
تترقب أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون نتائج الاجتماعات المرتقبة في برلين، يومي الأحد والاثنين، بمشاركة مسؤولين أميركيين، وسط تشكك أوروبي حيال خطة السلام التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وشروط تضعها واشنطن قبل تقديم أي ضمانات أمنية لكييف.
ونقلت "بلومبرغ"، السبت، عن مصادر مطلعة على المناقشات، قولها إن المسؤولين الأوروبيين يبدون قلقاً متزايداً من أن اتفاق السلام الذي ترعاه الولايات المتحدة "قد يتم استغلاله من قبل روسيا"، بما يفتح الطريق أمام "إعادة غزو أراض في منطقة دونباس الشرقية المنكوبة بالحرب".
وتتمثل هذه المخاوف، وهي نقطة خلاف رئيسية في المحادثات الأخيرة، في أن الخطة الأميركية لإقامة منطقة منزوعة السلاح "قد تمنح روسيا غطاءً لنشر قوات سرية في المنطقة المتنازع عليها"، بحسب ما ذكرت المصادر لـ"بلومبرغ".
ويخشى المسؤولون الأوروبيون من لجوء موسكو إلى ما تصفها بـ"تكتيكات هجينة"، بما في ذلك عمليات "الراية الكاذبة" (مصطلح يستخدم عند إخفاء الهوية الحقيقية للمهاجمين)، بهدف "تقويض الضمانات الأمنية الأميركية وافتعال مبررات لشن غزو جديد"، وفق ما زعمت المصادر.
وبعد نحو أربعة أعوام على بدء الحرب، باتت السيطرة على الأراضي محور مفاوضات معقدة بين واشنطن وكييف وموسكو، مع اقتراب الأطراف تدريجياً من اتفاق.
وتطالب روسيا بانسحاب القوات الأوكرانية من منطقتي دونيتسك ولوجانسك الشرقيتين، بما في ذلك أراض لا تسيطر عليها موسكو، في حين ترفض كييف التنازل عنها.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن الولايات المتحدة ناقشت فكرة تحويل إقليم دونباس إلى "منطقة اقتصادية حرة" تخضع لإدارة خاصة، بينما تفضل روسيا خيار "المنطقة منزوعة السلاح".
كما طرح زيلينسكي هذا الأسبوع فكرة إجراء استفتاء بشأن أي تسوية إقليمية محتملة للمنطقة.
ويقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن "روسيا ستسيطر على إقليم دونباس وخيرسون وزابوروجيا، بالوسائل العسكرية، أو بأي طريق أخرى".
تقليص أراضي أوكرانيا بـ20%
بموجب الخطة الأميركية، سيتم الاعتراف بشبه جزيرة القرم ومنطقتي لوجانسك ودونيتسك كأراض روسية بحكم الأمر الواقع. كما سيتم تجميد خطوط التماس في منطقتي خيرسون وزابوريجيا، مع استمرار مطالبة روسيا ببقية أراضي المنطقتين.
وقالت المصادر المطلعة لـ"بلومبرغ"، إن "روسيا قد تستغل أي انسحاب للقوات الأوكرانية من المناطق التي لا تزال كييف تسيطر عليها"، وهذا ما يجعل الهدف الأساسي لأوروبا في الأيام والأسابيع المقبلة هو "ضمان ألا يتضمن أي اتفاق سلام حصان طروادة روسي".
ولا يزال وضع المنطقة منزوعة السلاح والجهة التي ستتولى الإشراف عليها غير واضحين، بحسب ما أفاد به بعض حلفاء أوكرانيا.
وتحدث المفاوضون الأميركيون عن إخضاع المنطقة لإدارة خاصة، لكنهم لمحوا أيضاً إلى إمكانية الاعتراف بدونيتسك ولوجانسك، اللتين تشكلان إقليم دونباس، كأراض روسية بحكم الأمر الواقع، إلى جانب شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014.
أما منطقتا زابوريجيا وخيرسون، اللتان تقعان إلى الغرب وتخضعان لسيطرة روسية جزئية، فسيتم تجميد الوضع فيهما عند خطوط التماس الحالية.
وظهر مستشار الكرملين يوري أوشاكوف وكأنه يؤيد فكرة منطقة منزوعة السلاح، مقترحاً أن تتولى قوات الحرس الوطني أو الشرطة، بدلاً من الجيش الروسي، السيطرة على المنطقة.
لكن مسؤولين أوروبيين قالوا إن "مثل هذا المقترح غير قابل للتطبيق من وجهة نظر أوكرانيا وحلفائها"، بحسب "بلومبرغ".
من جهتها، تواصل كييف رفض أي تنازل إقليمي، وتطالب بضمانات أمنية محكمة تشبه آلية الدفاع المشترك في حلف شمال الأطلسي "الناتو" (المادة الخامسة).
وتنص المادة الخامسة من ميثاق حلف "الناتو" على أن "أي هجوم، أو عدوان مسلح ضد طرف منهم (أطراف الناتو)، يعتبر عدواناً عليهم جميعاً، وبناء عليه، فإنهم متفقون على حق الدفاع الذاتي عن أنفسهم، المعترف به في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بشكل فردي أو جماعي، وتقديم المساندة والعون للطرف أو الأطراف التي تتعرض للهجوم".
"لا شيك على بيضاء"
وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى لموقع "أكسيوس"، إن إدارة ترمب على استعداد لمنح أوكرانيا ضمانات، تستند إلى المادة 5 من ميثاق الناتو، مع موافقة الكونجرس لتكون ملزمة قانوناً.
وأضاف المسؤول: "نريد أن نقدم للأوكرانيين ضمانات أمنية لا تكون بمثابة شيك على بياض، ولكنها ستكون قوية بما يكفي، ونحن على استعداد لإرسالها إلى الكونجرس للتصويت عليها".
وأوضح المسؤول الأميركي، أنه سيكون هناك ثلاثة اتفاقات منفصلة بشأن السلام، والضمانات الأمنية، وإعادة الإعمار، لافتاً إلى أن المحادثات الأخيرة أعطت الأوكرانيين "رؤية كاملة لليوم التالي" لأول مرة.
ووفقاً للمسؤول الأميركي، فإن المفاوضات بشأن الحزمة الاقتصادية، وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الحرب تسير على ما يرام. وأضاف: "عندما يرى الناس ما سيحصلون عليه وليس فقط ما سيقدمونه، فإنهم يكونون أكثر استعداداً للمضي قدماً".
وتابع: "بموجب الاقتراح الحالي ستنتهي الحرب مع احتفاظ أوكرانيا بالسيادة على 80% من أراضيها، وستحصل على أكبر وأقوى ضمان أمني حصلت عليه على الإطلاق، وستحصل على حزمة للازدهار بالغة الأهمية".
ويعتزم المبعوثان الأميركيان ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، عقد اجتماعات في برلين، الاثنين، مع زيلينسكي، وقادة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، لمحاولة التوصل إلى اتفاق بشأن الخطة الأميركية للسلام في أوكرانيا.
ونصح العديد من القادة الأوروبيين زيلينسكي بعدم التسرع في إبرام اتفاق، لا سيما اتفاق يجبره على التنازل عن أراض لم تخسرها أوكرانيا فعلياً في ساحة المعركة، وليس من الواضح أيضاً ما إذا كانت روسيا مستعدة لقبول المقترحات الأميركية.
مقترح أوكراني بشأن الأراضي
واقترح زيلينسكي، الخميس، إجراء استفتاء على اتفاق سلام يتضمن التنازل عن الأراضي، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة "تقدماً".
وأوضح زيلينسكي في تصريحاته، أنه يشكك بشدة في الاقتراح الأميركي بشأن "المنطقة الاقتصادية الحرة" في دونباس، ويسعى إلى إجراء تغييرات وتوضيحات بشأن قضايا أخرى.
وقال إنه يعتقد أن السؤال حول ما إذا كانت التنازلات التي يُطلب من أوكرانيا تقديمها عادلة "سيجيب عنها الشعب الأوكراني" في استفتاء أو انتخابات.
وإجراء مثل هذا التصويت في ظل الظروف الحالية سيكون صعباً للغاية، لكن مسؤول أميركي قال لـ"أكسيوس"، إن الأوروبيين قالوا خلال اجتماع افتراضي، الجمعة، إنه إذا اقترح زيلينسكي إجراء استفتاء على الأراضي فإنهم سيدعمونه.
وخلال ذلك الاجتماع الافتراضي، ناقش ويتكوف وكوشنر خطة المنطقة منزوعة السلاح مع مستشاري الأمن القومي لأوكرانيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
وقال مسؤول في البيت الأبيض إن تلك المناقشات والجولة الأخيرة من المحادثات الأميركية الأوكرانية، أظهرت تقدماً كافياً لإقناع ترمب بإرسال ويتكوف وكوشنر إلى أوروبا.
وقال مسؤول ثانٍ في البيت الأبيض: "إنهما (ويتكوف وكوشنر) يعتقدان أنه يمكن أن تكون هناك فرصة للسلام والرئيس يثق بهما".
محادثات برلين
تأتي محادثات برلين في ظل مساعٍ مكثفة لتقريب وجهات النظر بين حلفاء أوكرانيا، ومحاولة التوصل إلى أرضية مشتركة بعد بروز خلافات حول عدد من بنود خطة السلام التي طرحتها واشنطن.
وقال مسؤول في الرئاسة الفرنسية للصحافيين، مساء الجمعة، إن أوكرانيا والولايات المتحدة والقوى الأوروبية "لا تزال تعمل على التوصل إلى موقف مشترك يحدد ملامح اتفاق سلام يمكن طرحه على روسيا"، بما في ذلك "الضمانات الأمنية لكييف".
وتابع: "ينبغي أن تتيح لنا معاً تقديم عرض تفاوضي، عرض سلام صلب ودائم يحترم القانون الدولي والمصالح السيادية لأوكرانيا، عرضاً يكون المفاوضون الأميركيون مستعدين لحمله إلى الروس".
وذكر المسؤول الفرنسي أنه "لا يوجد حتى الآن وثيقة مشتركة"، لكن جميع الأطراف ستواصل المفاوضات خلال الأيام المقبلة عبر اتصالات واجتماعات مختلفة، دون أن يحدد ما إذا كانت واشنطن قد وضعت مهلة زمنية.
وأشار المسؤول الفرنسي إلى أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إلى جانب شركاء أوروبيين آخرين وأوكرانيا، عملوا بشكل مكثف خلال الأسابيع القليلة الماضية، على تنقيح المقترحات الأميركية الأصلية، التي كانت تتضمن تخلي كييف عن مساحات من أراضيها لموسكو، والتخلي عن طموحها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وقبول قيود على حجم قواتها المسلحة.
ولفت إلى أن المحادثات تهدف إلى تضييق الفجوات مع الولايات المتحدة، وتركز على مسألة الأراضي والضمانات الأمنية المحتملة لأوكرانيا بعد التوصل إلى اتفاق سلام.
وأشار إلى أن هذه المناقشات تشمل إمكانية تضمين بند شبيه بالمادة الخامسة من ميثاق حلف شمال الأطلسي، بمشاركة واشنطن، بهدف طمأنة كييف في حال تعرضها لهجوم جديد من روسيا.
وأوضح المسؤول أن الأوروبيين واجهوا أيضاً ضغوطاً في الأسابيع الأخيرة، مع تطرق بعض المقترحات الأميركية إلى عناصر تهم حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك مقترحات بشأن تسريع انضمام أوكرانيا إلى التكتل.
وقال: "المنظور الأوروبي لأوكرانيا واضح، وهو منظور واقعي"، مضيفاً: "هذا ما نحن ملتزمون به، ويعود للأوروبيين والأوكرانيين الاتفاق على كيفية المضي قدماً".










