
مع انتهاء العراق من إجراء الاستحقاقات الانتخابية التشريعية، والمصادقة على نتائجها من قِبل المحكمة الاتحادية العليا، تدخل البلاد مساراً قانونياً وسياسياً جديداً، يتمثل في تحديد موعد عقد أول جلسة للبرلمان، وانتخاب رئيس له، ثم انتخاب رئيس جديد للبلاد، واختيار رئيس للحكومة أيضاً.
وحالياً، تدور رحى المباحثات بين القوى السياسية، لاختيار مرشحي الرئاسيات الثلاث (الجمهورية- الحكومة- البرلمان)، في ظل صراع داخل المكونات الثلاثة التي ينتمي إليها المرشحون لهذه المناصب (الكردي- الشيعي- السنّي).
فكيف ستتم المراحل الإجرائية لاستكمال المسار السياسي والقانوني للبلاد، سواء في البرلمان أو اختيار رئيس الدولة أو تشكيل الحكومة وفقاً للدستور العراقي؟
مجلس النواب
بعد المصادقة على نتائج الانتخابات من جانب المحكمة الاتحادية العليا، يدعو رئيس البلاد مجلس النواب الجديد إلى الانعقاد في غضون 15 يوماً وفقاً للمادة (54) من الدستور، ولا يجوز التمديد أكثر من المدة المذكورة.
ويعني ما سبق أن البرلمان يجب أن يعقد هذه الجلسة قبل تاريخ منتصف يناير في أقصى الأحوال، حتى مع فرضية اعتبار أيام العطلات الرسمية (عطلة نهاية الأسبوع، ورأس السنة الميلادية)، لتبدأ دورته لمدة 4 سنوات.
وتنعقد الجلسة الأولى للبرلمان الذي يضم 329 نائباً برئاسة أكبر الأعضاء سناً، ثم يؤدي جميع الأعضاء اليمين الدستورية، وتبدأ عملية اختيار رئيس المجلس ونائبيه بالأغلبية (النصف+ 1)، من خلال الاقتراع السري المباشر، حسبما جاء في المادة (55) من الدستور.
رئيس الجمهورية
بعد اختيار رئيس البرلمان، ينتخب أعضاؤه رئيساً جديداً للجمهورية والذي يشترط أن يكون من أبوين عراقيين بالولادة، وأن يكون حسن السمعة والسلوك، وتجاوز الأربعين من عمره، ويمتلك خبرة سياسية، ومشهود له بالاستقامة والنزاهة والإخلاص للوطن، وغير محكوم بجريمة مخلة بالشرف.
وبحسب المادة (70) من الدستور، فإن مجلس النواب ينتخب أحد المرشحين لتولي منصب رئيس الدولة بأغلبية الثلثين، ويعد هذا الشرط أحد أهم العوامل التي تدعو للتوافق بين الكتل الفائزة لجمع نحو 220 صوتاً من مجموع عدد أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 329 نائباً.
وفي حال فشل أي من المرشحين في نيْل ثقة ثلثي عدد أعضاء المجلس، يجري الاختيار بين أعلى مرشحين اثنين للمنصب، ويكون رئيساً للجمهورية من يحصل على أعلى الأصوات بعد إجراء عملية الاقتراع الثانية داخل البرلمان.
وألزمت المادة (72) من الدستور مجلس النواب باختيار رئيس جديد للجمهورية في مدة لا تتجاوز 30 يوماً من تاريخ انعقاد أول جلسة برلمانية، وحال خلو المنصب لأي سبب كان، يحق للبرلمان انتخاب رئيس جديد خلال الدورة البرلمانية.
رئيس الحكومة
وبحسب المادة (76) من الدستور العراقي، يٌكلّف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً بتشكيل مجلس الوزراء، خلال 15 يوماً من تاريخ انتخاب الرئيس الجديد.
ويتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء حكومته خلال مدة أقصاها 30 يوماً من تاريخ التكليف، وعند إخفاق رئيس الوزراء في تشكيل الحكومة يكلف رئيس الجمهورية مرشحاً جديداً خلال مدة 15 يوماً.
ويعرض رئيس الوزراء المكلف، أسماء أعضاء وزارته والمنهاج الوزاري على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري بالأغلبية المطلقة، ويتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال 15 يوماً في حالة عدم نيلها الثقة.
أزمة الكتلة الأكبر
وبشأن إمكانية أن يكون هناك خلافات برلمانية حول منصبي رئيسي مجلس النواب والجمهورية، استبعد مدير مركز "كلواذا" للدراسات باسل حسين، في تصريحات لـ"الشرق"، هذه الخطوة، موضحاً: "عادة ما تحسم الأصوات هذا الأمر، ويكون هناك اتفاقاً مسبقاً حول الرئاسات الثلاث".
وأضاف: "منصب رئيس الحكومة ربما يحمل في طياته خلافات كثيرة، فمن الممكن أن يكون هناك اختلاف على من سيسجل الكتلة الأكبر على سبيل المثال، وهنا تتدخل المحكمة الاتحادية بوصفها المحكمة الدستورية لحل هذه المسألة".
ومن المتوقع أن يعود الحديث من جديد حول تعريف من هي "الكتلة الأكبر"، مع ازدياد المخاوف من عودة الصراعات السياسية حول ذات النقطة، فيما حدد خبراء قانونيون كيفية اختيار الكتلة الأكبر ومن لهم الأحقية بتشكيل الحكومة.
"الاتحادية العليا" تحسم الجدل
من جهته قال الخبير القانوني علي التميمي، إن "تفسيرات المحكمة الاتحادية العليا 2010 و2014 تؤكد أن الكتلة الأكثر عدداً هي إما التي تكونت بعد الانتخابات من قائمة واحدة أو التي تكونت من قائمتين أو أكثر فأصبحت الكتلة الأكثر عدداً في الجلسة الأولى بعد أداء اليمين".
وأضاف التميمي، أنه "وبعد صدور قانون الانتخابات 9 لسنة 2020 في المادة (45) والتي منعت الكتل والأحزاب والكيانات من الانتقال إلى كتلة أو حزب آخر إلّا بعد تشكيل الحكومة التي أجازت الائتلافات بين الكتل، أي أن الشرط الثاني من تفسير المحكمة الاتحادية العليا وفق المادة (45) أصبح معطلاً بسبب منع الانتقالات".
وتابع: "لكن الشطر الثاني من هذه المادة أجاز الائتلاف بين الكتل والأحزاب وهي غير التكتل أو التجمع الذي يشير له تفسير المحكمة الاتحادية العليا لأن هذا يعني أن تحتفظ كل كتلة بكيانها دون أن تصبح مع الآخرين كتلة واحدة"، لافتاً إلى أن "الهدف من هذه الائتلاف هو الوصول إلى الأغلبية المطلقة".
وأشار التميمي إلى أن "الكتلة الأكثر عدداً هي التي سيخرج منها رئيس مجلس الوزراء والوزراء".