"الجمود المؤسسي" والانقسام يعززان مخاوف أوروبا بشأن التخلف عن القوى الكبرى

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال اجتماعات قمة العشرين في جوهانسبرج. 22 نوفمبر 2025 - Reuters
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خلال اجتماعات قمة العشرين في جوهانسبرج. 22 نوفمبر 2025 - Reuters
دبي -الشرق

تجد أوروبا نفسها في قلب سباق عالمي محتدم بين القوى الكبرى، فيما تتصاعد المخاوف داخل القارة العجوز من فقدان قدرتها على مواكبة المنافسة الشديدة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، على الهيمنة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، حسبما أشارت صحيفة "وول ستريت جورنال".

رصدت الصحيفة الأميركية، الخميس، مخاوف متصاعدة لقادة أوروبا بشأن تخلّف القارة عن الركب، لكن مسؤولين أوروبيين يخشون في الوقت الراهن، من أن يكون ذلك قد أصبح واقعاً بالفعل.

وأوضحت "وول ستريت جورنال"، أن أجواء التشاؤم تعمقت خلال الصيف، بعدما وجدت أوروبا نفسها على الهامش، بينما كانت واشنطن وبكين تعيدان رسم قواعد التجارة العالمية. وزاد المشهد قتامة حين عرض البيت الأبيض هذا الشهر خطة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، دون التشاور مع قادة القارة.

وأوضحت الصحيفة أن الاتحاد الأوروبي سارع إلى الرد عبر صياغة مقترح مضاد أكثر قبولاً لدى أوكرانيا، فيما تتسارع دوله الأعضاء في إعادة التسلح، بينما تبحث الكتلة عن وسائل لكسر "الجمود المؤسسي" الذي يعيقها.

ورجحت "وول ستريت جورنال"، أن إحداث هذا التغيير سيكون صعباً وسيستغرق وقتاً، وهو ما يخشاه كثير من المسؤولين الأوروبيين الذين يرون أن الوقت ليس في صالح القارة.

ونقلت الصحيفة عن رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قولها في خطابها السنوي أمام برلمان الاتحاد الأوروبي في سبتمبر الماضي: "يجري الآن رسم خطوط المعركة من أجل نظام عالمي جديد قائم على القوة... ويجب أن تظهر أوروبا جديدة".

ولفتت الصحيفة إلى أن كيفية إحداث هذا التحول الكبير، أصبحت محور نقاشات مكثفة في أوروبا، وسط تزايد المخاوف لدى مسؤولين حاليين وسابقين من أن هيكل الاتحاد الأوروبي وإجراءاته قد يضعانه ضمن أكبر الخاسرين في النظام الجيوسياسي الجديد.

مقاربات جديدة لبناء قوة أوروبية

وبحسب "وول ستريت جورنال"، أصبح مسؤولو الاتحاد الأوروبي، أكثر انفتاحاً على فكرة الاستفادة من مجموعات أصغر من الدول، لتعزيز القدرات العسكرية والاقتصادية للتكتل بأسره.

وأوضحت الصحيفة أن ماريو دراجي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي والمكلّف العام الماضي بوضع خطة لتعزيز القدرة التنافسية لأوروبا، يدفع باتجاه قيام مجموعات من الدول بإجراء أبحاث دفاعية وعمليات شراء مشتركة، ووضع قواعد موحدة تسمح لشركات التكنولوجيا الأوروبية بالنمو السريع.

كما يدعو دراجي، الذي شغل أيضاً منصب رئيس وزراء إيطاليا، عمالقة الصناعة الأوروبية، إلى توحيد الاستثمارات في قطاعات استراتيجية مثل أشباه الموصلات، بهدف استعادة التفوق الأوروبي.

وأفادت الصحيفة، بأن هذا النهج بدأ يحظى بدعم متزايد، ونقلت عن الرئيس اللاتفي، إدجارس رينكيفيكس، قوله: "أعتقد أننا أصبحنا واقعيين أخيراً. لا يمكنك تغيير الدينامية إذا لم تكن تمتلك قوة حقيقية، سواء كانت سياسية أو عسكرية أو دبلوماسية".

ألمانيا تعيد التسلح.. وأوروبا تعيد الحسابات

وبالنسبة لألمانيا، المحرك التقليدي لنمو أوروبا، فقد أدت التحولات العالمية إلى الإطاحة بركائز نجاحها الاقتصادي، التي تتمثل في الغاز الروسي الرخيص، والأسواق التصديرية المزدهرة في الصين، والمظلة الدفاعية الأميركية، بحسب الصحيفة.

وفي هذا السياق، خففت برلين قيود "كبح الديون" في الدستور الألماني لتمويل برنامج تسليح يمتد لعقد كامل، بقيمة 500 مليار يورو (نحو 580 مليار دولار).

ونقلت الصحيفة عن نيكو لانج، الرئيس السابق لمكتب وزير الدفاع الألماني، قوله إن ألمانيا المعاد تسليحها، إلى جانب القوات المسلحة المعززة في بولندا والدول الإسكندنافية ودول البلطيق (إستونيا وليتوانيا ولاتفيا)، ومع طبقة إضافية من الردع النووي البريطاني والفرنسي، ربما تشكّل تحالفاً قادراً على كبح التوسع الروسي.

لكن الصحيفة تشير إلى أن الطريق نحو التغيير الشامل مليء بالعقبات، لأن وزارات الدفاع الأوروبية لن تتخلى بسهولة عن السيطرة على خطط التسلّح والمشتريات، كما أن الشركات الصناعية الكبرى لن تتحول سريعاً من المنافسة إلى التعاون.

أزمات متلاحقة تفاقم المخاوف

وأشارت "وول ستريت جورنال"، إلى أن الحاجة إلى الإجماع داخل الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 دولة، غالباً ما تجعله بطيئاً في مواجهة جهات غير موثوقة وظروف متغيرة بسرعة، رغم أن الاتحاد فاجأ كثيرين باستجابته السريعة والمرنة للغزو الروسي لأوكرانيا.

ونقلت الصحيفة عن رئيسة الوزراء الدنماركية، مته فريدريكسن، قولها خلال قمة كوبنهاجن، الشهر الماضي: "أعتقد أننا في أصعب وأخطر وضع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية".

وأضافت الصحيفة، أن أحداث الأشهر الأخيرة عمّقت هذه المخاوف. ففي يوليو اضطر الاتحاد الأوروبي إلى قبول اتفاق تجاري "غير متكافئ" مع الولايات المتحدة يسمح لواشنطن بفرض رسوم جمركية بنسبة 15% دون رد مماثل.

كما تجاهل الرئيس الأميركي دونالد ترمب دعوات أوروبا للضغط على موسكو، واستقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحفاوة خلال قمة ألاسكا في أغسطس الماضي.

وقال ترمب خلال رحلته إلى القمة: "هذا لا يخص أوروبا... أوروبا لن تخبرني ماذا أفعل". ثم استبعد الأوروبيين مرة أخرى عند صياغة خطة وقف إطلاق النار في أوكرانيا، بحسب الصحيفة.

وذكرت الصحيفة، أن النزاع التجاري بين واشنطن وبكين، هدد وصول الغرب إلى المعادن الأرضية النادرة الضرورية للدفاع الأوروبي والتحول الأخضر. وعندما نجح لقاء بين الرئيس الصيني شي جين بينج وترمب في التوصل إلى هدنة مؤقتة، أدرك الأوروبيون أنهم ليسوا سادة قرارهم، وفق "وول ستريت جورنال".

ماكرون يحذر من "انتهاء" المشروع الأوروبي

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد دعا في عام 2017 إلى تعزيز الاستقلالية العسكرية والاقتصادية والصناعية للاتحاد الأوروبي، قبل أن يحذر العام الماضي من أن المشروع الأوروبي "قد ينتهي". 

وأضاف ماكرون: "كل ذلك يعتمد على الخيارات التي نتخذها، وهذه الخيارات يجب أن تُتخذ الآن".

ونقلت الصحيفة عن الدبلوماسي الأوروبي السابق، بيير فيمون، قوله إن مؤسسات الاتحاد تكافح، لكن العواصم الأوروبية تفتقر إلى الإرادة اللازمة لقضاء سنوات في التفاوض على هيكل جديد للكتلة.

وأضاف فيمون: "الإطار المؤسسي في بروكسل، بأساليبه وعقليته، لم يُصمَّم مطلقاً لهذه المرحلة من سياسات القوة والمواجهة والمنافسة الشرسة للغاية".

ضغوط أميركية على القارة

وقالت "وول ستريت جورنال" إن الموقف الأميركي المتصلّب تجاه أوروبا يلقي بظلاله على كل ذلك، فقد أجبر الرئيس ترمب أعضاء حلف شمال الأطلسي "الناتو" الأوروبيين على زيادة مساهماتهم للدفاع عن أنفسهم وعن أوكرانيا، كما حدد الاتحاد الأوروبي هدفاً طموحاً لإعادة التسلّح بحلول عام 2030.

وبحسب محللين في شركة Bernstein للأبحاث، من المتوقع أن تنفق المنطقة هذا العام أكثر من 560 مليار دولار على الدفاع، أي ضعف ما كانت تنفقه قبل عقد.

مع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة بشأن التزام ترمب تجاه الناتو، وزادت تصريحاته حول رغبته في ضم جرينلاند، الإقليم الدنماركي المتمتع بالحكم الذاتي، من تلك الهواجس.

وذكرت الصحيفة أن أوروبا كانت تعتقد دائماً أن الوصول إلى سوقها الموحدة الثرية يمنحها قوة تفاوضية حقيقية في مجال التجارة، لكن مفاوضات يوليو مع واشنطن بددت هذا الاعتقاد، وأظهرت أن الولايات المتحدة تستخدم نفوذها الأمني ضد القارة للفوز في النزاعات التجارية.

حصار أميركي صيني لأوروبا

ووفقاً لـ"وول ستريت جورنال"، حاولت أوروبا تفادي المواجهة مع الصين، لكن بكين تواصل إغراق الأسواق الأوروبية بالسلع الرخيصة في ظل تباطؤ اقتصادها المحلي. وفي الوقت نفسه، سمح تفوقها التكنولوجي وسوقها الضخم لها بالتقدم على المنافسين الأوروبيين في قطاعات مثل السيارات الكهربائية، ما أدى إلى خسائر كبيرة في الوظائف بألمانيا.

وفي المقابل، تتأرجح واشنطن بين الضغط على أوروبا لفرض رسوم جمركية على الصين وبين إبرام صفقات خاصة بها مع بكين.

ونقلت الصحيفة عن المستشار الألماني فريدريش ميرتس قوله الشهر الماضي، إن السنوات المقبلة ستحدد "ما إذا كانت أوروبا ستظل قوة اقتصادية مستقلة… أم سنصبح مجرد بيادق بين مراكز القوى الاقتصادية الكبرى في آسيا أو أميركا".

انقسام أوروبي 

ولفتت "وول ستريت جورنال"، إلى أن جوزيب بوريل، الذي تولى منصب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي  في عام 2019، تلقى حينها تقريراً استخباراتياً يحذر من غزو روسي محتمل لأوكرانيا، وتصاعد جديد للعنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وزيادة تدفقات الهجرة، إلى جانب توترات تجارية بين الصين وأوروبا، وبين أوروبا والولايات المتحدة.

وقالت الصحيفة إن بوريل، الذي غادر منصبه العام الماضي، اعتبر هذه التهديدات دليلاً على صحة تحذيره السابق بأن أوروبا "يجب أن تتعلم لغة القوة". 

ونقلت عنه قوله: "أصدرت مئات البيانات باسم الاتحاد الأوروبي أطالب فيها بالتحرّك، لكن المشكلة لم تعد تحت مسؤوليتي: هناك 27 دولة منقسمة تماماً"، في إشارة إلى دول الاتحاد.

تصنيفات

قصص قد تهمك