
شهد الفضاء الرقمي لأول مرة، نشر مقتطفات من وثائق تربط مباشرة بين أزمة أقلية الإيجور، وأقليات أخرى في إقليم شينجيانج من جانب، وخطابات القيادة الصينية التي تعود إلى عام 2014، من جانب آخر.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "جارديان" البريطانية، تتضمن الوثائق 3 خطابات ألقاها الرئيس الصيني شي جين بينج في أبريل 2014، وتتناول قضايا تتعلق بالأمن والحد من النمو السكاني والحاجة إلى معاقبة السكان الإيجور.
وتم تصنيف بعض هذه الوثائق على أنها "سرية للغاية"، قبل أن يتم تسريبها إلى الأكاديمي الألماني أدريان زينز.
وبحسب التقرير، تدعو أعلى مستويات قيادة الحزب الشيوعي الصيني من خلال هذه الوثائق إلى "إعادة تثقيف الإيجور، وتوطينهم من أجل تصحيح الخلل في نسب السكان الإيجور في شينجيانج".
ووصف زينز الوثائق السرية للغاية "بالمهمة"، لأنها تظهر "روابط عدة بين مطالب القيادة الصينية في عام 2014 وما حدث لاحقاً في شينجيانج"، بما في ذلك "الاعتقالات الجماعية في معسكرات إعادة التثقيف، والنقل التعسفي للعمال، والتحسين العرقي بزيادة نسب السكان الهان (مجموعة إثنية)".
"إبادة ثقافية"
ويزعم زينز أن الوثائق تظهر "عزم القيادة الصينية طويل الأمد على ارتكاب إبادة ثقافية بهدف حماية حكم الحزب الشيوعي الصيني".
وتم تسليم نسخة رقمية كاملة من هذه الوثائق في سبتمبر الماضي، إلى "محكمة الإيجور"، وهي محكمة شعبية مستقلة تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، لكنها لم تُنشر كاملة من أجل حماية مصدر التسريب.
وبدلاً من ذلك، تم نشر مستنسخات من بعض الوثائق، واقتباسات مطولة، وملخصات وتحليلات.
وخضعت هذه المستنسخات لمراجعة النظير من قبل جيمس ميلوارد، أستاذ تاريخ المجتمعات بجامعة جورج تاون بواشنطن، وديفيد توبين المحاضر في الدراسات الشرق آسيوية بجامعة شيفيلد، وتم تنقيح بعض هذه المستنسخات لإزالة أثر أختام الاستلام.
وتغطي هذه التسريبات "11 وثيقة و300 صفحة"، وتتراوح بين "أبريل 2014 ومايو 2018"، وفقاً لتقرير "جارديان".
وقال زينز إن صحيفة "نيويورك تايمز" استندت إلى بعض هذه الوثائق لإعداد تقرير في عام 2019، لكن التسريب يحتوي أيضاً على معلومات لم يتم نشرها من قبل.
وأشار التقرير إلى أنه في نهاية عام 2016، قبيل تنفيذ حزمة من التدابير غير المسبوقة في شينجيانج، تم تسليم خطابات القادة إلى كوادر شينجيانج كمواد مهمة لدراستها من أجل إعدادهم للاضطلاع بتنفيذ هذه التدابير.
"الحزام والطريق"
وفي أحد الخطابات التي تم إلقاؤها في عام 2014، وغطاه التسريب، أكد الرئيس الصيني، شي جين بينج، أن مبادرة الحزام والطريق، التي تمثل مشروعه للسياسة الخارجية الصينية، تتطلب "استقرار البيئة الأمنية الداخلية".
وشدد على أن "الأمن القومي الصيني بأكمله والأهداف الكبرى التي تتطلع البلاد لتحقيقها في القرن الـ21 سيواجهان خطر داهم ما لم يتم السيطرة على الوضع في جنوب شينجيانج".
تم إلقاء هذا الخطاب بعد أسابيع من الدعوة التي وجهها شي لبذل "جهود شاملة" من أجل تقديم المغتالين، الذين قتلوا 31 شخصاً وجرحوا أكثر من 140 آخرين، بالسكاكين والسواطير، في حادث القتل المروع الذي شهدته مدينة كومينج الجنوبية الغربية في 1 مارس، بين يدي العدالة. وكانت بكين حملت مسؤولية هذا الهجوم الدموي لانفصاليي شينجيانج.
وفي خطابه، طالب شي بمشاركة المنطقة في "المعركة الكبرى" التي تخوضها البلاد لمنع انتشار الأنشطة الإرهابية من شينجيانج إلى بقية أنحاء الصين"، مشدداً على أن "الاستقرار في شينجيانج، بل وفي جميع ربوع البلاد يعتمد بالأساس على جنوب شينجيانج"، ودعا إلى "توجيه ضربة ساحقة لكسب الوقت لصالحنا".
أعمال عنف
وأشار إلى أنه نظراً لأن أعمال العنف انتشرت بالفعل في مناطق أخرى من الصين، "فإننا نقترح، بناء على ذلك، أن تخوض شينجيانج في الوقت الراهن، فترة مؤلمة من العلاج التدخلي"، واصفاً المتطرفين الدينيين بأنهم "شياطين يمارسون القتل دون أن يغمض لهم جفن".
كما شبه الرئيس الصيني التطرف الديني بـ "المخدر القوي"، داعياً إلى "الإصلاح من خلال التعليم"، بدلاً من "عمليات الاعتقال وإطلاق السراح"، في إشارة إلى معسكرات إعادة التثقيف والاعتقال.
وفي وثيقة أخرى، أمر تشين تشوانجو، سكرتير الحزب في شينجيانج، بشكل شخصي، المسؤولين بـ "اعتقال جميع من يتعين اعتقالهم"، قائلاً إن منشآت إعادة التعليم المهني بالمنطقة يجب أن "تعمل على نحو مطرد لفترة طويلة".
وفي أحد خطاباته، أكد شي أن "نسب السكان وأمنهم عاملان حاسمان في تحقيق السلام والاستقرار على المدى الطويل".
واقتبس مسؤول رفيع المستوى في شينجيانج هذه العبارة حرفياً في يوليو 2020، في معرض تأكيده على أن نسبة السكان الهان "متدنية للغاية".
"توزيع الأعراق"
وحذرت وثائق سرية أخرى من "الخلل الصارخ في توزيع الأعراق، والهيكلية أحادية العرق الصارخة" (التركز المفرط للأويجور) في جنوب شينجيانج.
وطالبت الوثائق بضرورة نقل 300 ألف مستوطن، أغلبهم من الهان من شرق الصين، بحلول عام 2022، إلى مناطق في جنوب شينجيانج تخضع لإدارة "شركة شينجيانج للبناء والإنتاج"، والتي تُعرف أيضاً باسم "بينجتوان"، والتي وصفها تقرير "جارديان" بأنها "كيان شبه عسكري، يهدف صراحة إلى زيادة نسب السكان الهان في المنطقة".
وأمر الرئيس الصيني بـ "إلغاء سياسات تفضيل تحديد النسل للمجموعات العرقية في جنوب شينجيانج" التي سمحت لهم في السابق بإنجاب عدد أكبر من الأطفال من الهان.
وطالب بجعل سياسات تحديد النسل في مناطق الإيجور "متكافئة لجميع المجموعات الإثنية".
وأشار التقرير إلى أنه تم ذكر التسريبات الجديدة لأول مرة في جلسة خاصة للمحكمة السبت.
وأشارت تقارير حكومية إلى أنه في فبراير 2017، قبل أسابيع من بدء حملة الاعتقالات، خضعت كوادر قيادية في الأقاليم والمقاطعات الصينية لبرنامج دراسي مكثف لاثنين من خطابات شي لمدة ساعتين على الأقل كل أسبوع.
ورفض المدافعون عن بكين مشاركة زينز باعتباره "أصولياً مسيحياً يهدف إلى تدمير الشيوعية الصينية".
وكان زينز تعرض من قبل للعقاب من قبل الحكومة الصينية التي طالما أكدت أن الحريات السياسية والاقتصادية والدينية في منطقة شينجيانج "مكفولة بالكامل".
وأكد الأكاديمي الألماني أن المواد الجديدة تظهر أن كبار القادة الصينيين ينظرون إلى تحقيق "الاستقرار الدائم" والأهداف المرتبطة به، مثل "القضاء على التطرف" في شينجيانج، على أنه شأن يتعلق بالأمن القومي الصيني، ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بتحقيق الأهداف السياسية الأساسية طويلة المدى.
اقرأ أيضاً: