بعد استقالة حمدوك.. ما مآلات المشهد السوداني؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
جانب من المظاهرات في العاصمة السودانية الخرطوم احتجاجاً على إجراءات الجيش في 25 أكتوبر الماضي، 2 يناير 2022 - AFP
جانب من المظاهرات في العاصمة السودانية الخرطوم احتجاجاً على إجراءات الجيش في 25 أكتوبر الماضي، 2 يناير 2022 - AFP
دبي- الشرق

دخل السودان أزمة سياسية جديدة مع استقالة عبدالله حمدوك من رئاسة الوزراء، وذلك بعد أقل من شهرين على الإجراءات التي اتخذها الجيش في أكتوبر الماضي، والمظاهرات المطالبة بإنهاء ما يصفه المحتجون بهيمنة الجيش على الحياة السياسية.

تبدو الأمور حالياً أشبه ما تكون بالانسداد السياسي، وأمام هذه التطورات المتسارعة، تثار أسئلة كثيرة عن كيف وصلت الأمور إلى هذا النقطة، وما هي مآلات المشهد وتحولاته خلال الفترة المقبلة.

الانسداد السياسي

يعتبر الكاتب السوداني والباحث في الشؤون السياسية محمد عبدالله ود أبوك، أن الانسداد السياسي في البلاد يرجع في الأساس إلى "فشل المكونات الأساسية للحكم خلال الفترات الماضية في تقديم تجربة متماسكة وقوية وواضحة".

وقال ود أبوك في تصريحات لـ"الشرق"، إن الخلافات والانقسامات ظلت سيدة الموقف، لافتاً إلى أن محاولات حمدوك تقديم رؤية للتوافق أو مشاريع تخاطب الاقتصاد، تجد أن هناك "مشاريع متباينة ومتناقضة تطرحها قوى سياسية عدة بعضها من داخل حكومته، كما أن المكون العسكري لم يخل من تباينات وخلافات".

ونتيجة لهذه الأوضاع التي "خلقت جواً من التناقضات"، اعتبر ود بوك أن استقالة حمدوك "كانت أمراً متوقعاً".

وفي الاتجاه نفسه، رأى عضو اللجنة الاقتصادية لـ"قوى الحرية والتغيير" كمال كرار، أن الأزمة الحالية "يتحملها طرفان هما المكون المدني ممثلاً في المكونات الثلاث الأساسية التي كانت في الحكومة الانتقالية، وهي: الحرية والتغيير ألف، والحرية والتغيير باء، والجبهة الثورية، إضافة إلى المكون العسكري باعتباره اللجنة الأمنية للنظام".

واتهم كرار في تصريحات لـ"الشرق" جميع هذه الأطراف بـ"الانحراف بالثورة إلى طرق أخرى، وكأنه لم تحدث أصلاً ثورة في السودان".

ولفت إلى أنه كان هناك اتفاق قبل سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير على برنامج محدد اقتصادي وسياسي، "لكن المنظومة العسكرية والمدنية عملت على عكس هذا البرنامج، وعجزت عن تلبية مطالب الثورة بما في ذلك (التحقيق في) مجزرة فض الاعتصام"، على حد تعبيره.

السيناريوهات المستقبلية

وحول السيناريوهات المستقبلية للخروج من الوضع الحالي، قال ود أبوك إن "المكون العسكري طبعاً ليس من حقه ولا في مقدروه أن ينفرد بالساحة السياسية السودانية، وخاصة في هذا الظرف التاريخي"، مشيراً إلى أن السيناريو المتوقع والأقرب إلى الواقع هو "أن تتجه الأطراف الفاعلة والمؤثرة من عسكريين ومدنيين إلى الحوار، للوصول إلى تفاهمات يمكن أن ترتب أوضاع الانتقال".

أما كمال كرار، فقد اختصر المشهد الحالي في معسكرين يسعى أحدهما إلى "إعطاء غطاء سياسي" للتدابير التي أعلنها الجيش أكتوبر الماضي، فيما "يطالب الآخر بدولة مدنية خالصة".

واعتبر كرار أنه "ليس هناك أي أمل في سيناريو سياسي آخر يقوده هؤلاء الذين أوصلوا البلاد إلى هذه الأزمة، وهم ما يسمى بالحرية والتغيير بجناحيه، والجبهة الثورية"، مشيراً إلى أن "المكون العسكري منذ البداية كان يهيمن على المشهد الانتقالي برضا وموافقة الحرية والتغيير وحمدوك، وأولئك الذين استكانوا وتماهوا مع الأجندة العسكرية"، على حد وصفه.

وقال كرار إن أي معادلة سياسية داخل الوضع الحالي الذي وصفه بـ"الانقلاب"، ستصور الأشخاص الذين سيكونون داخل هذه المعادلة، "كالانقلابيين، فالشارع لن يحترمهم، وسيعتبرهم خونة لثورة ديسمبر"، على حد وصفه.

وفي ما يتعلق بالضغط الأميركي لإيجاد توافق سياسي، قال ود أبوك إنَّ "لغة الولايات المتحدة لم تذهب بعيداً عن الدعوة الصريحة لتشكيل حكومة مدنية، وهذه الدعوة تنسجم تماماً مع دعوة أهل السودان حتى الشباب ولجان المقاومة".

وأضاف أنه "لا أحد اليوم في السودان يريد حكماً للعسكر، ولا تلك الأحزاب التي هي أقلية سياسية وخاصة أحزاب اليسار، التي لم تحكم عبر إرادة الجماهير حتى في الديمقراطيات البسيطة التي جرت في السودان".

فرص إبراهيم البدوي

وبشأن فرص إبراهيم البدوي وزير المالية السابق المرشح لخلافة حمدوك في رئاسة الوزراء، أشار ود أبوك إلى أن "المطلوب في الفترة القادمة أن يتولى رئاسة الوزراء شخصية وطنية مستقلة، لديها القدرة والكفاءة على أن تتفاعل مع الأحداث، وأن تعرف ماهية وطبيعة الأوضاع المعقدة في السودان".

وأوضح ود أبوك أن "البدوي هو المنظر الاقتصادي على الأقل في الفترة الانتقالية الماضية، وحتى الوزير الذي خلفه في المالية، جبريل إبراهيم، لم يأت بجديد في التعامل مع الأزمة الاقتصادية، وإنما بنى على الذي بدأه البدوي"، مشدداً على ضرورة أن تنصب "جهود الحكومة المقبلة على الاقتصاد وعلى معاش الناس".

أما كمال كرار، فاعتبر أن "إبراهيم البدوي هو أحد رموز الأزمة الاقتصادية الموجودة منذ سقوط نظام البشير، وهو كان وزير المالية، وهو الذي أدخل البلاد في هذا النفق الاقتصادي المظلم"، على حد تعبيره.

واتهم البدوي بأنه "كان يعتبر نفسه موظفاً لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وليس موظفاً حملته الثورة إلى سدة وزارة المالية من أجل رفاهية الناس، وتخفيف الضائقة المعيشية، وتفجير طاقة الاقتصاد".

التداعيات الاقتصادية

وعن التداعيات الاقتصادية للأزمة السياسية الحالية، أشار ود بوك إلى أن القوى السياسة التي تولت السلطة طيلة الأعوام الثلاثة الماضية لم تنشغل كثيراً بالوضع الاقتصادي، لافتاً إلى أن حمدوك والبدوي "تبنيا سياسات اقتصادية تم من خلالها التواصل مع البنك الدولي، لكن مكونات أخرى داخل الحكومة اختلفت مع هذه السياسات، لتظل الحكومة بلا منهج ولا سياسة واضحة، وهذا من الأسباب التي عقّدت طريقة التعامل مع الأجندة الاقتصادية".

بدوره، اعتبر كرَّار أنَّ الوضع الاقتصادي يراوح مكانه منذ بداية الفترة الانتقالية، مشيراً إلى أن "هناك توجهاً لسياسة اقتصادية تعتمد على الخارج، وعلى المنح والقروض وعلى وصفات صندوق النقد الدولي من دون حساب الآثار الاجتماعية والأضرار على المواطنين ومحدودي الدخل".

وقال إن "السودان لا تنقصه الإيرادات، لكن معظم الإيرادات تخصص للمنظومة الدفاعية والأمنية، ففي 2021 على سبيل المثال، كان لهذه المنظومة 200 مليار جنيه، فيما لم يتجاوز المخصص للصحة والثقافة والزراعة 45 ملياراً"، مشدداً على أن المشكلة ليست في الإيرادات إنما "في تخصيصها".

ووفقاً لكرار فإنه "إذا استمرت الظروف السياسية الحالية، فإن الأزمة الاقتصادية في اتجاه التصاعد".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات