
تشهد روسيا تحرّكات شعبية، تقودها نساء غالباً، من أجل تنظيم حملة تمويل جماعي لمساعدة الجنود الروس المشاركين في غزو أوكرانيا، من خلال تزويدهم بأغذية وملابس وإسعافات أولية وأجهزة أخرى.
وتشكّل هذه المساعدات دليلاً على بعض الدعم الشعبي للحرب التي أمر بها الرئيس فلاديمير بوتين، لكنها أيضاً تُمثّل اعترافاً متزايداً لدى الروس بتبيان أن جيشهم غير مستعد لمواجهة نزاع ضخم، بعدما اعتُبر قوة قتالية عالمية المستوى قبل الغزو، كما أوردت صحيفة "نيويورك تايمز".
تعمل ناتاليا أبييفا في قطاع العقارات بمدينة نيجني نوفجورود، شرق موسكو. لكنها تعلّمت أخيراً الكثير عن الطب في ساحة المعركة، إذ اكتشفت أن أن إبر الضغط يمكن أن تخفّف الضغط في صدر مثقوب.
توجّهت أبييفا (37 عاماً) الأربعاء الماضي، مع صديقين، في شاحنة صغيرة إلى الحدود الأوكرانية، للمرة السابعة منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير، وجلبوا للجنود الروس كمية من البصل والبطاطس، وأجهزة راديو ثنائية الاتجاه، ومناظير، ومعدات إسعافات أولية وحتى مجموعة طب أسنان متنقلّة.
وقالت إنها جمعت منذ بداية الحرب، أكثر من 60 ألف دولار لشراء طعام وملابس ومعدات للجنود الروس الذين يقاتلون في أوكرانيا. وأضافت: "يبدو لي أن العالم بأسره يدعم أعداءنا. نريد أيضاً أن نقدّم دعمنا، لنقول: يا رفاق، نحن معكم".
مسيّرات ومناظير للرؤية الليلية
وتتضمّن المساعدة غالباً حلويات ورسائل ملهمة، لكنها تتجاوز حزم الرعاية المألوفة للأميركيين خلال حرب العراق. وتشمل المعدات الأكثر رواجاً، مسيّرات مستوردة ومناظير للرؤية الليلية، في إشارة إلى أن موازنة الدفاع الروسية، البالغة 66 مليار دولار، لم تنجح في إنتاج معدات أساسية للحرب الحديثة، بحسب "نيويورك تايمز".
وقالت تاتيانا بلوتنيكوفا (47 عاماً)، التي تمتلك شركة في مدينة نوفوكويبيشيفسك الواقعة على نهر الفولجا: "لم يتوقّع أحد اندلاع مثل هذه الحرب. أعتقد بأن أحداً لم يكن مستعداً لذلك".
وأشارت إلى أنها قطعت مرتين مسافة 1600 كيلومتر إلى الحدود الأوكرانية، ونقلت 3 أطنان من المساعدات. ونشرت الأسبوع الماضي على موقع "فكونتاكتي"، المشابه لـ"تويتر" في روسيا، قائمة جديدة من أغراض ثمة حاجة ماسّة إليها، بما في ذلك ضمادات ومواد تخدير ومضادات حيوية وعكازات وكراس متحرّكة.
علاج الجروح والحروق
وثمة طلب ضخم على المعدات الطبية، ويعود ذلك جزئياً إلى القوة النارية المتزايدة للجيش الأوكراني. وقال ألكسندر بوروداي، وهو نائب روسي كان رئيساً لوزراء "جمهورية دونيتسك الشعبية" الانفصالية في أوكرانيا، إن ثمة حاجة لـ"كميات ضخمة" من المواد اللازمة لعلاج الجروح والحروق الناتجة عن الشظايا، على الجانب الروسي من الجبهة. وأوضح أن أكثر من 90% من الإصابات الروسية في بعض المناطق، نجمت من قصف مدفعي.
