"لامركزية وهجمات ثأرية".. مخاطر "داعش" تعود إلى الواجهة

time reading iconدقائق القراءة - 10
مقاتل من حركة طالبان يحرس مستشفى سردار محمد داوود خان العسكري في كابول عقب استهداف داعش للمستشفى، كابول، 3 نوفمبر 2021  - AFP
مقاتل من حركة طالبان يحرس مستشفى سردار محمد داوود خان العسكري في كابول عقب استهداف داعش للمستشفى، كابول، 3 نوفمبر 2021 - AFP
دبي- الزبير الأنصاري

شهدت الأسابيع الماضية تجدد المخاوف من عودة خطر تنظيم "داعش" بعدما شهد انحساراً في السنوات الأخيرة عقب تفكك مركزه في العراق وسوريا، فيما تتجه الأنظار إلى المغرب، الأربعاء، حيث ينعقد اجتماع التحالف الدولي لهزيمة التنظيم.

وتبنى التنظيم، الأحد، مسؤولية الهجوم على أفراد من الجيش المصري بسيناء، السبت، والذي راح ضحيته ضابط و10 جنود، وأصاب 5 أفراد.

وفي تحرك استباقي، أعلنت شرطة مكافحة الإرهاب المغربية، توقيف شخص يشتبه في موالاته لتنظيم "داعش"، و"تورطه في التحضير والإعداد لمشروع إرهابي".

ومن المغرب إلى سوريا، حيث تحدثت تقارير إعلامية هذا الأسبوع عن ظهور علني لعشرات من مقاتلي التنظيم بأسلحتهم وراياتهم في مدينة تدمر الواقعة في ريف حمص.

أمَّا في العراق الذي أعلن انتصاره على التنظيم في 2017، فقد تجدَّدت المواجهات خلال الأيام الأخيرة بين داعش والقوات الأمنية، بما في ذلك التصدي لهجوم شنه مقاتلون تابعون للتنظيم في مدينة الفلوجة ومحافظة ديالى، ومناوشات بين قوات البشمركة ومسلحين من التنظيم شمال غربي كركوك.

وفي أواخر أبريل، تحدثت السلطات العراقية عن تمكنها من إحباط مخطط داعش في تنفيذ ما يسمى "غزوة رمضان"، مشيرة إلى القضاء على عدد من مقاتلي التنظيم، واعتقال آخرين، ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد.

وإلى جانب هجمات التنظيم المتكررة في غرب إفريقيا، كثّف داعش أيضاً عملياته في أفغانستان، وذلك من خلال ما يعرف بـ"تنظيم داعش ولاية خراسان". 

التزامات التحالف الدولي

وفي مؤشر على إدراك التحالف الدولي لتزايد خطر التنظيم، أعلنت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، الأربعاء، خلال افتتاح الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة داعش، في مدينة مراكش بالمغرب، التزام الولايات المتحدة بدعم عدد من الدول في الشرق الأوسط وإفريقيا في حربها على التنظيم.

وقالت نولاند إن الولايات المتحدة ستخصص 700 مليون دولار لدعم سوريا والعراق، 350 مليوناً لسوريا ومثلها للعراق، من أجل ضمان الاستقرار في المناطق التي تم تحريرها من قبضة "داعش".

ويبحث المشاركون في المؤتمر "سبل التنسيق واستمرار الالتزام الدولي" لمحاربة التنظيم في شمال إفريقيا، و"التصدي لعودته في الشرق الأوسط".

وأصبحت استراتيجيات التنظيم الجديدة في مناطق النشأة، وطبيعة انتشاره في الأطراف، بمثابة الهاجس للقوى الدولية التي تسعى إلى القضاء عليه واحتواء تهديداته.

استراتيجية مختلفة

وقال الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة الدكتور حسن أبو هنية، إن داعش "تحوّل في الفترة الأخيرة من حالة المركزية إلى اللامركزية، ما يعني الانتقال من وضع السيطرة المكانية إلى ما يعرف بعمليات النكاية (ثأرية)".

وأشار في تصريحات لـ"الشرق"، إلى أنَّه "رغم تفكك التنظيم في مركز النشأة، إلا أنه أصبح أكثر انتشاراً، بحسب تقرير وزارة الخارجية الأميركية السنوي بشأن الإرهاب، حيث أصبح موجوداً في أكثر من 28 دولة عبر العالم".

