
يمثل لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاثنين، في فلوريدا، "مشهداً افتتاحياً" في حملة إعادة انتخاب نتنياهو لرئاسة الوزراء في إسرائيل في عام 2026، والتي من المتوقع أن يلعب الرئيس الأميركي، دوراً محورياً فيها، بحسب شبكة CNN الأميركية.
ويواجه ائتلاف نتنياهو تهديدين مباشرين؛ هما أزمة التجنيد الإلزامي لليهود المتشددين "الحريديم"، والموعد النهائي لإقرار الموازنة في مارس 2026، ويمكن لأي منهما أي يدفع إلى إجراء انتخابات مبكرة.
الشبكة الأميركية، اعتبرت، الأحد، أن حكومة نتنياهو السادسة، التي امتدت على مدار 18 عاماً عبر عدة رئاسات للوزراء، اجتازت اضطرابات استثنائية، بدءاً من النظام القضائي في عام 2023، والذي دفع مئات الآلاف إلى الشوارع، مروراً بهجوم السابع من أكتوبر 2023، والحرب الطاحنة التي أعقبته على قطاع غزة، ما ترك إسرائيل معزولة دبلوماسياً، ومنقسمة بشكل حاد.
مع ذلك، صمد نتنياهو، وطال بقاء ائتلافه أكثر من كل الحكومات الإسرائيلية خلال السنوات الست الماضية، ما أتاح له الوقت لاستعادة ما وصفته CNN بأنه "قوة ردع إقليمية" لإسرائيل مع تجنب إجراء تحقيق جوهري في عملية صنع القرار التي سبقت الانهيار الأمني غير المسبوق في 7 أكتوبر 2023.
وأظهرت استطلاعات رأي دورية منذ أكتوبر 2023، أن ائتلاف نتنياهو لم يتمكن من الحصول على الأغلبية المطلوبة للحكم في الكنيست البالغة 61 مقعداً، حيث تراوحت نتائجها بين 49 و54 مقعداً.
استراتيجية إعادة انتخاب نتنياهو
ورجحت CNN أن تتوقف استراتيجية إعادة انتخاب نتنياهو، على عملية حسابية تتضمن التهرب قدر الإمكان من فشل السابع من أكتوبر، والاعتماد على ترمب للمساعدة في إعادة كتابة تلك الرؤية في الانتخابات.
ونقلت الشبكة الأميركية عن نداف شتراشلر، وهو خبير استراتيجي سياسي عمل سابقاً لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي: "سيكون الرئيس الأميركي محورياً، إن لم يكن القائد، في استراتيجية إعادة انتخاب نتنياهو".
وأشارت إلى أن هذا التحالف سبق استغلاله في مناسبات سابقة، فخلال الدورات الانتخابية الإسرائيلية لعامي 2019-2020، غمر حزب "الليكود" الشوارع الإسرائيلية بملصقات دعائية تُظهر ترمب ونتنياهو وهما يتصافحان، مذيلة بعبارة "نتنياهو في مستوى آخر".
وقدم ترمب لفتات رمزية في مراحل حاسمة خلال تلك الحملات الانتخابية، تضمنت الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان في عام 2019، والكشف عن خطة سلام فلسطينية في عام 2020، وقيادة الجهود لإبرام "اتفاقات أبراهام".
ومؤخراً، دافع ترمب عن حملة العفو عن نتنياهو، وناشد بشكل علني الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوج خلال خطاب ألقاه في أكتوبر الماضي، أمام الكنيست احتفالاً بوقف إطلاق النار في غزة. وفي خطابه قال ترمب: "لدي فكرة يا سيدي الرئيس لماذا لا تمنحه (نتنياهو) عفواً؟"، رافضاً تهم الفساد الموجهة إلى نتنياهو باعتبارها أموراً تافهة تتعلق بـ"السيجار والشمبانيا".
وأطلقت هذه الحادثة، حملة مؤيدة لحزب "الليكود"، بلغت ذروتها في طلب نتنياهو نفسه رسمياً للعفو الرئاسي. وفي تسجيل مصور مرافق لطلبه، أشار نتنياهو إلى دعوة ترمب، مؤكداً أنها "ستُمكّن كلا الزعيمين من تعزيز مصالح حيوية في وقت فرص ضائعة".
استغلال شعبية ترمب
واعتبر شتروشلر، أن خطاب ترمب أمام الكنيست، "كان في الواقع بمثابة إطلاق حملته الانتخابية التي يديرها أفضل منسق حملات في العالم، دونالد ترمب".
وأضاف: "من المحتمل أن يظهر ترمب مجدداً على ملصقات حملة نتنياهو الانتخابية كما فعل في الماضي. سيلقي بظلاله على الحملة الانتخابية. ولكن الأمر يتعلق بالنوع وليس الكم".
ونقلت CNN عن مصدر مطلع في حزب "الليكود"، قوله إن نتنياهو ناقش بالفعل استضافة ترمب في إسرائيل خلال حملته الانتخابية، في ثاني زيارة له منذ عودته إلى البيت الأبيض، في حين رفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي طلباً للتعليق.
لكن الأرقام تفسر الأسباب، بحسب CNN، إذ أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة "جالوب" ومقرها واشنطن في سبتمبر الماضي حول الحياة في إسرائيل، أن نسبة شعبية القيادة الأميركية في صفوف الإسرائيليين بلغت 76%، مقارنةً بنسبة 40% لقيادة الحكومة الإسرائيلية.
وقد عزز اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي يعود الفضل فيه إلى وساطة ترمب وتصميمه، من شعبية الرئيس الأميركي في إسرائيل، بحسب CNN.
ولفتت الشبكة الأميركية، إلى أنه في الانتخابات السابقة، ساعدت تدخلات ترمب نتنياهو على تجنب الهزيمة؛ لكنه لم يحقق انتصاراً حاسماً. وفي الفترة بين عامي 2019 و2021، فشل في تشكيل ائتلاف مستقر، ما أدى في النهاية إلى إجراء خمس انتخابات خلال 4 سنوات.
وربما يبقى ترمب "أقوى بطاقة" في أوراق نتنياهو السياسية؛ ولكن كما يظهر التاريخ القريب، ربما لا يكون ذلك كافياً لمنحه ورقة رابحة.
محاور أجندة نتنياهو
وتشير تقديرات مصادر مطلعة إسرائيلية، إلى أن نتنياهو سيركز في محادثاته على المشاهد الدبلوماسية؛ مثل: توسيع نطاق "اتفاقات أبراهام"، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وكلها تتماشى مع رغبة ترمب في الحصول على جائزة نوبل للسلام، وهو الأمر الذي تروج له تل أبيب بفعالية.
ومؤخراً تعاون رئيس الكنيست الإسرائيلي، أمير أوحانا، وهو أحد الموالين لنتنياهو، مع رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون لإطلاق مبادرة برلمانية عالمية تحض القادة في جميع أنحاء العالم على دعم ترشيح ترمب لجائزة نوبل للسلام في عام 2026.
وفي تعليق على الزيارة، قال شتراوتشلر: "أهم شيء بالنسبة لنتنياهو هو إرثه. ستكون رسالته هي أنه حقق الكثير، لكن مهمته لم تنتهِ بعد؛ لا يزال هناك تهديد إيراني، ولا تزال هناك صفقات سلام ينبغي إبرامها".
وأشارت CNN إلى أن رؤية ترمب للسلام التاريخي في الشرق الأوسط لم تتحقق ولا تزال تواجه عقبات كبيرة؛ فوقف إطلاق النار في غزة ما زال هشاً، حيث يضغط ترمب على إسرائيل لتسريع الانتقال إلى المرحلة الثانية، لكن لم يتسن تشكيل قوة استقرار دولية في غزة، وتبدو احتمالات نزع سلاح الفصائل الفلسطينية بعيدة.
قضايا خلافية
علاوة على ذلك، توجد انقسامات في مسارح إقليمية أخرى. ففي سوريا، يتناقض احتضان ترمب لنظام الرئيس السوري أحمد الشرع مع تصميم إسرائيل على الإبقاء على منطقة عازلة. وفيما يتعلق بلبنان، تدفع واشنطن باتجاه الدبلوماسية بينما تشكك تل أبيب في قدرة بيروت على كبح جماح "حزب الله" دون حملة عسكرية أخرى.
فيما تبقى إيران نقطة نزاع حرجة، حيث تراقب إسرائيل عن كثب تخصيب طهران لليورانيوم، عبر عن قلق متزايد من أنشطتها المتعلقة بالصواريخ البالستية، وطموحاتها النووية، رغم وصف ترمب ونتنياهو "حرب الـ12 يوماً" ضد طهران بأنها "انتصار".
مع ذلك، يشكّ مسؤولون إسرائيليون في أن يسارع ترمب إلى الإذن بعملية عسكرية إسرائيلية كبيرة أخرى ضد إيران، لا سيما بعد التداعيات التي أعقبت الضربة الإسرائيلية المثيرة للجدل التي استهدفت قادة "حماس" بالعاصمة القطرية الدوحة في سبتمبر.
ولا تزال غزة نقطة الخلاف الأكثر حساسية على الصعيد السياسي، إذ يسعى ترمب إلى إحراز تقدم في المرحلة المقبلة، بينما يواجه نتنياهو قيوداً من ائتلافه اليميني الذي يقاوم أي عمليات انسحاب أخرى.
وتشير مصادر إسرائيلية، إلى أن نتنياهو ربما يسعى إلى الحصول على موافقة على "عملية عسكرية أخرى" داخل غزة قبل الموافقة على التقدم في وقف إطلاق النار، وهو ما وصفته CNN بأنه "استعراض أخير للقوة" لإرضاء شركائه في الائتلاف الحكومي من اليمين المتطرف، قبل تقديم المزيد من التنازلات.
وأشار مسؤول إسرائيلي سابق، إلى أن "نتنياهو لا يعمل بمعزل عن الآخرين"، مضيفاً أن "جاريد كوشنر (مستشار وصهر الرئيس ترمب) وشخصيات رئيسية أخرى محيطة بترمب، بالإضافة إلى حلفائه الخليجيين وأصدقائه في تركيا وقطر، يشعرون بالإحباط المتزايد من مماطلة نتنياهو في خطة وقف إطلاق النار في غزة، وقلقون من أي مناورة يمكن أن تعرقل الاستقرار الإقليمي الأوسع نطاقاً".
ورجحت هذه المصادر، أن "نهج نتنياهو" ربما ينطوي على "ربط الملفات، وذلك عبر "تقدم في غزة مرتبط بضمانات أمنية ضد إيران ولبنان، ومراعاة الجداول السياسية الداخلية، وربما دعم جهود العفو عنه".
وقال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى: "نتنياهو يعمل دائماً على الربط. إنه يقايض التحرّك على جبهة مقابل تعويضات على جبهة أخرى. ويبدو أنه سيحتاج على الأرجح إلى تسليم المرحلة الثانية لترمب، لذا فإن السؤال الرئيسي هو ما الذي سيحصل عليه في المقابل؛ دعم الولايات المتحدة لتوجيه ضربة أخرى لمنشآت نووية إيرانية، على سبيل المثال، أو دعم عملية عسكرية في لبنان".












