أعلن قائد قوات النخبة بالجيش الوطني في غينيا مامادي دومبويا، الأحد، الاستيلاء على الحكم واعتقال الرئيس ألفا كوندي، لتبدأ البلاد بذلك فصلاً جديداً من الصراع على السلطة بين العسكريين والمدنيين.
ومنذ الاستقلال عن فرنسا عام 1958، تعاقب على حكم غينيا عسكريون أو ديكتاتوريون مدنيون. وشهدت البلاد "أول انتخابات ديمقراطية"، بحسب الأمم المتحدة، عام 2010، وذلك بعد 50 عاماً من الاستقلال.
في 1958 كانت المستعمرة الفرنسية سابقاً فخورة جداً برئيسها الأول أحمد سيكو توري الذي رفض الانضمام إلى المجموعة الفرنسية الإفريقية التي اقترحها الجنرال الفرنسي شارل ديغول، مفضلاً إعلان الاستقلال.
لكن الزعيم الثوري سيكو تحول إلى "رئيس مدى الحياة" (1958-1984) وقام بعمليات تصفية دامية وزرع الرعب في قلوب معارضيه، ثم تلاه الجنرال لانسانا كونتي الذي فرض نظاماً عسكريا طيلة 24 سنة (1984-2008) مرتكزاً على الجيش لقمع اي حركة احتجاج.
الانقلاب ما قبل الأخير
قبل عام 2010، كانت البلاد تخضع لحكم مجلس عسكري يرأسه الجنرال موسى داديس كامارا الذي استولى على الحكم عام 2008 إثر انقلاب عسكري. لكن كامارا تعرض لمحاولة اغتيال في ديسمبر 2009، ما اضطره إلى الفرار خارج البلاد.
وتولى القائد العسكري سيكوبي كوناتي الحكم بالنيابة خلفاً للرئيس كامارا الذي اختار البقاء في المنفى ببوركينا فاسو، بينما اندلعت احتجاجات عنيفة في أرجاء البلاد أسفرت عن مقتل 150 شخصاً، بحسب الأمم المتحدة.
وفي يناير 2010، تعهد كوناتي بإعادة الحكم للمدنيين، والعودة إلى العمل بالمؤسسات الدستورية، وهو ما رحب به الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون.
أول رئيس ديمقراطي
في يونيو 2010، شهدت غينيا أول انتخابات ديمقراطية لاختيار رئيس للبلاد من بين 24 مرشحاً، أبرزهم رئيسا الوزراء السابقان سيلو دالين ديالو (2004-2006) وسيديا توري (1996-1999) والمعارض التاريخي لكافة الأنظمة ألفا كوندي.
وأحرز كوندي وخصمه ديالو أكبر عدد من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات، فيما تم تأجيل الجولة الثانية بسبب مزاعم بالتزوير.
وحسب الأمم المتحدة، فإن رئيس اللجنة الانتخابية بين سيكو سيل "توفي بعد أسبوع من إدانته بتزوير نتائج الانتخابات في الجولة الأولى ".
وأعلنت اللجنة الانتخابية في غينيا فوز ألفا كوندي في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في السابع من نوفمبر 2010 بـ52.5% من الأصوات.
ولم يتقبل أنصار دالين ديالو، الذي زعم أن الانتخابات تعرضت للتزوير، النتائج واشتبكوا مع الشرطة في العاصمة، فيما حث الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بان كي مون مواطني غينيا إلى القبول بالنتائج وحل الخلافات بالوسائل القانونية.
محاولة اغتيال
وبعد أسابيع قليلة من استلامه السلطة، نجا كوندي في يوليو 2011 من محاولة اغتيال إثر هجوم شنه عسكريون ضد مقره في العاصمة كوناكري. وأسفر الهجوم عن مقتل 2 من حراس الرئيس.
وفي 2013، أصدرت محكمة في كوناكري حكاماً ضد 5 أشخاص بالسجن مدى الحياة لدورهم في محاولة الاغتيال الفاشلة، واعتبرت المحكمة أن العملية كانت لها دوافع سياسية.
وكان من بين المدانيين بالتآمر في محاولة الاغتيال، ضابط بالجيش مقرب من رئيس المجلس العسكري الأسبق الجنرال سيكوبا كوناتي وشخص آخر على صلة بالمعارضة.
دستور جديد
وفي عام 2015، فاز الرئيس ألفا كوندي بولاية ثانية، بعد فوزه بالأغلبية المطلقة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 11 أكتوبر.
وحصل سيلو دالين ديالو، مرشح المعارضة وأبرز منافسي كوندي، على حوالي 31% من الأصوات. ولم يعترف ديالو بنتيجة الانتخابات، ودعا مؤيديه إلى الاحتجاج على "الغش والتزوير".
ومع اقتراب انتهاء ولايته الثانية، أعلن ألفا كوندي إجراء استفتاء بشأن مشروع دستور جديد أثار الجدل في مارس 2020، بالرغم من رفض المعارضة نظراً لأنه يسمح لكوندي بالترشح لولاية ثالثة.
وحصل الاستفتاء على تأييد 91.59% من المشاركين في الاستفتاء، فيما قاطعته المعارضة التي دعت مناصريها إلى احتجاجات أسفرت عن مقتل العشرات.
من التصويت إلى الرصاص
وفي أكتوبر 2020، تم إعلان فوز ساحق لألفا كوندي في الانتخابات تمنحه فترة ثالثة في منصبه، بحصوله على 2.4 مليون صوت، مقابل 1.26 مليون لمرشح المعارضة سيلو دالين ديالو.
بالمقابل، رفض ديالو هذه النتائج وأعلن نفسه فائزاً بالانتخابات، وهو ما فجر مواجهات عنيفة أوقعت عشرات القتلى في صفوف المتظاهرين والشرطة.
وأقام أنصار المعارض الحواجز وأطلقوا النار في العاصمة كوناكري، فيما اندلعت مواجهات في مناطق أخرى بين المعارضين وبين مناصري الحزب الحاكم.
ويمثل الوضع في غينيا حالة نموذجية للعنف المتصل بالانتخابات الذي يشهد نمواً متزايداً في إفريقيا منذ موجة الديمقراطية التي عمَّت القارة السمراء مطلع التسعينات.