ولفت أبو هنية إلى أن "داعش" جنباً إلى جنب مع الحركات الأخرى المتفرعة عن تنظيم "القاعدة"، "بات يسيطر حالياً على ما تبلغ مساحته 1% من إجمالي القارة الإفريقية"، وذلك في ظل انتشاره الواسع في غرب إفريقيا والساحل وموزمبيق.

وأضاف الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، أنَّ التقارير الاستخباراتية تشير إلى أن التنظيم "أعاد ترتيب هيكليته بعد العملية الأميركية الأخيرة التي أسفرت عن القضاء على قائده أبو إبراهيم القرشي"، لافتاً إلى أن "داعش لا يزال يحافظ على تماسك هيكليته، ما يمكنه من تنفيذ هجمات رغم انحسار قوته".

من جانبه، أشار الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة ورئيس "مركز دراسات السلام واللاعنف"، محمد صفر، إلى أنَّ التنظيم "يعمل حالياً على استغلال حالة السيولة التي حدثت في بعض الدول، إما بسبب ضعف النظام الموجود أو تناحر الفصائل المسيطرة على الأرض، لإيجاد أرضيات للتمدد وشن عمليات تمكنه من فرض نفسه كقوة في هذه المناطق".

وفي تصريحات لـ"الشرق"، استشهد صفر لهذا الوضع بالحالة الأفغانية، حيث أدى وصول حركة "طالبان" إلى السلطة وعدم قدرتها على إدارة الدولة، إضافة إلى كونها نظاماً معزولاً غير معترف به من قبل النظام العالمي، إلى محاولات من "داعش" لاستثمار هذا الوضع من أجل نشر نفوذه.

بدوره، حذَّر العميد المتقاعد من المخابرات الأردنية مؤسس ومدير "مركز شرفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب"، سعود الشرفات، من أن التنظيم "في حالة تأهب واستعداد لشن هجمات".

وأشار الشرفات في تصريح لـ"الشرق" إلى أن "داعش يستغل حال التراخي التي تمر بها أجهزة إنفاذ القانون خصوصاً الأجهزة الاستخباراتية، بعد الهزيمة النكراء التي تعرض لها التنظيم في سوريا والعراق".

ولفت إلى أنه "رغم الضربات القوية التي تعرض لها التنظيم، إلا أنَّ عقلية اتخاذ القرارات لم تتغير، إذ يعمل دائماً على مراقبة الأوضاع واستغلال الثغرات الموجودة لتنفيذ عملياته".

"مؤشر ضعف"

واعتبر الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة في "مركز الأهرام للدراسات والسياسات الاستراتيجية" أحمد كامل البحيري، أن العملية الأخيرة لـ"داعش" في سيناء، "ليست مؤشر قوة، وإنما مؤشر ضعف نظراً لكونها العملية الكبرى الأولى للتنظيم من أكثر من عام ونصف العام".

وأشار البحيري في تصريحات لـ"الشرق"، إلى أن التنظيم "يعيش حالة من التفكك منذ مارس 2019، مع سقوط آخر معاقله، وما تلا ذلك من مقتل زعيمي التنظيم أولاً أبو بكر البغدادي في أكتوبر 2019، ثم أبو إبراهيم القرشي في فبراير 2022".

وقال الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، إن هذا التفكك أدى إلى انحسار قوة التنظيم في المركز وفي المنطقة العربية عموماً بما في ذلك ليبيا.

وأضاف: "كما تراجعت إلى حد كبير قدرة التنظيم على القيام بعمليات في أوروبا، سواء من حيث العدد أو النوعية أو التجهيزات المستخدمة".

الضغط الدولي   

وفي ظل الهجمات الأخيرة لـ"داعش"، تتركز الأنظار على مخرجات الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة التنظيم الذي يعقد الأربعاء في المغرب.

وقالت وزارة الخارجية المغربية، في بيان إن الاجتماع يشكل "مرحلة أخرى ضمن مواصلة الانخراط والتنسيق الدولي في مكافحة داعش، مع التركيز على القارة الإفريقية، وتطور التهديد الإرهابي في الشرق الأوسط ومناطق أخرى".

ويرى مراقبون أنَّ التغير الحاصل في طبيعة عمليات التحالف وأولوياته قد يؤثر على التعاطي مع تنظيم "داعش".

واعتبر حسن أبو هنية، أنَّ التحالف "يشهد تراجعاً في عملياته بحيث لم تعد له تلك المشاركة في العراق وسوريا كما هو الحال في السابق"، لافتاً إلى أنَّ "غياب ضغط دولي مكثف على التنظيم منحه فرصة لإعادة تنظيم صفوفه".

وقال أبو هنية إنَّه رغم جهود القوات المحلية في العراق وسوريا لمحاربة التنظيم، إلا أن "دور التحالف يظل محورياً وحيوياً في جانبين، هما: الرصد الاستخباراتي خصوصاً ذلك الذي تقوم به الولايات المتحدة، والأبعاد التقنية من قبيل الطائرات بلا طيار ونحوها".

وأضاف أنَّ المواجهة مع "داعش" ليست حرباً كلاسيكية، وإنما مواجهة من نوع خاص "تتطلَّب قدرات مختلفة، سواء من حيث العمل الاستخباراتي أو العمليات الجراحية الدقيقة لاستئصال قيادات التنظيم وهذان الأمران يتطلبان دعماً دولياً".

بدوره، قال محمد صفر إنَّ "إشكالية التحالف الدولي هي أنه لا يستطيع أن يقوم بدور حقيقي في بعض المناطق، ففي سوريا التي تمثل ربما أفضل حالة للتحالف، هناك قوى حليفة على الأرض مثل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، يمكن للتحالف الاستعانة بها من أجل توجيه ضربات ميدانية مباشرة".

وأضاف: "المشكلة تكمن في دول مثل أفغانستان حيث لا تحظى طالبان بثقة التحالف ولا باعترافه"، مشيراً إلى أن نشاط "داعش" الأخير "يعكس هذه العلاقة المضطربة ما بين النظام العالمي، والتحالف الدولي من جانب، وما بين سلطة طالبان الموجودة في الميدان من جانب آخر".

تغير أولويات التحالف 

ويمثل التغير في أولويات التحالف من حيث مناطق العمليات، عائقاً آخر في احتواء انتشار "داعش" على الصعيد الدولي، خصوصاً في الشرق الأوسط وأفغانستان.

وقال أحمد كامل البحيري، إن التحالف الدولي يعيش تحولاً في استراتيجيته منذ قمة روما العام الماضي، ضمن ما يمكن تسميته "الاتجاه غرباً"، وذلك مع تركيز التحالف على مواجهة التنظيم في إفريقيا، وتحديداً في منطقة الساحل والصحراء.

وتوقَّع البحيري أن يركز التحالف خلال الفترة المقبلة على القارة الإفريقية، خصوصاً مع تخفيض فرنسا لقواتها في منطقة الساحل، وهو ما سيتم تعويضه كما يقول البحيري بمزيد من الانخراط للتحالف الدولي في القارة.

ورغم هذا التحول، أشار البحيري إلى أنَّ التحالف الدولي لا يزال يدعم القوات الكردية في سوريا في قتالها ضد "داعش"، كما يسهم في تقديم المعلومات الاستخباراتية وأوجه الدعم الأخرى لمحاربة التنظيم في سوريا والعراق.

وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، الاثنين، فرض عقوبات على 5 أشخاص اتهمتهم بتسهيل العمليات المالية للتنظيم في العراق وسوريا.

وجاء فرض العقوبات تزامناً مع انعقاد الاجتماع السادس عشر للمجموعة المالية لمكافحة "داعش" التابعة للتحالف الدولي.

وقال برايان نيلسون وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، إن "الولايات المتحدة، في إطار التحالف الدولي لهزيمة داعش، ملتزمة بحرمان التنظيم من القدرة على جمع ونقل الأموال عبر أنظمة قضائية متعددة".

يذكر أن التحالف الدولي تأسس في سبتمبر 2014، ويضم 84 دولة ومنظمة شريكة تنتمي لعدد من دول العالم، ويتخذ من دحر التنظيم وتفكيك شبكاته هدفاً جامعاً.