
دخلت تونس، السبت، فصلاً جديداً من الأزمة السياسية المستمرة منذ نحو عام، بين مؤيدي الرئيس قيس سعيّد والمعارضين، إذ شهدت العاصمة مظاهرة احتجاجاً على الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد المقرر تنظيمه في يوليو، في وقت أعلنت جمعية القضاة الدخول في إضراب لمدة أسبوع.
وانطلقت، في وقت سابق السبت، أولى جلسات الحوار الوطني، من خلال اجتماع اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية. وهي جلسات تقاطعها العديد من الأحزاب السياسية.
بداية الأزمة
واعتُبر انتخاب سعيّد الأكاديمي والسياسي المستقل في أكتوبر 2019، مؤشراً على استياء الناخبين من النخب السياسية التقليدية التي هيمنت منذ عزل الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي إثر احتجاجات شعبية عام 2011. لكن سعيّد وُوجه ببرلمان منقسم أدى لصعوبات في تشكيل الحكومة في بداية عهده، إلى أن تشكلت حكومة إلياس الفخفاخ في يناير 2020، لكنه أجبر على الاستقالة بعد عدة أشهر.
وفي أغسطس 2020، عيّن سعيّد هشام المشيشي رئيساً للحكومة، لكن سرعان ما دبت خلافات بين رئيسي الجمهورية والحكومة، التي واجهت انتقادات لطريقة تعاملها مع أزمة جائحة كورونا. وأجرى المشيشي تعديلاً وزارياً في يناير 2021 شمل 11 وزيراً، إلا أن الرئيس التونسي رفض استقبالهم لأداء اليمين الدستورية بدعوى شبهات فساد بشأنهم.
المادة 80
وأمام انسداد سياسي وتراجع الأوضاع الاقتصادية والاحتجاجات ضد "حركة النهضة" صاحبة العدد الأكبر من مقاعد البرلمان حينها، لجأ الرئيس، في 25 يوليو 2021، إلى تفعيل الفصل 80 من الدستور، معلناً في خطاب بثه التلفزيون الحكومي إنهاء مهام حكومة المشيشي وتجميد عمل مجلس نواب الشعب، ورفع الحصانة عن نوابه، عقب ترؤسه اجتماعاً طارئاً جمع قيادات عسكرية وأمنية بقصر قرطاج.
ووصف رئيس البرلمان التونسي وزعيم "حركة النهضة" راشد الغنوشي قرار الرئيس بـ"الاعتداء على الديمقراطية"، ودعا أنصاره إلى النزول إلى الشوارع في المعارضة. وفي اليوم التالي لقراراته، قرر سعيّد فرض حظر تجوال مسائي لمدة شهر. وفي 24 أغسطس، بعد انتهاء مدة الـ30 يوماً مدد سعيد فترة التدابير الاستثنائية حتى إشعار آخر.
وفي 22 سبتمبر 2021، أصدر الرئيس سعيّد أمراً رئاسياً يتعلق بتدابير استثنائية جديدة، اعتبرها معارضوه "إلغاءً لدستور 2014"، منها مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، مع مواصلة العمل بالأحكام الدستورية التي لا تتعارض مع التدابير الاستثنائية.
ونص الأمر الرئاسي على تولي رئيس الجمهورية إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بـ"الإصلاحات السياسية"، والاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي، على أن يتم إصدار النصوص ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية.
وبعد أسبوع من الأمر الرئاسي، عيّن سعيّد نجلاء بودن رئيسة للحكومة في 29 سبتمبر 2021، لتكون أول رئيسة للوزراء في تونس والوطن العربي.
استشارة شعبية
وحدد سعيّد في 13 ديسمبر 2021 سقفاً زمنياً للإجراءات الاستثنائية التي أقرها سابقاً، معلناً تنظيم "استشارة شعبية إلكترونية" بداية من أول يناير حتى نهاية مارس، على أن تتولى لجنة تلقي وتنقيح المقترحات، لاقتراح إصلاحات في القوانين خاصة المتعلقة بالانتخابات، على أن تنهي أعمالها في يونيو، وتعرض مشاريع الإصلاحات الدستورية التي ستقرها اللجنة على الاستفتاء الشعبي في 25 يوليو.
وأعلن الرئيس بقاء المجلس النيابي مجمداً حتى إجراء انتخابات تشريعية وفق القوانين الجديدة في 17 ديسمبر.
حاولت قيادات مجلس نواب الشعب التمرد على قرارات الرئيس، إذ عقد مكتب المجلس اجتماعاً في 28 مارس برئاسة الغنوشي، وأعلنوا عن الاتجاه لعقد جلسة عامة "عن بعد" في 30 مارس، لإلغاء العمل بالتدابير الاستثنائية التي أقرها الرئيس سعيد.
لكن سعيّد عقد اجتماعاً لمجلس الأمن القومي، واعتبر تحرك مكتب البرلمان "انقلاباً على الدستور"، كما أكد أنه "احتراماً للدستور تم تجميد المجلس لا حله".
وفي 30 مارس، أصدر البرلمان الصادر بحقه قرار التجميد قراراً بـ"إلغاء الأوامر الرئاسية والمراسيم الصادرة بداية من 25 يوليو 2021"، وذلك في جلسة برلمانية "عن بعد" ترأسها النائب الثاني لرئيس المجلس طارق الفتيتي، بموافقة 116 نائباً دون أي اعتراض. لكن بعد ساعات أعلن الرئيس قيس سعيد حل البرلمان بشكل رسمي.
هيئة الانتخابات
وحل الرئيس هيئة الانتخابات في 22 أبريل، وعيّن هيئة جديدة من 7 أعضاء بدلاً من 9، وهي الهيئة التي من المفترض أن تشرف على الاستفتاء المنتظر تنظيمه في 25 يوليو، والانتخابات البرلمانية المقررة 17 ديسمبر، في خطوة لاقت انتقادات من "حركة النهضة" و"حزب العمال".
كما أصدر الرئيس التونسي، في 20 مايو، مرسوماً رئاسياً يتضمن استحداث "الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة"، وكلّف أستاذ القانون الصادق بلعيد برئاسة اللجنة المخولة بصياغة مشروع دستور جديد للبلاد.
وجاء في المرسوم الرئاسي أن عمل لجنة الإعداد لمشروع تنقيح دستور "الجمهورية الجديدة" عبر "حوار وطني"، لكن الاتحاد العام للشغل، وهو أقوى جهة نقابية في البلاد، رفض دعوة سعيّد، واعتبر أن الحوار "شكلي تحدد فيه الأدوار من جانب واحد وتقصى فيه القوى المدنية"، فضلاً عن كونه "استشارياً ولا يفضي إلى نتائج".
كما رفضت "جبهة الإنقاذ الوطني" التي تضم مجموعة من الأحزاب والنشطاء، من بينهم أحزاب النهضة، وقلب تونس، والكرامة، مرسوم الرئيس التونسي.
ودعا الرئيس الناخبين رسمياً للمشاركة في الاستفتاء الدستوري يوليو المقبل، عبر قرار نشر في الجريدة الرسمية في 25 مايو، متجاهلاً دعوات الأحزاب المعارضة بتأجيل تلك الخطوة.
نزاع مع القضاء
وبالإضافة للخلافات السياسية دخل سعيّد في نزاع مع القضاء، إذ أصدر الرئيس مرسوماً رئاسياً، في مطلع فبراير، يقضي بحل المجلس الأعلى للقضاء، معتبراً أنه يخدم أطرافاً معينة بعيداً عن الصالح العام.
وقرر إحداث "المجلس الأعلى المؤقت للقضاء" مع إدخال بعض التغييرات على تركيبة وصلاحيات المجلس الجديد. وأدى ذلك إلى إضراب قطاع كبير من القضاة.
وقرر سعيّد الأربعاء، عزل 57 قاضياً من بينهم رئيس المجلس الأعلى للقضاء المنحل، بدعوى "الحفاظ على السلم الاجتماعي وعلى الدولة"، وذلك بعد أن اتهمهم بالفساد والتستر على متهمين في قضايا إرهاب.
وفي وقت سابق السبت، صوّت أغلب الحاضرين في المجلس الوطني الطارئ لجمعية القضاة التونسيين بالموافقة على مبدأ الدخول في إضراب بداية من الاثنين، في كافة المرافق القضائية طيلة أسبوع قابل للتجديد.