قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن وضع اللاجئين الروهينجا أصبح غير قابل للاستمرار داخل أكبر مخيم للاجئين في العالم في بنجلاديش، وذلك بسبب العصابات وعمليات القتل التي تجعل سكان المخيم في حالة ذعر دائم.
وأوضحت الصحيفة في تقرير نشرته الأحد، أنه في أقل من شهر، قُتل 8 أشخاص على الأقل في مخيمات الروهينجا للاجئين في جنوب شرقي بنجلاديش، ما أدى إلى إسكات أولئك الذين تجرأوا على التحدث علانية ضد العصابات العنيفة التي ابتليت بها هذه المخيمات.
وأشارت الصحيفة إلى أن مسلمي الروهينجا اضطروا إلى الفرار من عمليات التطهير العرقي في موطنهم الأصلي ميانمار، وانتهى بهم الأمر إلى العيش في مخيمات اللاجئين هذه، والتي تعد من أكثر الأماكن ازدحاماً في العالم.
"جيش إنقاذ الروهينجا"
وبحسب "نيويورك تايمز" فإن رجال العصابات المسلحة داخل هذه المخيمات يقومون بتجنيد المقاتلين من سكان المخيمات، فيما يجوب شوارعها تجار المخدرات، كما تتعرض النساء والأطفال للخطف والاغتصاب، والأسوأ في ذلك كله أن أمل هؤلاء السكان قد بات ضئيلاً في اللجوء إلى مكان آخر.
ولفتت الصحيفة إلى أن بعض سكان المخيم، الذين قُتلوا خلال أكتوبر الماضي، كانوا قد حذروا السلطات البنجلاديشية والدولية من أن أسمائهم كانت مدرجة في قائمة الاغتيالات، التي أعدتها أكبر جماعة مسلحة هناك وهي "جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان".
وأوضحت الصحيفة أن الجماعة المسلحة، التي شنت سلسلة من الهجمات ضد قوات الأمن في ميانمار، احتجاجاً على عقود من الاضطهاد الذي واجهه الروهينجا، تحاول الآن فرض نظامها الخاص على مخيمات اللاجئين في بنجلاديش.
فرض السلطة
ويقول مقاتلو الجماعة إن لديهم سلطة روحية وسياسية على ما يقرب من مليون لاجئ، كما أنهم يستفيدون أيضاً من التجارة غير المشروعة التي تزدهر في هذه المخيمات، ويشتبكون مع العصابات الإجرامية أخرى.
وتلقي عائلات الضحايا باللوم على رجال "جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان" في مقتل ذويهم، وعلى الرغم من اعتقال رجال مرتبطين بالجماعة على صلة بعمليات القتل، فإن الأخيرة أعلنت على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي أنها لم تنفذ أي عمليات قتل.
وتابعت الصحيفة: "قبل شهر من وفاته، كتب محب الله، الذي كان يدير شبكة لحقوق الإنسان، رسالة إلى السلطات في بنجلاديش يطلب فيها الحصول على ملاذ آمن، ووصف في الرسالة، التي اطلعت عليها الصحيفة، كيف تم تهديده و70 آخرين من المدافعين عن حقوق الإنسان بالقتل من قبل رجال العصابات المسلحة".
ووفقاً للصحيفة، كتب محب الله في رسالته التي كانت باللغة الإنجليزية: "أشعر بالخوف الشديد لأن جماعة (جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان) باتت تمتلك نوعاً مختلفاً من أدوات الهجوم وهو أمر خطير للغاية". ولم تتخذ السلطات في بنجلاديش أي إجراء تجاه هذه الرسالة، بحسب الصحيفة.
تأمين المخيمات
ومن جانبه، اعترف مندوب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بنجلاديش يوهانس فان دير كلاو، بالمخاطر التي تنتشر في مخيمات اللاجئين هناك، لكنه أشار إلى أن تأمين هذه المخيمات هو مسؤولية الحكومة البنجالية. وقال: "للأسف كان مقتل محب الله، وكذلك المذبحة التي تمت في إحدى المدارس هناك، بمثابة دعوة للسلطات للاستيقاظ وفعل شيء ما".
بدورها، قالت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إنها لا تعلق على حالات فردية، وأضافت في بيان للصحيفة أنه "تم تأمين بعض الروهينجا الذين كانوا معرضين للخطر". وكررت دعوتها السلطات البنجالية إلى اتخاذ إجراءات فورية لتحسين الأمن داخل مخيمات اللاجئين هناك.
ووفقاً لسكان المخيم الذين تحدثوا إلى "نيويورك تايمز"، فإن الرقابة على مخيمات الروهينجا خلال جائحة فيروس كورونا تراجعت بشكل كبير.
وأرجع السكان ذلك إلى أن إجراءات الوقاية من وباء كورونا منعت العاملين في المجال الإنساني من الدخول، وهو ما استغله "جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان" والمسلحون الآخرون الذين شنوا حملة إرهابية في الداخل، وباتوا يطالبون اللاجئين بدفع الأموال، فضلاً عن قيامهم بتجنيد مقاتلين من سكان المخيم.
جيش ميانمار
وذكرت الصحيفة أن "جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان" سبق أن هاجم النقاط الأمنية في ميانمار في عام 2017، ما أسفر عن مقتل نحو 12 شخصاً، ولكن جيش ميانمار رد على هذا الهجوم بشراسة غير متناسبة، من خلال موجة من الإعدامات وعمليات الاغتصاب وحرق للقرى.
ودفعت ردة الفعل هذه إلى خروج 750 ألف روهينجي من ميانمار، ونزوحهم إلى بنجلاديش في غضون أسابيع، وهو ما كان بمثابة أكبر تدفق للاجئين في العالم منذ جيل.
واعتبرت الصحيفة الأميركية أن كل ذلك "أدى إلى غمر بنجلاديش باللاجئين، على الرغم من أنها كانت تؤوي بالفعل أعداداً كبيرة سابقة من لاجئي الروهينجا، وفي أحد المخيمات (كوتوبالونج) يعيش 600 ألف من الروهينجا في منطقة تبلغ مساحتها أقل من 13 كيلومتراً مربعاً، أي 9 أضعاف كثافة قطاع غزة".
وأشارت إلى أنه "في كوتوبالونج و33 مخيماً آخر للاجئين، اضطر الروهينجا إلى العيش وسط الانهيارات الأرضية والحرائق والفيضانات والتعرض للاغتصاب والاتجار بالبشر والعنف المنزلي، كما أنه من الناحية القانونية لا يمكنهم العمل أو الذهاب إلى مدارس خارج المخيمات".
"السجن العائم"
وتقر جماعات حقوق الإنسان بأن الأمم المتحدة يجب أن تحذر مما يحدث في هذه المخيمات، كما يتعين عليها تشجيع حكومة بنجلاديش على فرض القانون والنظام فيها، في ظل تفضيل سياسيين مغادرة لاجئي الروهينجا والوكالات الأجنبية المصاحبة لهم البلاد.
ومضت الصحيفة تقول إن الإرهاب المتزايد في المخيمات أقنع بعض الروهينجا بخطة بنغالية لنقل جزء من اللاجئين إلى بهاسان شار، وهي جزيرة معرضة للفيضانات في خليج البنجال، والتي تصفها الجماعات الحقوقية بـ"السجن العائم"، وذلك لأن جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان لا يتواجد هناك بشكل كبير.
وبحسب الصحيفة، وقّعت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أكتوبر الماضي، على مذكرة تفاهم مع بنجلاديش تمهد الطريق لنقل 80 ألف من الروهينجا إلى بهاسان شار، إضافة إلى 20 ألفاً ممن تم نقلهم بالفعل إلى هناك.