تباطؤ الاقتصاد الروسي يدفع الكرملين لفرض ضرائب ورسوم جديدة مع استمرار حرب أوكرانيا

موسكو ترفع ضريبة القيمة المضافة وتخفض حد الإعفاء الضريبي للشركات

time reading iconدقائق القراءة - 7
صورة توضيحية لنموذج خط أنابيب الغاز الطبيعي على ورقة الروبل وفي الخلفية العلم الروسي. 23 مارس 2022 - REUTERS
صورة توضيحية لنموذج خط أنابيب الغاز الطبيعي على ورقة الروبل وفي الخلفية العلم الروسي. 23 مارس 2022 - REUTERS
دبي-الشرق

بعد عامين من تسجيله نمواً قوياً، مدفوعاً بالإنفاق العسكري على الحرب في أوكرانيا، سجل الاقتصاد الروسي تباطؤاً، حيث انخفضت عائدات النفط، وارتفع عجز الموازنة، ما دفع الكرملين إلى محاولة الحفاظ على استقرار ماليته من خلال فرض ضرائب ورسوم على المواطنين العاديين والشركات الصغيرة، حسبما أفادت وكالة "أسوشيتد برس".

ومن المتوقع أن تضيف زيادة ضريبة القيمة المضافة من 20 إلى 22% ما يصل إلى تريليون روبل، أي حوالي 12.3 مليار دولار، إلى ميزانية الدولة وهذه الزيادة مُضمنة في تشريع قيد الدراسة حالياً في البرلمان الروسي، وسيدخل حيز التنفيذ اعتباراً من يناير المقبل.

ويخفض التشريع عتبة تحصيل ضريبة القيمة المضافة من الشركات إلى 10 ملايين روبل فقط (حوالي 123,000 دولار أميركي) من إيرادات المبيعات السنوية، ما يدرج عدداً أكبر من الشركات الملزمة بدفع الضرائب، على مراحل بحلول عام 2028.

ويمثل انخفاضاً من 60 مليون روبل، أو 739 ألف دولار أميركي، ويهدف هذا التغيير جزئياً إلى مكافحة مخططات التهرب الضريبي التي تقوم فيها الشركات بتقسيم عملياتها لتجنب الحد الأدنى، ولكنه سيؤثر أيضاً على الشركات التي كانت معفاة سابقاً، مثل متاجر البقالة الصغيرة وصالونات التجميل.

كما اقترحت الحكومة زيادة الضرائب على المشروبات الكحولية والسجائر الإلكترونية، فعلى سبيل المثال، سترتفع الضريبة على المشروبات الكحولية بمقدار 84 روبل لكل لتر من الكحول النقي، أي ما يعادل 17 روبل أو حوالي 20 سنتاً أميركياً لزجاجة نصف لتر، أو حوالي 5% من الحد الأدنى للسعر البالغ 349 روبل (4.31 دولار أميركي).

كما تشهد رسوم تجديد رخص القيادة أو الحصول على رخصة دولية ارتفاعاً، في حين سيتم إلغاء إعفاء ضريبي رئيسي على السيارات المستوردة. 

وأفاد موقع "كوميرسانت" الإخباري بأن الحكومة تدرس فرض ضريبة تكنولوجية على المعدات الرقمية، بما في ذلك الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، تصل قيمتها إلى 5000 روبل (61.50 دولاراً) لأعلى المنتجات سعراً.

ضرائب ورسوم جديدة

وإلى جانب ضريبة القيمة المضافة، سيرتفع سعر تسجيل السيارات، وتأتي زيادة ضريبة القيمة المضافة بالتزامن مع تغييرات في رسوم إعادة التدوير المدفوعة لتسجيل السيارات، وهي خطوة تُؤثر بشكل رئيسي على الواردات باهظة الثمن.

وابتداءً من 1 ديسمبر المقبل، لن يتمكن الأفراد من الحصول على سعر تفضيلي قدره 3400 روبل (42 دولاراً) لتسجيل السيارات التي تزيد قوتها عن 160 حصاناً، بل سيُضطرون إلى دفع السعر التجاري، والذي قد يصل إلى مئات الآلاف من الروبلات، أو آلاف الدولارات، للسيارة الواحدة.

ومع ذلك، من غير المرجح أن تعزز هذه الخطوة الاستثمار في التصنيع المحلي، نظراً لارتفاع أسعار الفائدة لدى البنك المركزي وصغر حجم السوق الروسية مقارنةً بالصين المجاورة، التي تُعدّ الآن مصدر معظم السيارات المستوردة.

وقال أندريه أولخوفسكي، المدير العام لشركة "أفتودوم"، وهي مجموعة كبرى لتجارة السيارات: "ستنخفض المبيعات على المدى القصير، لكنها ستعود إلى مستوياتها الحالية في غضون ستة أشهر".

وأضاف: "ستؤثر زيادة الضرائب والرسوم على أسعار المستهلك النهائي. وسيُراعي المستهلكون بدورهم هذا الأمر في نمط حياتهم، وسيطالبون أصحاب العمل بأجور أعلى. وهذا سيزيد من تكلفة كل شيء من حولنا".

وقالت ألكسندرا بروكوبينكو، الزميلة في مركز "كارنيجي روسيا أوراسيا" في برلين: "النمو يتباطأ، لكن الشركات تدفع الضرائب، والناس يستهلكون ويتقاضون رواتب، ويدفعون الضرائب من هذا". وأضافت: "خلال الـ 12 أو 14 شهراً القادمة، يمتلك بوتين ما يكفي من المال للحفاظ على المجهود الحربي الحالي ومستوى الإنفاق الحالي".

وأضافت أنه بعد ذلك "سيحتاج إلى اتخاذ خيارات صعبة، ومقايضات بين الحفاظ على الجهد العسكري، أو على سبيل المثال، الحفاظ على وفرة الاستهلاك، حتى لا يشعر الناس بنسبة 100% بأن الحرب مستمرة".

تباطؤ النمو يدفع عجز الموازنة إلى الارتفاع

ويُشير التباطؤ الاقتصادي وزيادة الضرائب إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين والروس العاديين سيواجهون خيارات أصعب في الأشهر المقبلة بين الإنفاق العسكري ورفاهية المستهلك بعد ثلاث سنوات ونصف من الحرب ضد أوكرانيا، وفق "أسوشيتدبرس".

وأثارت زيادات الضرائب الاستياء، إذ أعرب سكان موسكو عن استياءٍ ممزوجٍ بالاستسلام، قائلين إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية سيُشعر به على نطاق واسع، لا سيما في المناطق الأكثر فقراً وبين ذوي الدخل المحدود.

وانكمش الاقتصاد الروسي في بداية عام 2025، وهو في طريقه إلى تحقيق نمو هذا العام بنسبة 1% فقط، وفقاً لتقديرات الحكومة، بعد أن نما بأكثر من 4% في عامي 2023 و2024. 

وعانى النمو من ارتفاع أسعار الفائدة التي يفرضها البنك المركزي، والتي تبلغ حالياً 16.5%، بهدف السيطرة على التضخم البالغ 8%، والذي يُغذيه الإنفاق العسكري الضخم. 

وانخفضت عائدات النفط بنحو 20% هذا العام، ويعزى ذلك أساساً إلى انخفاض الأسعار العالمية، ولطالما شكلت العقوبات الغربية المفروضة بسبب الحرب ضد أوكرانيا عبئاً مستمراً على النمو، إذ زادت التكاليف، وثبطت الاستثمارات التي كان من شأنها تعزيز القدرة الإنتاجية للاقتصاد.

ونتيجة لذلك، عُدِّل عجز الموازنة لهذا العام بالزيادة من 0.5% إلى 2.6%، مقارنةً بـ1.7% العام الماضي. ولا يبدو هذا الرقم ضخماً مقارنةً بالدول الأخرى، ولكن على عكسها، لا تستطيع روسيا الاقتراض من أسواق السندات الدولية، بل تعتمد على البنوك المحلية للحصول على الائتمان.

وصرح وزير المالية أنطون سيلوانوف بأن زيادة الإيرادات أفضل من زيادة الاقتراض، قائلاً إن "الاقتراض المفرط سيؤدي إلى تسريع التضخم، وبالتالي إلى زيادة سعر الفائدة الرئيسي من البنك المركزي، ما سيضر بالاستثمار والنمو".

وقد تؤدي زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى ارتفاع التضخم في البداية مع تغيير التجار لقوائم أسعارهم، ولكن على المدى الطويل، قد تُخفِّف ضغوط الأسعار من خلال كبح الطلب على السلع، وتساعد البنك المركزي في معركته للسيطرة على التضخم.

وتُعدّ زيادات الضرائب والرسوم تراجعاً عن اقتصاد روسيا في زمن الحرب خلال العامين الماضيين، والذي ضخّ المزيد من المال في جيوب الناس، إذ ملأت أسعار النفط المرتفعة آنذاك خزائن الدولة، بينما عززت الزيادات الهائلة في الإنفاق العسكري التوظيف، وواكبت رواتب عمال المصانع التضخم.

إلى جانب ذلك، ضخّت مكافآت التجنيد العسكري والوفاة سيولةً في المناطق الأكثر فقراً.

تصنيفات

قصص قد تهمك