
تعتزم الإدارة الأميركية تعيين جنرال أميركي لقيادة "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة" (ISF) بقطاع غزة، في خطوة تعكس مساعي واشنطن للإسراع بالانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، في وقت تواصل فيه إسرائيل خرق وقف إطلاق النار بالقطاع، إذ نفّذت قصفاً مدفعياً أودى بحياة شخصين برفح، وسط تفاقم الأوضاع الإنسانية التي يواجهها النازحون.
ومنح قرار تبنّاه مجلس الأمن الدولي في 17 نوفمبر، تفويضاً لـ"مجلس السلام" والدول التي تتعاون معه لتأسيس قوة استقرار دولية مؤقتة في غزة. فيما قال الرئيس دونالد ترمب، الأربعاء، إنه سيعلن عن تشكيل "المجلس" في مطلع 2026، مشيراً إلى أن عضويته ستضم رؤساء دول.
ونقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن مسؤولين إسرائيليَين قولهما إن مندوب الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مايك والتز، الذي زار إسرائيل هذا الأسبوع، أبلغ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولين آخرين، بأن إدارة ترمب ستتولى قيادة قوة الاستقرار الدولية، وستعيّن جنرالاً قائداً لها.
وقال أحد المسؤولَين الإسرائيليَين إن والتز "أوضح أنه يعرف الجنرال شخصياً، ووصفه بأنه شخصية جادة للغاية".
وأضاف المسؤولان أن والتز شدد على أن "تولّي جنرال أميركي قيادة القوة، سيمنح إسرائيل الثقة بأنها ستعمل وفق المعايير المطلوبة".
لا قوات أميركية في غزة
وأكد مسؤولان أميركيان أن الخطة تقضي بتعيين جنرال أميركي لقيادة قوة الاستقرار الدولية، فيما شدد مسؤولون في البيت الأبيض على أنه "لن تكون هناك قوات أميركية على الأرض في غزة".
وقال مسؤول في البيت الأبيض إن نقاشات جارية بشأن تشكيل قوة الاستقرار ومجلس السلام والحكومة الفلسطينية التكنوقراط، لكنه أوضح أن "أي قرارات نهائية لم تُتخذ بعد، ولم تُعلن رسمياً".
ووفقاً لمسؤولين أميركيين، فإن واشنطن تعد "في المراحل الأخيرة من تشكيل قوة الاستقرار، وهيكل الحكم الجديد في غزة".
دور جديد لـ"ملادينوف"
واقترحت الولايات المتحدة أن يتولى نيكولاي ملادينوف، المبعوث الأممي السابق إلى الشرق الأوسط، مهمة ممثل مجلس السلام في غزة، على أن يعمل بالتنسيق مع الحكومة الفلسطينية التكنوقراط المقبلة، بحسب مصادر مطلعة.
وأبلغت إدارة ترمب عدداً من الدول الغربية بشكل غير معلن بتفاصيل مجلس السلام والقوة الدولية، ودعتها إلى الانضمام إليهما.
وبحسب مصدرَين مطلعَين، فقد دُعيت كل من ألمانيا وإيطاليا للمشاركة في المجلس، كما أبدت دول بينها إندونيسيا وأذربيجان وتركيا ومصر استعداداً سابقاً لإرسال قوات إلى غزة، لكن لا يزال الموقف الحالي غير واضح، كما لم يتضح بعد ما إذا كانت أي دول غربية ستوافق على نشر قواتها.
أبرز نقاط الخلاف
ووفقاً للموقع الأميركي يُعد السبب الرئيس وراء التردد في المشاركة، بحسب مصادر دبلوماسية، هو أن العديد من الدول تريد ضمان أن حركة حماس ستتخلى فعلاً عن سلاحها، إضافة إلى معرفة "قواعد الاشتباك" التي ستنظم عمل القوة الجديدة.
وقال دبلوماسي أوروبي إن الولايات المتحدة "أبلغت الدول الأوروبية في الأيام الأخيرة أن خطة نشر القوة ستبدأ فور تفعيل مجلس السلام"، لكن "لم يُحدَّد جدول زمني واضح".
وأوضح أن مسؤولين أميركيين شددوا، خلال إحاطة للدبلوماسيين الأوروبيين في تل أبيب الاثنين، أنه "في حال عدم إرسال دولهم جنوداً للمشاركة في قوة الاستقرار أو دعم الدول التي تفعل، فإن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من المناطق التي ما زال يسيطر عليها في غزة".
وأضاف الدبلوماسي: "كانت الرسالة واضحة: إذا لم تكونوا مستعدين للذهاب إلى غزة، فلا تشتكوا من بقاء الجيش الإسرائيلي هناك".
مخاوف أميركية من عودة الحرب
وأنشأت الولايات المتحدة مقراً مدنياً عسكرياً في إسرائيل، لمراقبة وقف إطلاق النار وتنسيق المساعدات الإنسانية، إذ تقود واشنطن جهود التخطيط لإعادة إعمار غزة.
ومن المتوقع أن يترأس ترمب مجلس السلام في غزة، وسيكون كبار مستشاريه أعضاءً في مجلس تنفيذي دولي، وبذلك، ستتولى الولايات المتحدة قيادة قوات الأمن في القطاع.
ووفقاً لـ"أكسيوس"، يُعد وقف إطلاق النار في غزة أكبر إنجازات ترمب في السياسة الخارجية خلال ولايته الثانية حتى الآن، إلا أن الهدنة هشة، وتسعى إدارته إلى الانتقال إلى المرحلة الثانية قريباً، لتجنب الانزلاق مجدداً إلى الحرب.
وتتضمن المرحلة الثانية من الاتفاق انسحاباً أوسع للجيش الإسرائيلي، وانتشاراً لـ"قوة الاستقرار الدولية المؤقتة" في غزة، ودخول هيكل إداري جديد حيز التنفيذ، بما في ذلك مجلس السلام.
إسرائيل تواصل خروقاتها
ميدانياً، واصلت القوات الإسرائيلية، الخميس، انتهاكاتها لاتفاق وقف إطلاق النار، ونفّذت قصفاً مدفعياً وسط إطلاق نار مكثف من المروحيات العسكرية، ما أودى بحياة شخصين وإصابة آخرين في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة.
ونقلت وسائل إعلام فلسطينية، عن طواقم الإسعاف والطوارئ قولها إن القوات الإسرائيلية قتلت فتاة في قصف مدفعي خارج مناطق سيطرتها في مخيم جباليا شمال القطاع، فيما استهدفت مدرسة ومراكز إيواء ومرافق مدنية في مختلف أنحاء القطاع.
"تسونامي إنساني"
في الإطار، قالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، في تصريحات لـ"الشرق" إن الوضع في قطاع غزة في ظل المنخفض الجوي أشبه بـ"تسونامي إنساني" يتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً.
وحذّرت المنظمة من مخاطر تداعيات الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، مؤكدة أن هذه المعاناة المتفاقمة يمكن تفاديها عبر تدفّق المساعدات الإنسانية دون عوائق، بما يشمل الإمدادات الطبية ومستلزمات المأوى المناسبة التي تمكّن العائلات من مواجهة ظروف الشتاء القاسية بأمان وكرامة.
من جانبها، حمّلت حركة حماس في بيان، الاحتلال الإسرائيلي "كامل المسؤولية عن الظروف المأساوية التي يعيشها شعبنا في غزة، نتيجة منعه إدخال مواد الإيواء"، مشيرة إلى إسرائيل "تتعمد مفاقمة معاناة مئات آلاف النازحين مع دخول فصل الشتاء وعجز الخيام عن الصمود أمام البرد والعواصف".
ودعت الحركة الوسطاء والدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار، إلى التحرك العاجل والضغط المباشر على حكومة الاحتلال لإدخال جميع مواد الإيواء اللازمة دون قيود، وفتح معبر رفح في كلا الاتجاهين، وفقاً لما نصّ عليه الاتفاق، وبما يضمن الكرامة الإنسانية للمتضررين.
وأعلنت مصادر طبية في قطاع غزة، الخميس، ارتفاع حصيلة الضحايا في غزة إلى 70 ألفاً و373 غالبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
مصر تحذر من تغيير الوضع الجغرافي في غزة
وفي السياق، بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي هاتفياً مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية والجهود الدولية المبذولة لدعم مسار التهدئة وتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتحقيق التهدئة في الضفة الغربية.
وقالت الخارجية المصرية إن عبد العاطي استعرض خلال الاتصال "الجهود الحثيثة التي تبذلها مصر لدعم الأمن والاستقرار بالمنطقة، وعلى رأسها تثبيت وقف إطلاق النار في غزة".
وشدد على أهمية الالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن (2803) وتدفق المساعدات الإنسانية دون قيود، متناولاً المشاورات الجارية لنشر قوة الاستقرار الدولية، كما شدد على أهمية المضي في خطوات تشكيل لجنة التكنوقراط الفلسطينية، تمهيداً لعودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، مؤكداً الرفض القاطع لأي دعوات تستهدف تهجير الفلسطينيين أو تغيير الوضعية الجغرافية والديموغرافية للقطاع.
وأعرب وزير الخارجية عن أهمية العمل المشترك لزيادة حجم المساعدات الإنسانية بكميات تلبي احتياجات غزة التي تدخل القطاع يومياً، مؤكداً الحرص على مواصلة التنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين لدعم حقوق الشعب الفلسطيني وتمكينه من ممارسة حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة.
وحذر من خطورة الأوضاع في الضفة الغربية، في ظل التصاعد المقلق لعنف المستوطنين واستمرار سياسات مصادرة الأراضي، مؤكداً أن هذا النهج يُنذر بتوسيع دوائر التوتر، ويفرض مسؤولية عاجلة على المجتمع الدولي للتدخل الفوري لوقف هذه الانتهاكات ومنع تدهور الأوضاع على الأرض.
وشدد على أهمية الدور الذي تضطلع به وكالة "الأونروا" في دعم اللاجئين الفلسطينيين، مؤكداً أنه دور "غير قابل للاستبدال، ولا يمكن الاستغناء عنه".
ولفت إلى أن: "إسرائيل ما زالت تمنع إدخال آلاف الشاحنات المحمّلة بمساعدات لوجستية وخيام ومواد غذائية"، في وقت قال فيه الدفاع المدني في غزة لـ"الشرق" إن طواقمه "تفتقر لأبسط المعدات"، وأنها "تعمل بجهود ذاتية لإجلاء نازحين غرقت خيامهم".










