
تكثف إيران عمليات ترحيل أفغان يحاولون الفرار من الفقر وحركة "طالبان"، بعد أشهر على استعادة الحركة السلطة في كابول، إثر انهيار حكومة الرئيس السابق أشرف غني.
وروت صحيفة "وول ستريت جورنال" قصة جندي أفغاني يدعى محمد طاهر (21 سنة) أراد الفرار من "طالبان"، ففعل ذلك أولاً عبر الصحراء إلى باكستان، ثم تفادى إطلاق نار لعبور الحدود إلى إيران، حيث انزلقت شاحنة كان يستقلّها، مع مهاجرين أفغان آخرين، وأُصيب بجروح خطرة.
وبعد خروجه من مستشفى إيراني، حيث أبلغه أطباء بأنه أُصيب بكسر في فقرتين، رحّلته الشرطة، علماً بأنها كانت محاولته الثانية الفاشلة لدخول إيران، وهو الآن في مدينة زرنج جنوب غربي أفغانستان، بعدما تخلّى عن فكرة الفرار، قائلاً: "أنا ذاهب إلى المنزل".
"إلقاء الناس على الحدود"
في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، استقبلت إيران وباكستان ملايين اللاجئين الأفغان، بعد فرارهم من الاحتلال السوفييتي، ثم الحرب الأهلية والنظام الذي أقامته "طالبان"، بين عامَي 1996 و2001.
لكن منذ سيطرة الحركة على كابول، في 15 أغسطس الماضي، أغلقت باكستان حدودها تقريباً أمام اللاجئين، كما رحّلت إيران مئات الآلاف من الأفغان في الأشهر الماضية، رافضة دراسة طلبات اللجوء التي قدموها.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤول في الأمم المتحدة قوله إن السلطات الإيرانية "تُلقي الناس ببساطة على الحدود"، مضيفاً: "نسبة عمليات الترحيل تتزايد بشكل كبير، منذ استيلاء طالبان على السلطة".
ترحّل السلطات الإيرانية بين 2500 و4000 أفغاني يومياً، وينتهي بهم المطاف في زرنج، ما يؤدي إلى تفاقم الوضع المتوتر بالفعل على الحدود الأفغانية الإيرانية.
واشتبكت قوات إيرانية ومسلحون من "طالبان" هذا الشهر، بعد خلاف بين مزارعين إيرانيين ومسلحين من الحركة بشأن ترسيم الحدود.
"قد أتسوّل للعودة إلى منزلي"
المهاجرون الذين لا يحملون جوازات سفر، أو تأشيرات إيرانية، يدخلون إيران عادة عبر طرق تهريب صحراوية في محافظة نمروز، حيث تلتقي حدود أفغانستان وإيران وباكستان، أما العائدون فيعبرون "جسر الحرير" الذي يربط بين أفغانستان وإيران.
وأفادت "المنظمة الدولية للهجرة"، التابعة للأمم المتحدة، بأن نحو نصف مليون أفغاني دخلوا إيران بشكل غير قانوني، عادوا لاحقاً إلى بلدهم، منذ أغسطس وحتى 5 ديسمبر الجاري، وتم ترحيل نحو 360 ألفاً فيما غادر طوعاً 126 ألفاً.
وذكرت المنظمة أن نحو 1.2 مليون أفغاني عادوا إلى بلادهم من إيران هذا العام، وهذا أعلى رقم تسجّله.
ورجّح مسؤولون في الأمم المتحدة أن يكون كثيرون من العائدين طوعاً، فعلوا ذلك نتيجة خشيتهم من ترحيلهم.
وعبر سراج غلامي (67 سنة) الصحراء إلى إيران في شاحنة مع مهرّب وعشرات المهاجرين الآخرين، في أواخر نوفمبر الماضي. وعندما طاردتهم الشرطة الإيرانية قرب مدينة كرمان، انزلقت الشاحنة على طريق جبلي وتحطمت، فكسر ظهره، وهو الآن يقبع على حمّالة في مركز تابع لـ"المنظمة الدولية للهجرة" في زرنج.
وبرّر غلامي ذهابه إلى إيران بمحاولته "شراء الأرزّ والزيت وأشياء أخرى" لزوجته.
وقال مهاجر يُدعى هاشم (23 سنة)، بعد دقائق على وصوله إلى زرنج آتياً من إيران: "أُجبرت على المغادرة".
وأضاف أنه سافر لمدة 7 أيام كي يصل إلى مدينة شيراز الإيرانية، حيث انتهى به المطاف في منزل آمن مع ما بين 200 إلى 300 أفغاني آخرين، قبل القبض عليه وإعادته إلى بلده، وصادرت الشرطة الإيرانية هاتفه و17 دولاراً كان يحملها بعدما دفع لمهرّبين لتمكينه من عبور الحدود.
وتابع هاشم: "قد أُضطر إلى التسوّل لأجمع المبلغ الذي أحتاجه للعودة إلى منزلي" في مقاطعة زابول، التي تبعد نحو 563 كيلومتراً.
جفاف وعقوبات
"وول ستريت جورنال" أشارت إلى أن أفغاناً يسعون على نحو متزايد إلى الفرار، ليس فقط لخشيتهم من "طالبان"، بل لأن الولايات المتحدة فرضت عقوبات اقتصادية شلّت النظام المالي في البلاد، كما أوقف مانحون دوليون غالبية مساعداتهم.
واعتبرت الصحيفة أن الحركة ساهمت في الانهيار الاقتصادي، من خلال منع غالبية النساء من العمل والتعليم، لافتة إلى تداعيات أسوأ جفاف تشهده أفغانستان منذ 4 عقود، مشيرة إلى تقلّص اقتصادها بنسبة 40% منذ أغسطس، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.
وذكرت "وول ستريت جورنال" أن إحجام إيران عن استضافة اللاجئين الأفغان، مردّه الأزمة الاقتصادية العميقة التي تشهدها، وفي مواجهة عقوبات أميركية مشددة.
ونقلت الصحيفة عن زهرة إرشادي، نائبة المندوب الإيراني الدائم لدى الأمم المتحدة، قولها في أكتوبر الماضي: "لم نعد قادرين على استضافة نازحين، بعد تضرّر الاقتصاد الإيراني بشدة نتيجة فيروس كورونا، فضلاً عن العقوبات القسرية الأحادية".
فاطمة أمان، باحثة في "معهد الشرق الأوسط" (مقره واشنطن)، اعتبرت أن طهران تسعى أيضاً إلى توجيه رسالة إلى الأفغان، مفادها أنها لن تسمح بتكرار أزمة اللاجئين في عامَي 2015 و2016، عندما عبر مئات الآلاف من الأفغان من إيران إلى تركيا، في طريقهم إلى أوروبا.
وأضافت: "إنهم قلقون من أن تصبح إيران مركزاً للاجئين، كما هي الحال في تركيا".
وتستضيف إيران وباكستان نحو 90% من بين 2.6 مليون أفغاني مسجلين كلاجئين في العالم، في ثاني أضخم عدد من اللاجئين بعد السوريين، بحسب "المنظمة الدولية للهجرة".
وحتى قبل استيلاء "طالبان" على السلطة، جمّدت دول أوروبية مؤقتاً عمليات ترحيل الأفغان، مبرّرة الأمر بتبدّل سريع للوضع الأمني في بلادهم وعجز عن ضمان سلامة العائدين.
ويقيم في إيران أكثر من 3 ملايين أفغاني، معظمهم عمال مهاجرون ولاجئون، كثيرون منهم لا يحملون وثائق رسمية، ما يعني أنهم يحظون بحماية أقلّ ويواجهون خطر الاعتقال والطرد.
وتنفذ قوات الأمن الإيرانية بشكل روتيني حملات دهم لمصانع وشركات، وتعتقل مَن لا يحمل أوراقاً قانونية.
اقرأ أيضاً: