
أثار حكم محكمة بولندية عليا، الخميس، بتعارض أجزاء من معاهدات الاتحاد الأوروبي مع الدستور البولندي موجة غضب أوروبية عارمة اعتبرت أن بولندا "تلعب بالنار"، محذرة من أن "التشكيك في أولوية القوانين الأوروبية على القوانين المحلية" يعني أن الاتحاد بصورته الحالية "سيتوقف عن الوجود".
واعتبر وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي كليمان بون، الجمعة في تصريحات لقناة "بي إف إم"، أن حكم القضاء البولندي يمثل "هجوماً ضد الاتحاد"، وأن العقوبات الاقتصادية "خيار" لمواجهة هذا الوضع.
وقال بون "الوضع خطير جداً.. هناك خطر محتمل لخروج بولندا من الاتحاد الأوروبي"، مضيفاً أنه لا يرغب في أن يرى بولندا تغادر الاتحاد الأوروبي.
وشدد وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، الجمعة في تصريحات لصحيفة ألمانية، على ضرورة تطبيق قوانين الاتحاد الأوروبي، عبر دوله بالكامل.
وقال إن على بولندا الالتزام بقوانين الاتحاد الأوروبي، وقال "إذا قررت دولة أن تكون جزءاً من الاتحاد الأوروبي، فعليها تطبيق القواعد العامة"، مضيفاً أن ألمانيا تدعم بالكامل جهود المفوضية الأوروبية لضمان تطبيق قوانين الاتحاد الأوروبي في دوله الـ27".
وقال متحدث باسم الحكومة الألمانية، إن المفوضية الأوروبية تحظى بثقة تامة من الحكومة الألمانية. فيما شدد وزير أوروبا في الحكومة الألمانية، مايكل روث على أن قانون الاتحاد الأوروبي يجب أن تكون له الأولوية "في بولندا وكل مكان."
المفوضية الأوروبية ترد
وتستعد المفوضية الأوروبية لرد محتمل قد يتضمن عقوبات مالية يومية علي بولندا. وصرح ديدي ريندرس، مفوض العدل الأوروبي، للصحافيين الجمعة، "نحن ننتظر قرارات جديدة من محكمة العدل الأوروبية حول الوضع في بولندا، ربما تتضمن عقوبات مالية يومية".
وأعربت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، عن "قلقها العميق" إزاء الحكم، متعهدة بفعل كل ما في قواها لضمان أولوية القانون الأوروبي، وقالت "القانون الأوروبي يجب أن تكون له الأولوية على القانون المحلي بما في ذلك الدساتير." ووجهت فون ديرلاين، خدمات المفوضية بتحليل القرار البولندي، وتحديد الخطوات التالية.
وشددت المفوضية الأوروبية على أنها ستحفظ المبادئ المؤسسة للاتحاد، وقالت إن مواطني الاتحاد الأوروبي، والشركات في بولندا تحتاج ليقين قانون بأن قواعد الاتحاد سيتم تطبيقها.
وقالت المفوضية: "المعاهدات واضحة، قرارات محكمة العدل الأوروبية ملزمة لكل أعضاء الاتحاد، وقانون الاتحاد الأوروبي له أولوية على القوانين الوطنية".
معاهدات غير دستورية
وقضت المحكمة الدستورية العليا في بولندا، الخميس، بأن أجزاء من معاهدات الاتحاد الأوروبي تتعارض مع الدستور البولندي، في تحدٍّ لأحد أهم أعمدة الاندماج والتكامل الأوروبي، وتصعيد حاد للنزاع بين بروكسل ووارسو. وقال الحكم إن "مواد في معاهدات الاتحاد الأوروبي غير دستورية".
ورحب رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيسكي بالحكم. وكان موافيسكي قد طلب من المحكمة الدستورية أن تفصل في ما إذا كان لقانون الاتحاد الأوروبي أولوية على الدستور البولندي.
وقال مورافيسكي في منشور على "فيسبوك"، الجمعة، في إشارة إلى الاتحاد الأوروبي: "نريد مجتمعاً يسوده الاحترام، وليس تجمعاً لأشخاص متساوين وأكثر تساوياً. هذا هو مجتمعنا واتحادنا".
ولكن مورافيسكي اعتبر أن الحكم "فوز للجميع"، مؤكداً أن "مكان بولندا كان وسيظل في العائلة الأوروبية".
بولندا "تلعب بالنار"
واعتبر جين آسيلبورن، وزير خارجية لوكسمبورج، أن الحكم البولندي "مقلق للغاية،" مشدداً على أن "الحكومة البولندية تلعب بالنار".
وحذر أسيلبورن، لدى وصوله لحضور اجتماع للاتحاد الأوروبي في لوكسمبرج الجمعة، من أن كسر أولوية القوانين الأوروبية على القوانين المحلية يعني أن "الاتحاد الأوروبي لن يعود موجوداً بصيغته الحالية بما في ذلك معاهدات روما".
وقال إن "التطور الأخير في بولندا مقلق جداً جداً، يجب أن نوجه رسالة واضحة بأن حكومة بولندا تلعب بالنار. أولوية القانون الأوروبي أساسية للتكامل الأوروبي والعيش معاً في أوروبا".
"أحكامنا ملزمة"
وقالت المفوضية الأوروبية إن الحكم يثير "شكوكاً خطيرة في أولوية قوانين الاتحاد الأوروبي، ما يضع الاتحاد في مسار تصادمي كامل مع حكام بولندا القوميين بعد سنوات من النزاع القانوني والسياسي".
وقالت المفوضية الأوروبية في رد شديد اللهجة إن "قوانين الاتحاد لها أسبقية على القوانين القومية، بما ذلك المواد الدستورية"، حسبما نقلت صحيفة "جارديان" البريطانية.
وأضافت المفوضية أن "أحكام محكمة العدل الأوروبية ملزمة لسلطات كل الدول الأعضاء، بما فيها المحاكم الوطنية"، مؤكدة أنها "لن تتردد في استعمال نفوذها تحت غطاء المعاهدات الأوروبية لحماية التطبيق الموحد لقانون الاتحاد".
"بوليكست قانوني"
واعتبرت "جارديان" أن الحكم خطوة كبيرة نحو "بوليكست قانوني" (خروج بولندي قانوني من الاتحاد)، ولكنها قالت إنه "خروج سيكون له عواقب وخيمة على مستقبل علاقات وارسو مع الكتلة الأوروبية وكذلك تلقي تمويل منها".
وقالت الصحيفة البريطانية إن المحكمة الدستورية العليا في بولندا تواجه تشكيكاً في شرعيتها بعد تعيين عدة قضاة موالين لحزب حكومة حزب القانون والعدالة البولندي الحاكم.
واعتبر البروفيسور رينيه ريباسي، أستاذ القانون الأوروبي والدولي بجامعة إيرازموس في روتردام، الخطوة "ثورة قانونية،" ورأى أن المحكمة "متحيزة بشكل واضح"، لكن هذه أبعد خطوة اتخذتها محكمة محلية نحو خروج قانوني عن الاتحاد الأوروبي.
وقالت صحيفة "جارديان" إنه رغم تأييد 80% من البولنديين لعضوية بلدهم في الاتحاد الأوروبي بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، إلا أن الحزب الحاكم في بولندا دخل سلسلة من النزاعات التي تزداد حدة وعداء ومماطلة مع الكتلة الأوروبية في قضايا تتراوح ما بين الإصلاحات القضائية إلى الحريات الصحافية وحقوق المثليين.
وتنفي وارسو التأثير على المحكمة، ولكن اتهامات وجهت للحكومة بتسييس القضاء بما فيه المحكمة الدستورية العليا التي بدأت الاستماع للقضية في أغسطس الماضي، ولكنها أجّلت الحكم فيها مرتين.