
أوقفت الولايات المتحدة خططها لفرض عقوبات على وزارة أمن الدولة الصينية على خلفية "حملة تجسس إلكتروني" واسعة النطاق، في خطوة تهدف إلى تجنب عرقلة الهدنة التجارية التي أبرمها الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينج في أكتوبر الماضي، وفق ما ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز"
وقال مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون إن خطط فرض العقوبات على جهاز الاستخبارات المدني، والمتعهدين الذين يزعم استخدامهم لتنفيذ حملة اختراق إلكتروني ضد شبكات الاتصالات الأميركية، والمعروفة باسم "إعصار الملح" Salt Typhoon، تم تعليقها لتجنب تقويض سياسة التهدئة بين الولايات المتحدة والصين.
وأضافت الصحيفة أن الإدارة الأميركية لن تفرض أيضاً ضوابط تصدير جديدة كبيرة ضد الصين عقب الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال اللقاء الذي انعقد بين الزعيمين في كوريا الجنوبية.
وقالت مصادر مطلعة إن الهدف من سياسة ترمب تجاه الصين قد تحول إلى "ضمان الاستقرار" حتى تتمكن الولايات المتحدة من الحد من هيمنة بكين على المعادن الأرضية النادرة، التي أعاقت قدرتها على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة، كما أن الرئيس الأميركي لا يرغب في تعريض زيارته المقررة إلى بكين في أبريل المقبل للخطر.
لكن قرار عدم فرض العقوبات، بسبب حملة "إعصار الملح"، التي نجحت في استهداف الاتصالات غير المشفرة لكبار المسؤولين الأميركيين، أثار غضباً بين المسؤولين الأميركيين المتشددين تجاه الصين داخل الحكومة، الذين يرون أن ترمب "يضحي بالأمن القومي مقابل صفقات تجارية".
حملة "إعصار الملح"
وفي وقت سابق من هذا العام، صرَّح جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لـ"فاينانشال تايمز" بأن حملة "إعصار الملح" كانت "فريدة" من حيث حجمها، مضيفاً أنها لم تقتصر على الوصول إلى هواتف كبار المسؤولين فحسب، بل اخترقت جميع مزودي خدمات الاتصالات الرئيسيين في الولايات المتحدة.
ونفت بكين أن تكون وزارة أمن الدولة الصينية قد اخترقت شبكات الاتصالات الأميركية.
وقال مصدر مطلع للصحيفة إن الحكومة الأميركية وشركات الاتصالات أحرزت "تقدماً ضئيلاً للغاية" في محاولة وقف "إعصار الملح".
ونقلت الصحيفة عن زاك كوبر، خبير الأمن في آسيا لدى معهد American Enterprise، قوله: "يبدو أن الإدارة تتنازل عن ضوابط التصدير لتأمين رحلة الرئيس ترمب إلى بكين وكسب الوقت لتنويع الاعتماد على المعادن الحيوية بعيداً عن الصين. وأخشى أن تكون هذه مجرد تنازلات تُقدَّم على أنها استراتيجية".
وفي خطوة أخرى أثارت القلق بين المراقبين المتشددين تجاه الصين، تستعد الإدارة الأميركية لعقد اجتماع رفيع المستوى لتحديد ما إذا كانت ستمنح تراخيص لشركة "إنفيديا" لتصدير شريحة H200 المتقدمة إلى الصين، وفقاً لما نقلته الصحيفة عن مصادر مطلعة.
وكان ترمب قد ألمح قبل قمة أكتوبر، مع شي إلى أنه قد يسمح لـ"إنفيديا" ببيع شريحة أكثر تقدّماً تُسمى Blackwell إلى بكين، لكن مستشاريه أقنعوه بعدم اتخاذ هذا القرار.
وفي الأسابيع الأخيرة، عززت الإدارة تنسيق سياستها تجاه الصين بتكليف ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، بضمان عدم قيام الوزارات بأي خطوات قد تهدد سياسة التهدئة.
وأضاف التقرير أن ميلر تولى هذا الدور بعد أن اشتكى وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت من أنه فوجئ بمذكرة من البيت الأبيض أثارت مخاوف بشأن مجموعة التكنولوجيا الصينية "علي بابا".
وأوضحت المذكرة، التي استندت إلى معلومات استخباراتية غير سرية، أن مجموعة "علي بابا" كانت تدعم عمليات عسكرية صينية تستهدف الولايات المتحدة، وهو ما نفته الشركة بشدة.
"ضوابط التصدير لا تزال سارية"
ولم تعلق وزارة الخزانة والبيت الأبيض على قرار تعليق العقوبات المخطط لها ضد وزارة أمن الدولة الصينية، لكن مصدر مطلع على تفكير البيت الأبيض أكد للصحيفة أن الرئيس ترمب "ملتزم بإرساء علاقات تجارية متبادلة المنفعة مع الصين دون المساس بالأمن القومي والاقتصادي للولايات المتحدة".
وقال المصدر: "نظام ضوابط التصدير الصارم للإدارة، بما في ذلك على شرائح Blackwell المتطورة، لا يزال سارياً، بينما وافقت الصين على مكافحة المواد الأولية لتصنيع مخدر الفنتانيل، وشراء المنتجات الزراعية الأميركية، وضمان استمرار تدفق المعادن الأرضية النادرة".
وأوضح مايكل سوبوليك، خبير العلاقات الأميركية-الصينية في معهد هدسون، أن الإدارة ترسل رسالة واضحة بأنها تسعى لحماية هدنة بوسان، وأن الإجراءات الأمنية "معلقة" في الوقت الراهن.
وأضاف: "لدى شي تاريخ في نقض الوعود للرؤساء الأميركيين، ولدى الحزب الشيوعي الصيني سجل في استغلال المفاوضات لكسب الوقت استراتيجياً. على الرئيس ترمب أن يكون حذراً من هذا الفخ"، وفق قوله.