وأشار بورودي إلى أن وحداته لاحظت استخدام قذائف من عيار 155 ميلليمتر أطلقتها مدافع "هاوتزر" أميركية الصنع، معتبراً أن القيادة الروسية قد تكون استهانت بتصميم الغرب على دعم كييف. وقال، في إشارة إلى شحنات الأسلحة الغربية لأوكرانيا: "إنها لا تجعل العملية العسكرية تسير بشكل أسرع من وجهة نظرنا، إنها تجعل وضعنا أكثر صعوبة، ولا أنكر ذلك. يُحتمل أن قادتنا العسكريين لم يكونوا مستعدين لمثل هذا الدعم الهائل من الغرب".
يستفيد الجيش الأوكراني، من خلال من الدعم الغربي، من حملة تمويل جماعي أكثر اتساعاً، تقدّم تبرعات بملايين الدولارات، تؤمّن معدات، مثل مسيّرات ومناظير للرؤية الليلية وبنادق.
دعوات للتبرّع بالمال
ويبدو أن غالبية المجموعات التي تجمع تبرعات للجنود الروس، تعمل بشكل مستقلّ عن الحكومة الروسية، وتعتمد غالباً على الاتصالات الشخصية لمتطوعين في وحدات فردية، وفي مستشفيات عسكرية تقدّم لوائح بالأغراض التي هي في أمسّ الحاجة إليها، وفق "نيويورك تايمز".
نادراً ما تشير وسائل الإعلام الرسمية الروسية إلى هذه الجماعات، ربما لأنها تقوّض الافتراض القائل بأن الكرملين يسيطر على مسار الحرب. لكن هذه الرسالة تصل أحياناً إلى الشعب الروسي، إذ ورد في تسجيل مصوّر بثه التلفزيون عن هؤلاء المتطوعين، في أبريل الماضي: "يواصل جنودنا القول إن لديهم كل ما يحتاجون إليه، لكن لقلب الأم إرادة خاصة به".
مع ذلك، يشير مؤيّدو الحرب خارج وسائل الإعلام الرسمية، إلى التبرعات الخاصة بوصفها مفتاحاً للنصر. ويحضّ مدوّنون عسكريون مؤيّدون لموسكو، بعضهم يعمل مع القوات الروسية، متابعيهم على التبرّع بالمال لشراء معدات للرؤية الليلية ومسيّرات أساسية. وكتب أحدهم: "رجالنا يموتون لأنهم يفتقرون إلى هذه المعدات، فيما أن الغرب بأكمله يزوّد الجانب الأوكراني" بـأجهزة.
يمكن شراء المعدات المطلوبة، وهي مستوردة إلى حد كبير، من متاجر روسية للسلع الرياضية، أو طلبها عبر الإنترنت. وكتب ستارشي إيدي، وهو مدوّن عسكري معروف، أن المسيّرات التي تصنعها شركة DJI الصينية العملاقة "باتت راسخة بقوة في العمليات القتالية، بحيث أصبح صعباً تخيّل الحرب من دونها".
معدات لجرّاحين
وعرضت ناتاليا أبييفا، على تطبيق "تليجرام"، جهاز تحديد النطاق المجهّز بالليزر Nikon Prostaff 1000، الذي اشترته في مقابل 400 دولار. وتفيد شركة "نيكون" اليابانية بأن هذا الجهاز "يجعل رؤية الغزلان، وتحديد المسافة الفاصلة عنها، حتى 600 ياردة (548 متراً) حقيقة واقعة". وكتبت أبييفا: "مع هذا النوع من التكنولوجيا، كل شيء يسير بشكل أفضل وأكثر سرعة".
وذكرت أنها أطلقت حملة التمويل الجماعي لمساعدة الجنود الروس، بعد إرسال زوجها، وهو نقيب في الجيش، إلى أوكرانيا، وشعورها بـ"العجز" عن التأثير في مجرى الأحداث. وزارت مستشفى ملحقاً بالقاعدة العسكرية المحلية لزوجها، وحصلت على معلومات تتيح الاتصال بجراحين منتشرين في ساحة المعركة. ومنذ ذلك الحين، أرسلوا إليها طلبات مباشرة.
عندما طلب جراح في مستشفى ميداني، استخدام قساطير لعلاج انسداد الشرايين، وجدت أبييفا متطوعاً آخر في مدينة سان بطرسبرج، انتقل مسافة 1126 كيلومتراً لإيصال 10 من هذه القساطير فوراً. وقالت أبييفا إن الجراح أبلغها بعد أسبوع، باستخدام 6 من القسطرات، مضيفة: "ممكن أن نكون أنقذنا أرواح ستة" جنود.
تساؤلات عن الموازنة العسكرية
دفعت الحاجة الملحّة للجيش الروسي كما يبدو، إلى معدات طبية أساسية وسلع استهلاكية مصنّعة في الخارج، روساً إلى التساؤل عن كيفية إنفاق الكرملين موازنته العسكرية الهائلة، التي تشكّل أكثر من 3% من إجمالي الناتج الاقتصادي للبلاد.
وفي صفحة جانا سلوبوجان على "فكونتاكتي"، وهي منسقة تبرّعات في مدينة بيلجورود الحدودية مع أوكرانيا، كتبت امرأة أن الحديث عن جمع أموال لشراء مسيّرات وأسلحة نارية "يجعلني أعتقد بالتخلّي عن الجيش تماماً لرحمة القدر"، مضيفة: "دعونا نتأكد من أننا على الأقلّ لن نتخلّى عن رجالنا" في ساحة المعركة.
وزار بوتين مستشفى عسكرياً الأربعاء الماضي، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب. وأبلغ مسؤولين لاحقاً أن الأطباء الذين التقاهم أكدوا له أن "لديهم كل ما يحتاجون إليه"، مستدركاً أنه على الحكومة أن "تستجيب بسرعة وفاعلية، لأيّ احتياجات" في الطب العسكري.
انتقادات من ضباط متقاعدين
مع ذلك، ينتشر بشكل متزايد في الخطاب العام الروسي، بين معارضي الحرب ومؤيّديها، فكرة أن الجنود الروس في أوكرانيا غير مجهزين لخوض النزاع. وفي فيلم وثائقي عن أمهات الجنود، بثّته الصحافية الروسية كاترينا جوردييفا في نهاية الأسبوع الماضي، وشوهد نحو 3 ملايين مرة على "يوتيوب"، تذكر امرأة أن ابنها يستخدم سلكاً لإعادة ربط نعله بحذائه، بحسب "نيويورك تايمز".
ونشرت جمعية للضباط الروس المتقاعدين، رسالة مفتوحة في 19 مايو، تشير إلى أن مواطنين يجمعون أموالاً لشراء معدات يفتقر إليها الجيش بشدة، "رغم أن لدى الحكومة الكثير من المال". وانتقدت الرسالة الجهود الحربية لبوتين، معتبرة أنها فاترة، وحضّته على إعلان حالة الحرب، من أجل الاستيلاء على أوكرانيا بأكملها.
لكن المخاوف أكثر واقعية على أرض الواقع، إذ علمت نساء يجمعن تبرعات في بلجورود، أن مسلحين انفصاليين مدعومين من موسكو، كانوا مجهزين بشكل سيء لدرجة أنهم يستخدمون أكياس تسوّق لحمل أمتعتهم. ووجّهت النسوة دعوة عاجلة لشراء حقائب ظهر، وأحذية وجوارب ومصابيح وولاعات وقبعات وسكر وبطاريات.
وقالت إحدى منسقات مجموعة بيلجورود، فيرا كوسينكو، التي تعمل في صالون تجميل: "هذا لكي يدرك (الجنود) أنهم ليسوا وحدهم. نأمل بأن تنتهي هذه (الحرب) قريباً".
اقرأ أيضاً: