بعد 3 سنوات من تفجيرها.. "نورد ستريم" لا زالت تثير الانقسام داخل أوروبا

time reading iconدقائق القراءة - 9
صورة لتسرب الغاز من خط أنابيب "نورد ستريم 2" بعد تفجيره. 27 سبتمبر 2022 - Reuters
صورة لتسرب الغاز من خط أنابيب "نورد ستريم 2" بعد تفجيره. 27 سبتمبر 2022 - Reuters
دبي-الشرق

ذكرت شبكة CNN أن الانفجارات التي مزّقت خطوط أنابيب الغاز الروسية "نورد ستريم" في بحر البلطيق قبل أعوام، لا تزال تُحدث انقسامات سياسية داخل قارة أوروبا، رغم مرور فترة طويلة على الحادثة التي هزّت أوروبا في أواخر سبتمبر 2022، بعد أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا.

وأوضحت الشبكة، في تقرير، أن الهجمات التي استهدفت خطوط الأنابيب المثيرة للجدل أثارت، منذ اللحظة الأولى، أسئلة محيّرة بشأن الجهة المنفّذة، وسط اتهامات وُجّهت مباشرة إلى روسيا، في حين اضطرت الولايات المتحدة إلى نفي أي دور لها في التفجير.

وأضافت CNN أن الغموض لا يزال مخيّماً على القضية، حتى مع استعداد ألمانيا لمحاكمة مُشتبه بهم أوكرانيين، بينما تسعى بولندا، على ما يبدو لحماية حليفتها أوكرانيا، إلى تعطيل مسار القضية، وهو ما أدى إلى توتر جديد داخل أوروبا.

تحرّكات ألمانية.. واعتراضات أوروبية

وذكرت الشبكة أن ألمانيا تبدو عازمة على إيصال ملف "نورد ستريم" إلى ساحات القضاء، إذ أصدرت مذكرات توقيف بحق رجلين أوكرانيين هما: فولوديمير زورافلوف الذي أُوقف في بولندا، وسيرجي كوزنيتسوف الذي اعتُقل في إيطاليا، للاشتباه بتورطهما في التفجيرات.

إلا أن قادة عدة دول أوروبية أبدوا شكوكاً حول ضرورة إطلاق إجراءات جنائية ضد المُشتبه بهم المفترضين.

وقررت محكمة بولندية، في منتصف أكتوبر الماضي، الإفراج عن زورافلوف، بعد مماطلة في إجراءات تسليمه، ما قوّض آمال برلين في المضي قدماً بالمحاكمة، إذ رأى القاضي أن تفجير خطوط الأنابيب، إذا ثبت أنه عمل تخريبي أوكراني، يمكن اعتباره "رداً مشروعاً على غزو غير مُبرَر".

وقال القاضي داريوش لوبوفسكي، في حكمه الذي أوقف تسليم زورافلوف إلى ألمانيا، وفق ما نقلته قناة TVN24: "إذا كانت أوكرانيا هي الجهة التي نظّمت هذا العمل العدائي، فلا يمكن تحميل المسؤولية إلا لها".

ووفق TVN24، ينفي المتهم البالغ 49 عاماً أي علاقة له بالهجوم، مؤكداً أنه كان داخل الأراضي الأوكرانية لحظة وقوع التفجيرات.

وأفادت الشبكة بأن الادعاء الألماني يتهم زورافلوف، وهو غواص مدرَّب، بأنه جزء من مجموعة وضعت متفجرات على خطي "نورد ستريم 1"، و"نورد ستريم 2" قرب جزيرة بورنهولم في سبتمبر 2022، وذلك بعد أن استخدم الفريق هويات مزيفة لاستئجار يخت لنقلهم ومعداتهم إلى موقع التفجير.

أما كوزنيتسوف، الجندي الأوكراني السابق البالغ أيضاً 49 عاماً، والمُشتبه بأنه منسّق العملية، فقد أُوقف في إيطاليا بموجب مذكرة ألمانية في أواخر أغسطس الماضي. ونقلت CNN عن محاميه نيكولا كانيستريني قوله إن موكله ينفي أي دور له في العملية، وإنه يستأنف قرار المحكمة العليا الإيطالية بتسليمه إلى برلين.

وأوردت الشبكة تصريحات رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، مطلع أكتوبر الماضي، التي قال فيها إن "المشكلة الحقيقية بالنسبة لأوروبا، ولأوكرانيا، ولدول مثل ليتوانيا وبولندا، ليست في تفجير نورد ستريم 2، بل في بنائه منذ البداية".

وأضاف: "من المؤكد أنه ليس من مصلحة بولندا، ولا من مصلحة النزاهة والعدالة، أن نحاكم هذا المواطن، أو نسلمه إلى دولة أخرى".

وقالت CNN إن تصريحات توسك تعكس مخاوف قديمة داخل أوروبا وخارجها بشأن خطوط الأنابيب التي عمّقت اعتماد القارة على الغاز الروسي. ففي 2007، هاجم وزير الدفاع البولندي، آنذاك، راديك سيكورسكي، مشروع "نورد ستريم 1"، واصفاً إياه بأنه "أكثر محاولات (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين فظاعة لتقسيم الاتحاد الأوروبي وإضعافه".

وفي الولايات المتحدة، عارضت إدارات متعاقبة اعتماد أوروبا على الغاز الروسي منذ عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش. كما حذّر السيناتور الجمهوري تيد كروز عام 2019 من أن استكمال مشروع "نورد ستريم 2" سيجعل أوروبا "أكثر اعتماداً على الطاقة الروسية، وأكثر عرضة للابتزاز الروسي".

تصعيد في أوروبا

وأوضحت الشبكة أن الموقف البولندي كشف عن انقسامات جديدة داخل أوروبا، ونقلت عن وزير خارجية المجر، بيتر سيارتو، أحد حلفاء روسيا القلائل في القارة، وصفه تصريحات توسك بأنها "صادمة"، مضيفاً عبر منصة "إكس": "هناك أمر واحد واضح، وهو أننا لا نريد أن تدافع أوروبا عن الإرهابيين على لسان رؤساء حكوماتها".

وأضافت CNN أن العديد من المسؤولين والمحللين في شمال أوروبا يرون أن الجدل حول الجهة التي فجّرت "نورد ستريم" يصرف الانتباه عن السؤال الأهم: "لماذا تم بناء هذا الخط أصلاً؟".

ونقلت الشبكة عن وزير خارجية ليتوانيا السابق، جابريليوس لاندسبيرجيس، قوله إن النظر إلى القضية من زاوية قانونية بحتة "قد يدفعنا إلى نسيان الطريق الذي أوصلنا إلى هنا". 

كما نقلت عن هيلجا كالم، نائبة مدير مركز الدفاع والأمن الدولي في إستونيا، قولها إن موقف وارسو "مرتبط إلى حد كبير بسياساتها الداخلية، لا سيما أن رئيسها ينتمي إلى حزب قومي للغاية".

وأضافت: "كما أن هذا الموقف يمثل رسالة لألمانيا، مفادها أنهم يرون أن الاستمرار في المحاكمة قد يكون خطأً، لأنه قد يضر بالمصالح الأوكرانية".

وبحسب الشبكة، تشعر العديد من دول أوروبا ما بعد الاتحاد السوفييتي، وعلى رأسها بولندا، بأنها على حق بعد عقود من تحذيراتها بشأن دفع بعض القوى الأوروبية، مثل ألمانيا، لتعزيز العلاقات مع روسيا.

وذكرت CNN أن الدنمارك والسويد، اللتين تمر عبر مياههما خطوط الأنابيب، رفضتا فتح تحقيقات جنائية بشأن التفجيرات، إذ اعتبرت ستوكهولم أن القضية خارج نطاق اختصاصها، بينما مضت ألمانيا وحدها في متابعة المسار القضائي.

ونقلت الشبكة عن ستيفان مايستر، الخبير في شؤون أوروبا الشرقية بالمجلس الألماني للعلاقات الخارجية، قوله إن ألمانيا "دولة قانون"، مضيفاً أن المسألة مرتبطة بشكل خاص بالسياسة الداخلية للبلاد، فمع تحدي حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي لمؤسسات الدولة، فإن متابعة المحاكمة وفق القوانين المعمول بها يتعلق بمصداقية النظام والمؤسسات والنخبة السياسية الحاكمة.

انتقادات لألمانيا

وأوضحت CNN أن ألمانيا كانت القوة الدافعة في أوروبا وراء بناء خطوط "نورد ستريم"، وقد استفادت اقتصادياً من المشروع، ففي عام 2016، تمت تلبية نحو 30% من احتياجاتها من الغاز من موردين روس، عبر "نورد ستريم 1"، وفقاً لأرقام حكومية.

وبعد انتهاء فترة ولايته بين 1998 و2005، انضم المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر إلى مجلس إدارة شركة "غازبروم" الروسية العملاقة، ولاحقاً تولى رئاسة شركة "روسنفت" النفطية الروسية، ما عزز الانطباع بأن ألمانيا استفادت اقتصادياً من الاعتماد على الغاز الروسي الرخيص، الذي اعتبره منتقدون ثمناً دفعته أوروبا مقابل التهاون في مواجهة عدوان موسكو على أوكرانيا في 2014 وجورجيا في 2008.

وتعرّضت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل لانتقادات شديدة، بسبب نهجها "التصالحي" مع موسكو، بحسب الشبكة. وفي مذكّراتها الصادرة حديثاً، نفت اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي، مؤكدة أن "نورد ستريم 2"، على سبيل المثال، لم يُنقل عبره أي غاز، واصفة المشروع بأنه "نتيجة لاستثمار فاشل".

وظل شرودر يرأس مجلس إدارة شركة النفط الروسية العملاقة "روسنيفت" حتى مايو 2022، حين استقال من المنصب بعد تزايد الضغوط عليه في ألمانيا. ثم أعلن أنه لن ينضم إلى مجلس إدارة عملاق الغاز "غازبروم".

ونقلت CNN عن الخبير مايستر قوله إن العديد من الساسة الألمان يفضّلون اليوم الابتعاد عن هذا الملف بسبب تورطهم العميق في دفع المشروع، مضيفاً: "انطباعي أنهم يريدون غسل أيديهم منه".

وأكدت الشبكة أن الغموض المحيط بالقضية يزيد التوترات داخل أوروبا، في وقت باتت فيه الوحدة لمواجهة روسيا أمراً بالغ الأهمية، لا سيما مع وجود حليف أميركي غير متوقع، في إشارة إلى الرئيس دونالد ترمب. 

وقال لاندسبيرجيس: "نورد ستريم يحمل مخاطر إثارة المزيد من التساؤلات والانقسامات داخل التحالف، في لحظة لم تعد فيها القارة في حالة سلام".

تحول جذري في خريطة الطاقة الأوروبية

وأكدت الشبكة أن الغاز الروسي لن يعود إلى أوروبا كما كان قبل عام 2022، بغض النظر عن نتائج التحقيقات والمحاكمات. 

وأوضحت أن الغزو الروسي لأوكرانيا دفع القارة لتقليص اعتمادها الذي دام عقوداً على الغاز الروسي، وسرّعت تفجيرات "نورد ستريم" هذا التحول. فقد انخفضت حصة موسكو من واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز عبر الأنابيب من أكثر من 40% عام 2021 إلى نحو 11% عام 2024، وفق بيانات الاتحاد الأوروبي.

ونقلت CNN عن وزير خارجية إستونيا، مارجوس تساهكنا، قوله في مارس الماضي: "المكان المناسب لخط نورد ستريم 2 هو قاع البحر، مقطعاً إلى أجزاء".

تصنيفات

قصص قد تهمك