حرب أوكرانيا تحفّز الجيش الفرنسي على مواجهة تحديات قتالية

time reading iconدقائق القراءة - 8
جندي فرنسي خلال تدريب في قاعدة لحلف شمال الأطلسي بإستونيا - 19 مارس 2022 - REUTERS
جندي فرنسي خلال تدريب في قاعدة لحلف شمال الأطلسي بإستونيا - 19 مارس 2022 - REUTERS
دبي- الشرق

في السنوات الخمس الماضية، كانت قوات فرنسية تتدرب في قاعدة عسكرية لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، في بلدة تابا بإستونيا، على صراع بدا غير محتمل. لكن الغزو الروسي لأوكرانيا منح فجأة مسوّغاً لانتشار نحو 200 جندي فرنسي في تابا التي تبعد قرابة 96 كيلومتراً عن الحدود الروسية.

غزو أوكرانيا حفّز جهود باريس للاستعداد لما وصفه رئيس أركان الجيش الفرنسي، الجنرال تييري بوركهارد، بـ"حرب شديدة الكثافة"، مضيفاً أن تلك الجهود تضمنت تحسين قدرات بلاده على نشر قواتها بسرعة ومواجهة أي حرب سيبرانية ومعلوماتية.

وقال بوركهارد في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" ووكالة "فرانس برس"، أثناء زيارته لإستونيا الأسبوع الماضي، إن "إضعاف روسيا يشكّل مصلحة للدول الأوروبية".

واعتبرت الصحيفة أن كلمات الجنرال الفرنسي تكرّر قول وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الشهر الماضي، إن بلاده تستهدف أن ترى "إضعافاً" لروسيا، بحيث تفقد قدرتها على غزو دول مجاورة.

تفكيك "شبكة العنكبوت" الروسية

وتماشياً مع جهود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للإبقاء على تواصل دبلوماسي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، لفت بوركهارد إلى أن إضعاف روسيا لا يعني القضاء عليها، معتبراً أن الغرب قد يحتاج إلى العمل معها لبناء "هيكل أمني" عالمي في المستقبل.

وقال إن ثمة دروساً يجب أن يستفيد منها الجيش الفرنسي، بعد شهرين على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، علماً أن هذا الجيش يُعد من الأقوى في العالم، لكن خبراته القتالية اقتصرت أخيراً على خوض حرب عصابات ومواجهة الإرهاب في الشرق الأوسط وإفريقيا.

وأضاف بوركهارد: "دعونا لا نخدع أنفسنا، إذا كنا نحارب في مالي ونحقق نجاحات هناك، فهذا لا يعني أننا ندرك كيف نخوض حرباً شديدة الكثافة. الأمر مختلف تماماً".

واعتبر الجنرال الفرنسي أن الدفاعات الصلبة لأوكرانيا التي حرمت بوتين تحقيق نصر سريع في الحرب، توقعه محللون كثيرون، فرضت "فترة توقف على الاستراتيجية البعيدة المدى لروسيا"، وتستهدف زعزعة استقرار الغرب وإعادة فرض دائرة نفوذ على النمط السوفيتي في أوروبا الشرقية.

وشدد على وجوب "الاستفادة من هذا التوقف"، وحض الدول الأوروبية على تفكيك "شبكة العنكبوت" التي نسجها بوتين حولها من خلال ربط بعضها بالغاز والنفط الروسيين، وتوجيه تهديدات عسكرية وشنّ حرب معلوماتية مؤثرة عليها.

وأياً تكن نتيجة الحرب، يعتبر بوركهارد أن على أوروبا أن تستفيد بأقصى طاقتها من تعثر روسيا في أوكرانيا، من أجل "إعادة تنظيم نفسها وإعداد استراتيجية بعيدة المدى" لمواجهة بوتين.

واستدرك أن التصدّي لموسكو لا يعني وقف التعامل معها، علماً أن فرنسا حرصت على مواصلة الحوار مع بوتين رغم الحرب. وأضاف بوركهارد أن "استراتيجية بعيدة المدى لا يمكن أن تستند إلى إزالة روسيا"، مؤكداً أنها "لن تزول"، مشيراً إلى وجوب أخذها بالاعتبار في محادثات مستقبلية بشأن الأمن الأوروبي.

"أهمية الروح المعنوية العالية"

قائد قوات الدفاع الإستونية، الجنرال مارتن هيريم، تبنّى نبرة أكثر عدائية إزاء روسيا، مشدداً على وجوب إخراجها من الأراضي الأوكرانية، محذراً من أن أي نجاح تحققه "سيلحق ضرراً بالغاً باستقرار منطقتنا".

وفيما اعتبرت "نيويورك تايمز" ذلك مؤشراً على أن الحرب في أوكرانيا ربما ساعدت الحلفاء الغربيين على تجاوز خلافات، أعلن بوركهارد دعمه حضوراً أوروبياً أكثر قوة في "الناتو"، وهذا ما طالبت به إستونيا منذ فترة طويلة. 

وقلّل الجنرال الفرنسي من شأن مخاوف من أن دعوة ماكرون إلى تعزيز الدفاعات الأوروبية تعني رغبته في إيجاد منافس لوجود "الناتو" في القارة. وقال إن "أهمية الروح المعنوية العالية" تشكّل أحد الدروس المستفادة من حرب أوكرانيا، مقارناً الحالة المعنوية السيئة للجنود الروس، التي دفعت بعضهم إلى الاستسلام أو تدمير مركبات، بالمقاومة العنيدة التي أبداها الأوكرانيون.

وكتب بوركهارد في رسالة وجّهها إلى جيشه نُشرت الشهر الماضي أن "المعنويات العالية يجب أن تكون محل اهتمام دائم بالنسبة إلينا".

وأشار إلى أن القوات الروسية "كانت أكثر تمدداً من الدفاعات الأوكرانية"، مما أوجد مشكلات لوجستية ومنع الجنود من الحفاظ على أراضٍ سيطروا عليها، ما عرقل تقدّمهم.

"نسينا ما يعنيه القتال"

في إستونيا، يعمل الجنود الفرنسيون في مجموعة قتالية تابعة للناتو، بقيادة بريطانية، إلى جانب القوات الإستونية، وشاركوا في تدريبات مختلفة.

ووصف النقيب جيوم الذي يقود الوحدة الفرنسية في تابا، ولا يمكن الإشارة إليه إلا باسمه الأول، عملاً بالقواعد العسكرية الفرنسية، هذه التدريبات بأنها مفيدة لفهم "كيف يمكن لجيشين بثقافتين مختلفتين مواجهة أحدهما الآخر في معركة متكافئة".

لكن ميشال جويا، وهو عقيد فرنسي سابق ومؤرخ عسكري، اعتبر أن هذه التدريبات لا تخفي التحدي الأساسي الذي تواجهه بلاده، وهو أن تكون قادرة على نشر قواتها بسرعة. ولفت إلى أن "الروس ينفذون عمليات على نطاق واسع، ولم يعودوا يعرفون كيف ينفذونها، ونحن أيضاً لا نعرف". وأضاف أن الجيش الفرنسي لا يمكنه الآن نشر أكثر من 6 كتائب قتالية سريعاً، مقارنة بـ120 كتيبة في عام 1990.

وتابع جويا الذي كان ضمن قوات الأمم المتحدة في سراييفو عام 1993، حين خضعت المدينة لحصار فرضه صرب البوسنة: "نسينا ما يعنيه القتال وأن تتعرّض لقصف مدفعي، وما يعنيه سقوط ضحايا كثيرين في وقت واحد. إننا نضع أنفسنا الآن في مكان الأوكرانيين، ونرى كل ما ينقصنا".

وخلافاً لدول أوروبية أخرى، امتنعت فرنسا عن إرسال كميات ضخمة من الأسلحة إلى أوكرانيا، ليس فقط للإشارة إلى عدم رغبتها في تصعيد التوتر، وإنما أيضاً إلى محدودية مخزوناتها من الأسلحة وقدراتها الإنتاجية، بحسب جويا.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات