مثلت الانتخابات التمهيدية للجمهوريين في ولاية أوهايو اختباراً حاسماً لمدى سطوة الرئيس السابق دونالد ترمب على الحزب الجمهوري، وقدرته على التحكم بمسارات الترشح للكونجرس، وذلك في ظل التقدم الكبير الذي أحرزته الأسماء التي حظيت بمباركته.
ففي سباق أوهايو المزدحم بالمتنافسين، تمكَّن مؤلف "مرثاة هيلبيلي" جي دي فانس الذي أعاد تقديم نفسه باعتباره داعماً مخلصاً لدونالد ترمب، من الفوز بالانتخابات التمهيدية للجمهوريين في ولاية أوهايو، وذلك بعدما حظيت حملته الانتخابية المتعثرة بدعم حاسم من الرئيس الجمهوري السابق الشهر الماضي.
ووفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية يمثل انتصار فانس خبراً سعيداً لترمب، فقد جاء دعم الرئيس السابق في 15 أبريل الماضي، خلال وقت كانت فيه حملة فانس في حكم الميتة، لكن مع تأييد ترمب وأنصاره بما في ذلك دونالد ترمب جونيور، تمكَّن فانس من قلب الأمور لصالحه.
وتلا فانس بفارق كبير إلى حد ما مسؤول الخزانة السابق في أوهايو جوش ماندل الذي خاض السباق أيضاً بوصفه موالياً متشدداً للرئيس السابق دونالد ترمب، ثم مات دولان عضو مجلس شيوخ الولاية الذي سعى إلى الفوز بأصوات الناخبين الأكثر اعتدالاً.
سطوة ترمب
وقالت "نيويورك تايمز" إنَّ حصول فانس وماندل على أكثر من 50% من الأصوات بوصفهما مرشحين مؤيدين لترمب، يكشف عن سيطرة الرئيس السابق المستمرة على سباقات معينة، لا سيما الانتخابات التمهيدية في مجلس الشيوخ، حيث يرسل الناخبون أشخاصاً للدفاع عن مصالحهم في واشنطن بدلاً من إدارة ولاياتهم.
وعقب فوزه، قال فانس الذي انتقد بشدة في السابق الملياردير الجمهوري قبل أن يعلن تأييده له: "لا بد من أن أشكر الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة"، في إشارة إلى ترمب.
وسيواجه فانس في الانتخابات العامة النائب تيم رايان، وهو ديمقراطي معتدل يدعي أيضاً أنه يتفهم مخاوف الطبقة العاملة البيضاء في أوهايو. ووفقاً لما ذكره جمهوري مطلع على ملابسات دعم ترمب لفانس، فإنَّ السر وراء هذا التأييد هو اعتقاد ترمب أن رايان سيكون مرشحاً قوياً، وأن فانس هو الأفضل لمواجهته.
لكن السباق لم يكن خالصاً لترمب والترمبية (Trumpism)، فقد فاز الحاكم مايك ديواين بسهولة بترشيح الحزب الجمهوري لولاية أخرى، على الرغم من إغضابه الكثيرين من أنصار ترمب في الحزب بسبب إجراءاته المتشددة في السيطرة على وباء فيروس كورونا.
وتخلف ديواين الشهر الماضي عن حضور اجتماع حاشد لترمب في الولاية بحجة التزامه بالاحتفال بالذكرى الـ200 لميلاد الرئيس الأميركي السابق يوليسيس جرانت.
وسعى خصمه الرئيس، جيم ريناتشي، إلى الحصول على دعم ترمب لكنه لم ينجح في ذلك، ربما لأنه لم يكن يمثل تهديداً خطيراً لديواين. وعلى الرغم من أن حملة ريناتشي "أوهايو أولاً" كانت بمثابة صدى لشعارات ترمب الرئاسية، إلا أنه مع ذلك لم يكتسب أي زخم.
انتصار آخر لترمب في أوهايو تمثَّل في ماكس ميلر، وهو مساعد شاب سابق عمل مع ترمب في البيت الأبيض. وبتشجيع منه، ترشح للكونجرس ممثلاً للولاية التي تتمتع فيها عائلته بعلاقات متجذرة، وذلك في محاولة لإبعاد النائب الجمهوري أنتوني غونزاليز الذي كان قد صوت لعزل الرئيس السابق بعد أحداث الكابيتول.
وعلى الرغم من انسحاب هذا النائب، إلا أنَّ ميلر ترشح في دائرة انتخابية مختلفة، وتمكن من الفوز بالانتخابات التمهيدية. وفي حال فوز ميلر، فإن عضواً آخر في مجلس النواب استهل ترشيحه كعملية انتقامية، سيصبح مديناً في صعوده السياسي للرئيس السابق.
"التأييد الذهبي"
وأمام هذه النتائج، بدا الحزب الجمهوري عملياً تحت سطوة الرئيس السابق الذي بات يحدد مسارات الترشيح للكونجرس.
وأكد السناتور الجمهوري ميت رومني الخميس أنه إذا أراد ترمب خوض الانتخابات الرئاسية لعام 2024، فإنه سيصبح المرشح الجمهوري، وذلك بحسب ما نقلته صحيفة "بوليتيكو" الأميركية.
وقال رومني المعروف بمواقفه المتشددة ضد ترمب: "لا أخدع نفسي بالتفكير في أنَّ لدي شريحة كبيرة من الحزب الجمهوري. من الصعب تخيل أي شيء من شأنه أن يعرقل دعم ترمب، لذلك إذا أراد أن يصبح المرشح في عام 2024، فأعتقد أنه من المحتمل جداً أن يحقق ذلك".
واعتبر النائب الجمهوري من ولاية أوهايو جيم جوردان أنه "لم يكن هناك قط تأييد في التاريخ الأميركي له الوزن السياسي الذي يتمتع به تأييد الرئيس ترمب".
وقال مدير برنامج الإدارة السياسية في "جامعة جورج واشنطن" تود بيليت إنَّ "نتائج الانتخابات التمهيدية في أوهايو تظهر أنَّ دونالد ترمب لا يزال زعيماً للحزب الجمهوري، فتأييده ذهبي، وقدرته على جمع التبرعات لا نظير لها".
وأضاف بيليت في تصريحات لـ"الشرق": من الواضح أنَّ الحزب لا يزال داعماً لترمب، وأنه الاسم الأول في ترشيح الحزب للانتخابات الرئاسية في 2024".
وفي الاتجاه ذاته، أكد أستاذ العلوم السياسية عضو الحزب الجمهوري الدكتور إحسان الخطيب في تصريحات لـ"الشرق" أنَّ "نجاح ترمب في أوهايو مع فانس يثبت وجوده في الحزب كقوة وازنة".
ولايات مستعصية
لكن الرئيس ترمب يواجه تحديات في ولايات أخرى، خصوصاً في جورجيا التي صوتت لمرشح ديمقراطي في الانتخابات السابقة، ويمكن أن تغير ميزان القوى في مجلس الشيوخ إذا ما عادت للتصويت لجمهوري، ما قد تكون له تداعيات كبيرة على رئاسة جو بايدن.
ويخوض ترمب معركة على مستوى الولاية تتعلق بحاكمها الجمهوري براين كمب الذي كثيراً ما انتقده الرئيس السابق بسبب تصديقه على نتائج انتخابات 2020، وهو ما كان يتعيَّن على الحاكم القيام به وفقاً للقانون بعد فوز بايدن في المعقل الجمهوري السابق.
وفي نداء مباشر لأنصار ترمب ممن يواصلون التشكيك في نتائج الانتخابات، جعل السناتور السابق المدعوم من ترمب ديفيد بيردو الحديث عن تزوير الانتخابات، موضوعاً رئيساً في حملته.
غير أنَّ حظوظ بيردو تراجعت منذ أن أعلن ترمب تأييده له، وتوسع الفارق بينه وبين كمب من سبع نقاط إلى 25 نقطة.
وقالت شبكة "سي إن إن" الأميركية إنه على الرغم من أنَّ العديد من الناخبين الجمهوريين في الولاية كانوا محبطين من الطريقة التي تعامل بها كمب مع نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، إلا أنه حتى بعض ناخبي بيردو الأكثر التزاماً يقولون إنهم سيدعمون كمب في الانتخابات العامة، إذا فاز بالانتخابات التمهيدية في 24 مايو.
ففي النهاية، سيواجه مرشح الحزب الجمهوري النهائي في نوفمبر الديمقراطية ستايسي أبرامز، الخصم اللدود لجمهوريي جورجيا، التي وصفها أحد ناشطي الحزب بأنها "الموحد العظيم" للحزب الجمهوري، بحسب ما نقلته "سي إن إن".
لكن على الرغم من التعثر الحالي لحملة ترمب ضد الحاكم، إلا أنَّه حقق انتصاراً آخر على مستوى المعركة نحو مجلس الشيوخ، حيث أنهى الانتخابات التمهيدية للجمهوريين في الولاية قبل أن تبدأ وذلك من خلال دعم هيرشل ووكر لتحدي السناتور الديمقراطي الحالي رافائيل وارنوك.
ووفقاً لصحيفة "بوليتيكو" لم يحرك الجمهوريون ساكناً لإيقاف ووكر على الرغم من الفضائح التي تلاحقه، وذلك نظراً لشعبيته بين ناخبي الحزب الجمهوري، معتقدين أنه إذا قدر لهم الفوز بالمقعد فإن ذلك سيكون مع مرشح ترمب.
احتواء ترمب
لكن ما الذي يمكن لما يعرف بالجمهوريين المعتدلين فعله لمنع الرئيس ترمب من فرض سطوته على الناخب الجمهوري، أو الترشح لانتخابات 2024؟
يرى إحسان الخطيب أنَّ ترمب تحول إلى "كابوس" للديمقراطيين يحاولون التخلص منه، ولكن استطلاعات الرأي تثبت أن هناك ندماً على انتخاب بايدن، على حد تعبيره.
وأشار الخطيب إلى أنه حتى "القيادات الجمهورية التي لا تحب ترمب ستدعمه إذا كان هذا هو خيار الناخب الجمهوري".
واعتبر تود بيليت أنه ما لم يتم التحقيق مع ترمب في تمرد السادس من يناير والقضايا المالية الأخرى، فإنه لا يوجد أمام الديمقراطيين أو الجمهوريين المعتدلين ما يمكنهم فعله لإيقاف ترمب.
وقال بيليت: "لا أعتقد أنَّ ترمب يواجه خطر الذهاب إلى السجن، ولكن قد تكون هناك بعض العقوبات الكبيرة التي قد تؤثر على سمعته وإرثه الرئاسي".
وكان بايدن وصف بعبارات شديدة، الأربعاء، اليمين الأميركي الذي يتبنى أفكار ترمب، بأنه "المنظمة السياسية الأكثر تطرفاً" في التاريخ الحديث، كما أطلق صفة "التطرف" على برنامجه الاقتصادي.
وفي إشارة إلى سلفه الجمهوري الذي تبنى شعار "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى" (MAGA)، قال الرئيس الديمقراطي إن "حركة MAGA هذه هي بالفعل أكثر المنظمات السياسية تطرفاً في التاريخ الأميركي الحديث".