بعد اتهامات أميركية بـ"جرائم حرب".. عقبات أمام مساءلة بوتين

time reading iconدقائق القراءة - 10
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقف في إحدى قاعات الكرملين في موسكو - 11 مارس 2022 - AFP
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقف في إحدى قاعات الكرملين في موسكو - 11 مارس 2022 - AFP
دبي -الشرق

بعد يوم واحد من وصف الرئيس الأميركي جو بايدن، نظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه "مجرم حرب"، على خلفية وفاة مدنيين في أوكرانيا، كرر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن التقييم نفسه، وقال إن "بوتين سيخضع للمساءلة".

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن بلينكن قوله مستشهداً بقائمة مطولة من الهجمات الروسية التي أسفرت عن وفاة مدنيين أوكرانيين بينهم أطفال: "بالأمس، أعرب الرئيس بايدن عن رأيه قائلاً إن العديد من جرائم الحرب ارتكبت في أوكرانيا. وأنا شخصياً أتفق مع هذا الرأي"، مؤكداً أن "استهداف المدنيين عن عمد يمثل جريمة حرب مكتملة الأركان".

لكن العقبات التي تواجه معاقبة بوتين على المستوى العملي كبيرة، برغم أن القادة الميدانيين الروس في أوكرانيا قد يكونون "أكثر عرضة" لهذه المحاكمة، وفقاً للصحيفة.

عقبات كبيرة

وما يزيد الأمور تعقيداً، بحسب تقرير الصحيفة، أن الولايات المتحدة "لا تعترف رسمياً بالمحكمة الجنائية الدولية"، التي تمثل الجهة الرئيسية لمحاكمة جرائم الحرب.

في هذا السياق، قال خبراء للصحيفة الأميركية إن إعلان الزعيم الروسي "مجرم حرب" قد يزيد من "صعوبة التفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق سلام" معه، لأنه قد يمنح أوكرانيا والغرب "بعض النفوذ"، في حال سعى بوتين للمساومة من أجل الحصول على الحصانة من أي محاكمة.

في جميع الأحوال، تعكس التعليقات المتعاقبة الصادرة عن بايدن ووزير خارجيته تغيراً واضحاً في الخطاب الأميركي بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا، بعد أسابيع من التصريحات غير الملزمة التي أدلى بها المسؤولون الأميركيون، حتى في الوقت الذي دمرت فيه الآليات العسكرية الروسية المستشفيات والمجمعات السكنية في أوكرانيا.

فقبل أسبوعين، أخبرت المتحدثة الإعلامية باسم البيت الأبيض جين ساكي، الصحافيين أن الولايات المتحدة "لم تتوصل إلى استنتاجات" بشأن ما إذا كانت جرائم الحرب اُرتكبت في أوكرانيا بالفعل، مشيرة إلى أن "هذه المسألة تخضع لمراجعة قانونية على المستوى الرسمي".

لكن الأدلة المتزايدة على استهداف الهجمات الروسية لمنشآت مدنية، بما في ذلك قصف مسرح ماريوبل، الذي يؤوي مئات الأشخاص الذين شُردوا من بيوتهم، الأربعاء، جعل استمرار هذا الوضع أمراً بالغ الصعوبة.

وأشار الخبراء في حديثهم للصحيفة، إلى أنه "يجب على المسؤولين الأميركيين أن يتحلوا بالحصافة، ولا يصدروا أحكاماً مسبقة في قضايا قانونية شائكة قد تخضع للمحاكمة".

كما أكد الخبراء أن بوتين وبلينكن صاغا تقييماتهما "على المستوى الشخصي"، ولم تكن من قبيل "التصريحات المتعلقة بسياسة الحكومة الأميركية"، إذ جاء قول بايدن: "أعتقد أنه مجرم حرب"، في معرض الرد على سؤال أحد الصحافيين، الأربعاء.

جرائم حرب

وفي السياق، دان قرار مجلس الشيوخ، الذي تم الموافقة عليه بالإجماع الثلاثاء، بوتين على خلفية "جرائم الحرب المزعومة" في أوكرانيا.

وقالت أونا هاثاواي، أستاذة القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة ييل، والتي عملت في المجلس الاستشاري القانوني بوزارة الخارجية الأميركية، إن سبب الحذر هو أنه "في أي جريمة، هناك معايير إثبات يجب الوفاء بها".

وأضافت أنه "في القضايا المنظورة أمام المحاكم، لا يمكن القول إننا جميعاً نفترض أنه كان على علم بما يحدث على الأرض".

ولفتت هاثاواي إلى أنه "يتعين على المدعين أن يثبتوا أن القادة الروس استهدفوا عن عمد منشآت مدنية، أو قاموا بقصفها أثناء الهجمات التي أخفقت في التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية".

وتابعت "في حالة بوتين، سيتعين على المدعين إثبات أنه أصدر أوامر مرتبطة بهذه الأعمال".

ولكن، يبقى اعتقال ومحاكمة أي شخص تثبت إدانته، وليس فقط رئيس دولة تمتلك سلاحاً نووياً "شأناً آخر"، وفقاً لـ "نيويورك تايمز".

وأكد النائب الديمقراطي عن نيو جيرسي، ومسؤول حقوق الإنسان السابق في وزارة الخارجية الأميركية، توم مالينوفسكي، للصحيفة أنه "لا توجد وكالة خدمة المارشال الفيدرالية في المحكمة الجنائية الدولية".

"وصمة عار"

لكن مالينوفسكي وآخرين شددوا على أن التحقيقات في جرائم الحرب يمكن أن يكون لها "تأثير رادع وفعال، إذ بينما يأمل المسؤولون الروس في أن تُرفع العقوبات المفروضة عليهم يوماً ما، يبقى الاتهام بارتكاب جرائم حرب وصمة عار لا يمحوها الزمن، وتهديداً بالاعتقال لا يشفع فيه التقادم".

ومع تعثر الحملة العسكرية الروسية، ومزاعم أوكرانيا بقتل العديد من الجنرالات الروس، فإن القادة الميدانيين في جيش بوتين قد يكون لديهم أسباب مفهومة للخوف من الاعتقال والمحاكمة بتهم تصل إلى القتل الجماعي.

كما أن الروح المعنوية للجنود المتمركزين في الخطوط الأمامية قد تتأثر بدرجة كبيرة بفتح تحقيقات رسمية بهذا الشأن، بحسب الصحيفة.

وقالت هاثاواي إن "الأمل يكمن في أن يخلق هذا التلويح عاملاً مثبطاً لدى معظم الأشخاص الذين يقعون تحت طائلته، وهم الأشخاص القابعون في قلب العمليات القتالية".

ومن المحتمل أن يتم عزل بوتين، بحسب الصحيفة، وأن يقع على نحو ما في قبضة أيدي أجنبية، على غرار ما حدث للزعيم الصربي القومي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، الذي اتهم بارتكاب جرائم حرب أثناء انفراط عقد الاتحاد اليوغوسلافي، قبل اعتقاله من قبل السلطات الصربية بعد عزله من منصبه في عام 2001، وتسليمه إلى لاهاي لمحاكمته (لقي ميلوسيفيتش حتفه أثناء المحاكمة في 2006).

وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أن مفهوم العدالة الدولية في جرائم الحرب تأسس أثناء مثول القادة النازيين الألمان أمام محاكمات نورمبرج بعد الحرب العالمية الثانية.

ويستند هذا المفهوم اليوم إلى اتفاقيات جنيف، وهي سلسلة من المعاهدات التي تحكم معاملة المدنيين وأسرى الحرب وغيرهم في وقت الحرب، والموقع عليها من قبل جميع الدول.

"فرصة حقيقية"

وبرغم أن العديد من الهيئات والدول تحقق بجرائم حرب محتملة في أوكرانيا، قال الخبراء لـ "نيويورك تايمز" إن المحكمة الجنائية الدولية تقدم أفضل فرصة للمساءلة الحقيقية.

تأسست المحكمة التي يقع مقرها في لاهاي عام 1998، بعد أن نظرت محاكم منفصلة في المذابح الجماعية التي شهدتها رواندا ويوغسلافيا السابقة، ما أظهر الحاجة إلى وجود كيان قضائي للنظر في هكذا قضايا.

والشهر الماضي، أعلن كبير المدعين العامين في محكمة العدل الدولية كريم خان، أنه فتح تحقيقاً بشأن الغزو الروسي لأوكرانيا.

وسافر خان هذا الأسبوع إلى بولندا وأوكرانيا للبدء في جمع الأدلة، والتقى افتراضياً الرئيس فولوديمير زيلينسكي.

وفي مقابلة مع شبكة "س إن إن" من أوكرانيا، قال خان إنه سيحقق فيما إذا كان هناك حالات قامت فيها القوات الأوكرانية بشن هجمات من مناطق مأهولة بالسكان جعلتهم هدفاً مشروعاً للهجمات الروسية.

وأضاف "لكن، حتى في هذه الحالات فإن هذا لا يقنن استخدام القنابل العنقودية، أو شن هجمات كبيرة في مناطق مأهولة بالمدنيين".

وتتسم العلاقة بين الولايات المتحدة والمحكمة بالتوتر، ولا تقع الولايات المتحدة ضمن أعضاء المحكمة البالغ عددهم 123 دولة.

وألغى الرئيس جورج دبليو بوش توقيع سلفه بيل كلينتون على وثيقتها التأسيسية، قائلاً إنه لن يقبل بالولاية القضائية للمحكمة على القوات الأميركية في  الخارج.

وبرغم تعاون الرئيس باراك أوباما مع المحكمة، إلا أنه لم يسعَ على الإطلاق إلى جعل الولايات المتحدة عضواً فيها.

محاكم خاصة

وكانت إدارة دونالد ترمب شديدة العداء تجاه المحكمة التي وصفها وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو، بأنها "محكمة كانجارو"، وبأنها "منحازة ضد إسرائيل".

كما فرض ترمب عقوبات على كبير المدعين العامين في المحكمة وآخرين بعد أن بدأت تحقيقاً في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها القوات الأميركية في أفغانستان.

وقال تود بوتشوالد، رئيس مكتب العدالة الجنائية العالمية التابع لوزارة الخارجية الأميركية في ولاية الرئيس أوباما، إنه "تقليدياً، اعترضت الولايات المتحدة على تأكيد الولاية القضائية لمحكمة العدل الدولية على المواطنين الأميركيين لأن الولايات المتحدة لم تقبل على الإطلاق بالولاية القضائية للمحكمة من الأساس"، مضيفاً أن "السؤال هو.. كيف نفكر في هذا الأمر الآن؟".

ويمكن لكيانات قضائية أخرى النظر في جرائم الحرب الروسية المزعومة، إذ تستطيع الأمم المتحدة أو الدول الحليفة أن تنشئ محاكم خاصة، كما يمكن لبعض الدول تأكيد ما يُعرف بـ "الولاية القضائية العالمية"، وهو مفهوم قانوني يسمح لمحكمة الدولة بمحاكمة الأشخاص في الجرائم المتعلقة بحقوق الإنسان.

في يناير، دانت محكمة ألمانية بموجب هذا المبدأ مسؤولاً أمنياً سابقاً في الحكومة السورية على خلفية اتهامات تتعلق بالتعذيب، لكن المسؤول السوري أنور رسلان كان هاجر إلى ألمانيا، حيث لم يتوقع التعرف إليه واعتقاله.

ولا ترجح "نيويورك تايمز" أن يضع المسؤولون الروس أنفسهم تحت طائلة هذه الاعتقالات، إذ نقلت عن ماثيو واكسمان أستاذ القانون في جامعة كولومبيا والذي شغل مناصب عليا في مجال الأمن القومي الأميركي في إدارة بوش، قوله إن "وضع الناس في قفص الاتهام يمثل مشكلة معقدة.. أشك كثيراً في أن يجد بوتين نفسه في لاهاي".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات