
مع اقتراب الانتخابات التشريعية في العراق، أعاد الحشد الشعبي 30 ألف عنصر ممن سبق وفسخ عقودهم في السنوات الماضية، إلى العمل، بعد موجة احتجاجات متواصلة أمام المنطقة الخضراء المحصنة ومقر الحشد وسط العاصمة بغداد.
تأتي هذه الخطوة قبل أقل من شهر على الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 10 أكتوبر المقبل، وأرجع خبراء اتخاذ الحشد هذه الخطوة في الوقت الراهن، إلى زيادة حظها في الانتخابات المنتظرة.
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض قوله: "اليوم تمكنا من أن نصل إلى هذه النقطة والموافقة على استيعاب 30 ألفاً من المفسوخة عقودهم"، موضحاً أن تمويل ذلك سيكون "من موارد الهيئة الخاصة وليس بفلس واحد من خارج ميزانية الهيئة".
وفسخت عقود غالبية هؤلاء العناصر بين 2015 و2018 لأسباب مختلفة بينها الغياب وعدم الالتزام بالدوام.
القانون العسكري
أستاذ العلوم السياسية بجامعة المستنصرية في العراق عصام الفيلي، قال لـ"الشرق"، إنه "في فترة من الفترات اضطر الحشد الشعبي إلى التعامل وفق القانون العسكري مع الذين لم يلتحقوا بقواته سواء كانوا من الجرحى أو المقاتلين الاعتياديين".
وأشار الفيلي إلى أن الحشد "اتخذ قرار فسخ العقود بعد أن دخل ضمن ما يعرف بالأتمتة الإلكترونية في موضوع دفع الرواتب"، وهو ما أثار انتقادات كبيرة وسط هؤلاء العناصر، الذين سبق وهاجموا مبنى وزارة المالية وسط بغداد، في مايو الماضي، خلال تظاهرة اعتراضاً على عدم عودتهم للعمل.
وخصصت الموازنة العراقية الماضية أكثر من 2.4 ترليون دينار (1.6 مليار دولار) لنفقات هيئة الحشد الشعبي العراقية، وهي تزيد عن موازنة وزارة التربية، وتقل عن موازنة وزارة الصحة.
ورداً على سؤال بشأن إمكانية أن تكون الحاجة المالية للحشد تسببت في عملية فسح العقود، قال الفيلي إن "هناك التزامات تدقق فيها الدولة وهذه مسألة جداً مهمة"، مضيفاً أن "المعركة الحقيقية في الوقت الحالي هي حصر الأعداد الموجودة وإعادة قسم منهم إلى المؤسسات العسكرية والجيش العراقي".
وأشار الفيلي لـ"خطاب وجهه الحشد الشعبي إلى وزارة المالية، قبل شهرين، وردت الأخيرة فيه بالموافقة على إمكانية أن يتم مناقلة مبلغ 42 مليار دينار (28.7 مليون دولار) وهي جزء من أموال الحشد لإعادة 30 ألف من عناصر الحشد"، متوقعاً أن "يتم انتظار موازنة العام الجديد لتخصيص أموال لعملية إعادة عناصر الحشد أيضاً".
الحشد لاعب أساسي
ويتنافس في الانتخابات التي وعدت بها حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بعدما تولت السلطة في مايو 2020، 5323 مرشحاً، وسط دعوات بمقاطعتها، خصوصاً من فئات شبابية فقدت ثقتها بالأحزاب السياسية التي تتهمها بدعم العنف السياسي والتستر عليه.
وتحوّل الحشد الشعبي خلال السنوات الأخيرة إلى اللاعب الأساسي الذي لا يمكن تجاوزه في العراق، وفق خبراء، فهو يحظى بثاني أكبر كتلة في البرلمان، ويمكنه التصرف بمليارات الدولارات، ويملك قوة عسكرية ضخمة متحالفة مع إيران، ونجح أخيراً في إثبات تحكمه بالمشهد السياسي في البلاد، بحسب وكالة "فرانس برس".
أستاذ العلوم السياسية بجامعة المستنصرية في العراق، أكد لـ"الشرق"، أن "هناك قوى ضمن الحشد لها قوائم انتخابية، وأن قرار إعادة العناصر سيفتح بارقة أمل لتعزيز رصيدهم في الانتخابات المقبلة"، موضحاً أن "الحشد لن يغير من معالم الانتخابات بشكل كبير ولكن وصول الحشد إلى البرلمان المقبل سيمكنه من الضغط في اتجاه تخصيص أموال للعناصر الـ30 ألف العائدين".
وقال المحلل السياسي العراقي أسامة السعيدي لـ"الشرق": "من المؤكد أن الجانب الانتخابي هو المهم في ظل الظروف الراهنة"، في إشارة إلى الهدف من إعادة تجنيد 30 ألف عنصر سبق فسخ عقودهم.
انقسام فصائل الحشد
وتشكَّل الحشد الشعبي عام 2014، بعد إصدار المرجع الديني علي السيستاني "فتوى الجهاد الكفائي" التي حض فيها العراقيين على "قتال تنظيم داعش"، لوقف تمدده بعد سيطرته على ثلث العراق.
وأدت دعوة السيستاني إلى توحد تنظيمات مسلحة قائمة مع أخرى حديثة التشكيل، كان من بينها فصائل "حشد العتبات"، إذ قاتلت تلك الشبكة الواسعة من الفصائل المسلحة إلى جانب الجيش العراقي ضد داعش.
وترتبط فصائل الحشد بأحزاب موالية لإيران تخوض الانتخابات للمرة الثانية بعد انخراط قياداتها في العمل السياسي، وبلغ عدد عناصر الحشد قبل إعادة العناصر المفسوخة عقودهم، أكثر من 160 ألفاً.
ورداً على سؤال بشأن مستقبل الحشد الشعبي في ظل اقتراب الانتخابات العراقية وتسلم حكومة جديدة زمام الأمور، قال الفيلي إن "هناك قيادات في الحشد الشعبي وقوى سياسية تريد أن يكون هناك انضمام كامل للحشد إلى وزارتي الدفاع والداخلية".
وأوضح أن "هناك مجموعات قريبة من المرجع الديني علي السيستاني انضمت إلى الجهات الرسمية"، مبيناً أن "هناك جهات أخرى أيضاً ضمن الحشد ترفض أن تكون تحت مظلة الدولة"، ولكن "تطبيق عملية إعادتهم يتوقف على قوة الحكومة القادمة".
وشهد عام 2016، ظهور خلافات داخل الحشد الشعبي تركزت حول 3 محاور، إذ تذمرت فصائل "حشد العتبات" والتي تضم نحو 20 ألف عنصر بسبب حرمانها من الإمكانات، وحملت مسؤولية ذلك إلى أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، الذي لقي حتفه في ضربة جوية أميركية برفقة قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني قاسم سليماني، في يناير الماضي، قرب مطار بغداد، وفقاً لما أوردته "فرانس برس".
واتهم "حشد العتبات" المهندس بـ "إعطاء الأولية في تقسيم الموارد التي تشمل معدات عسكرية ورواتب من الدولة، إلى الفصائل الموالية لطهران".
وأشار الباحث المتخصص في التنظيمات المسلحة العراقية، حمدي مالك في تصريحات لوكالة "فرانس برس"، إلى شرخ ثانٍ أكثر عمقاً، يتمثل في "انقسام أيديولوجي حول الروابط مع إيران، التي توفر دعماً لعدد من التنظيمات حتى قبل تأسيس الحشد"، فيما يتعلق الاختلاف الثالث، بـ"الانخراط في العمل السياسي".
اقرأ أيضاً: