ما زال أمامها".

وفي منتصف أكتوبر، احتفل ترمب بوقف إطلاق النار خلال زيارة إلى المنطقة، قائلاً في كلمة أمام الكنيست: "إنه بداية انسجام عظيم وسلام دائم لإسرائيل وجميع دول المنطقة التي ستصبح قريباً منطقة رائعة بحق".

وبعد نحو شهر من ذلك الخطاب، قال المسؤول الأميركي الرابع: "حان الوقت لتضيف الإدارة تفاصيل حقيقية إلى خطتها".

وأوضح المشارك في الندوة أن ذلك يشمل الحاجة إلى تقييم شامل لحجم الدمار الهائل الذي لحق بالبنية التحتية المادية والمدنية في القطاع الصغير.

عقبات كبيرة

وتتعدد التحديات البارزة بعد حرب استمرت عامين، من بينها تشكيل قوة دولية لحفظ الاستقرار، والتعامل مع تردّد إسرائيل في الانسحاب من غزة في ظل استمرار نفوذ حركة حماس، إضافةً إلى مسألة تعيين الشخصيات الأساسية في مؤسسات مثل "مجلس السلام" الذي سيتولى الإشراف على تنفيذ الاتفاق.

كما تواجه الإدارة رغبة السلطة الفلسطينية في لعب دور في غزة رغم معارضة إسرائيل لذلك، إضافة إلى تساؤلات حول مدى استعداد الحلفاء لتوفير القيادة والموارد.

وذكرت "بوليتيكو" أن إحدى الوثائق تنص على أن الجهة الفلسطينية التي ستتولى في النهاية إدارة غزة ستحتاج إلى "دعم أميركي ودولي طويل الأمد"، وأن "قوات الأمن والشرطة قد تحتاج إلى تمويل واستشارات خارجية لعقود".

وثيقة معهد بلير

وفي وثيقة أخرى بعنوان "تقرير الوضع في غزة" صادرة عن معهد بلير بتاريخ 20 أكتوبر، تُرصد الأضرار الهائلة بعد الحرب وتُطرح تساؤلات حول سرعة الانتقال ومدى استعداد حماس، التي سيطرت على القطاع منذ عام 2007، للتعاون في نزع السلاح.

وتشير الوثيقة إلى أن "حماس تعيد فرض سلطتها، وتملأ الفراغ الأمني من خلال إجراءات قسرية وتنفيذية"، وأن الجيش الإسرائيلي يسيطر على 53% من غزة، بينما يعيش 95% من سكان القطاع في المناطق الـ47% غير الخاضعة لسيطرته.

وحسبما أوردت "بوليتيكو" أعادت حماس نشر سبعة آلاف عنصر أمني في تلك المناطق، في حين لا يدخل القطاع سوى 600 شاحنة مساعدات يومياً وسط "اختناقات كبرى" في التوزيع.

وفي وثيقة أخرى، يُعتقد أنها صادرة عن الحكومة الأميركية بعنوان "التهديدات للعمليات الإنسانية والأمنية في المناطق الخالية من حماس في غزة"، جاء أن "حماس تشتري الوقت لاستعادة السيطرة، وكل تأخير يصب في مصلحتها"، وأنها ستستخدم أساليب تشمل "الدعاية والهجمات بالوكالة" لاستعادة نفوذها، معتمدة على "تراجع الزخم الدولي مع مرور الوقت".

وفي مؤتمر صحافي بقاعدة أندروز الجوية في ولاية ماريلاند في 22 أكتوبر، أقر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بصعوبة الطريق نحو السلام، قائلاً: "كل يوم سيحمل تحديات جديدة، لكنه سيحمل أيضاً فرصاً جديدة. علينا التعامل مع التحديات كي لا تُفشل ما تحقق... هذا ليس سهلاً، ولو كان كذلك لحدث قبل 30 عاماً".

قوة الاستقرار الدولية

وجاء في وثيقة تناولتها ندوة (CENTCOM)، أن تشكيل قوة الاستقرار الدولية بسرعة أمر حاسم، لكنه يواجه عقبات ضخمة.

وتشمل الأسئلة العالقة حولها مدى ولايتها القانونية وقواعد الاشتباك وتشكيلها وموقعها، وآلية التنسيق بينها، رغم أن إحدى الوثائق تشير إلى أنها ستكون "منسقة من قبل الولايات المتحدة".

وفي وقت سابق من الشهر الجاري، بدأت الولايات المتحدة توزيع مسودة قرار في الأمم المتحدة لتفويض إنشاء قوة الاستقرار الدولية، وفقاً لنسخة من المسودة حصلت عليها "بوليتيكو".

هل تصمد خطة ترمب؟

وأبلغت العديد من الدول التي تأمل واشنطن في مشاركتها الولايات المتحدة بأنها ستساهم بالأموال أو الموارد فقط في حال حصول القوة على تفويض من الأمم المتحدة.

وتخطط واشنطن لعقد مؤتمر دولي للمانحين بعد صدور قرار مجلس الأمن، لكن لا يوجد جدول زمني واضح لذلك.

اقرأ أيضاً

شتاء غزة.. تحذيرات أممية من كارثة إنسانية جديدة

في ظل دمار البنية التحتية وتراجع المساعدات، يواجه سكان غزة شتاءً ثالثاً قاسياً دون مأوى أو تدفئة كافية.

وقال مسؤول دفاعي أميركي: "ننتظر حالياً قرار الأمم المتحدة، وبعده سيُعقد مؤتمر المانحين، ثم تبدأ الدول بتقديم تعهداتها بإرسال قوات. هذا هو التركيز الآن".

وأضاف المسؤول أنه يخشى على تماسك خطة غزة، وسط الحاجة إلى تنسيق الاتفاقات بين حكومات متعددة لضمان نجاحها على المدى الطويل.

البحث عن شركاء آخرين

وذكرت "بوليتيكو" أن إندونيسيا وأذربيجان وباكستان عرضت إرسال قوات، كما قدّمت تركيا عرضاً مماثلاً، لكن إسرائيل تتحفظ على مشاركة قوات تركية.

وقال أحد المشاركين في الندوة إن "هناك صعوبة في إقناع أي دولة في المنطقة بإرسال قوات"، مشيراً إلى أن "بعض الدول مستعدة لكتابة شيك، لكنها لا تريد إرسال جنود".

كما تشير وثائق أخرى إلى استمرار الخلافات بين إسرائيل والفلسطينيين حول الجهة التي ستتولى إدارة غزة.

وتنص خطة ترمب ذات النقاط العشرين على أن السلطة الفلسطينية لا يمكنها المشاركة إلّا بعد إصلاح نفسها. وحتى لو وافقت إسرائيل على مشاركتها، فإن سجل السلطة في غزة ضعيف، وفقاً لـ"بوليتيكو".

وتتضمن إحدى المخططات التنظيمية المرفقة بالوثائق تصوراً لكيفية إدارة غزة، موضحة دوراً أميركياً واسعاً يتجاوز الأمن ليشمل الإشراف على إعادة الإعمار الاقتصادي.

لكن لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ومستوى التمويل الذي يرغب ترمب في تخصيصه لغزة، رغم أنه سبق أن اقترح ذات مرة إخلاء القطاع من سكانه الفلسطينيين وتحويله إلى "ريفييرا" تديرها الولايات المتحدة.

وقال مسؤول أميركي خامس مطّلع على مناقشات الإدارة الداخلية بشأن غزة إن "السؤال الأبرز يتمحور حول مدى توافق انخراط الولايات المتحدة طويل الأمد في غزة مع مبدأ (أميركا أولاً) الذي تبناه ترمب"، مضيفاً أن هذا الأمر "لا يزال قيد البحث".

وأضاف المسؤول: "لكن فريق ترمب يعتقد أنه يمكننا جعل شركاء آخرين يتحملون الدور الأكبر".

تصنيفات

قصص قد تهمك