
صعّدت كييف من قصفها لمنطقة دونيتسك الانفصالية الموالية لموسكو فيما شددت القوات الروسية قبضتها على مدينة سيفيرودونيتسك التابعة لمنطقة لوغانسك شرق أوكرانيا، وقطعت آخر الطرق لإجلاء المدنيين، في مشهد مماثل لما شهدته مدينة ماريوبل الساحلية الجنوبية في مايو الماضي..
ودونيتسك ولوغانسك هما كيانان منفصلان تدعمهما روسيا في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، والتي تقول موسكو إنها تقاتل من أجل إخراجها بالكامل من سيطرة كييف.
وذكرت وكالة الإعلام الروسية الرسمية نقلاً عن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف قوله، الاثنين، إن هدف روسيا الرئيسي من عمليتها العسكرية في أوكرانيا هو "حماية جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين".
وأعلنت القوات الانفصالية الموالية لروسيا في منطقة دونيتسك، الاثنين، أن 5 أشخاص على الأقل لقوا حتفهم في عدة ضربات للمدفعية الأوكرانية.
وذكرت وكالات الأنباء الروسية في وقت لاحق أن قذيفة سقطت على مستشفى للولادة في المدينة، ما أدى إلى اندلاع حريق، ودفع الموظفين إلى نقل المرضى إلى الطابق السفلي.
ولم يصدر تأكيد مستقل لأي من تلك الهجمات، ولم يتسن لوكالة "رويترز" التأكد مما إذا كانت قد حدثت أم لا. ولم يصدر رد فعل فوري من كييف على التقارير.
وقالت وكالة "ريا نوفوستي" إن القوات الأوكرانية أطلقت 10 صواريخ من طراز "جراد" على بلدات بانتيليمونوفكا وجولموفسكي وميخائيلوفكا، فضلاً عن 13 قذيفة.
"انتهاك"
من جهته أعرب الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، عن قلقه بشأن التقارير عن الهجوم الذي استهدف المستشفى في دونيتسك، وقال إن "الهجوم على البنية التحتية المدنية خصوصاً المرافق الصحية، انتهاك واضح للقانون الدولي".
وقبل أيام، أفاد مسؤولون أوكرانيون بأن الحرب الدائرة في الشرق أصبحت "معركة مدفعية" بالأساس، لكن القوات الروسية تتفوق على المقاتلين الأوكرانيين بكثير.
وترى كييف أن كفة الحرب يمكن أن تتحول لمصلحتهم، إذا أوفى الغرب بوعوده بإرسال المزيد من المدفعية الأكثر تطوراً، بما في ذلك أنظمة صواريخ وعدت بها واشنطن ودول أخرى.
وتنفي أوكرانيا مراراً تنفيذ أي هجمات على منطقتي دونيتسك ولوغانسك، الخاضعتين للانفصاليين الذين استولوا على مساحات شاسعة من أراضيهما في عام 2014.
وتقول كييف وداعموها الغربيون إن موسكو تشن حرباً غير مبررة على دولة ذات سيادة، في وقت تنفي روسيا استهداف مواقع مدنية في عمليتها العسكرية رغم أن التوغل تسبب في سقوط آلاف الضحايا وتدمير بلدات أوكرانية بأكملها.
سيفيرودونيتسك
من جهته، قال مسؤول أوكراني إن القوات الروسية شددت قبضتها على مدينة سيفيرودونيتسك شرق أوكرانيا، الاثنين، وقطعت آخر الطرق لإجلاء المدنيين، في مشهد يعكس صورة الهجوم الذي شنته موسكو على ماريوبل في مايو الماضي.
ووسط قصف مكثف، قال حاكم المنطقة الأوكراني سيرجي جايداي على مواقع التواصل الاجتماعي إن جميع الجسور خارج المدينة قد دمرت، ما يجعل من المستحيل إدخال شحنات المساعدات الإنسانية أو إجلاء المواطنين.
وأضاف أن القوات الروسية تسيطر الآن على 70% من المدينة الصغيرة، التي أصبحت محوراً لواحدة من أكثر المعارك دموية في الحرب، لكن من تبقى من المدافعين الأوكرانيين ليسوا محاصرين تماماً.
وقال جايداي لـ"راديو أوروبا الحرة"، الخدمة الأوكرانية براديو ليبرتي، إن "لديهم القدرة على نقل الجرحى إلى المستشفيات لذلك لا يزال هناك وسيلة.. من الصعب أن يسلموا أسلحتهم. صعب ولكن ليس مستحيلاً".
طلب أسلحة
ووجهت أوكرانيا نداءات عاجلة للغرب طالبةً المزيد من الأسلحة الثقيلة للمساعدة في الدفاع عن سيفيرودونيتسك، التي تقول كييف إنها قد تكون كلمة السر للنتيجة النهائية لمعركة السيطرة على منطقة دونباس في الشرق ومسار الحرب في شهرها الرابع.
وقالت القيادة العسكرية الأوكرانية في مذكرة إحاطة إن القوات الروسية تحاول السيطرة الكاملة على سيفيرودونيتسك، لكن الهجوم على المواقع الأوكرانية في جنوب شرق المدينة باء بالفشل.
وفي وقت سابق، قال جايداي، حاكم منطقة لوغانسك التي تضم سيفيرودونيتسك: "المعارك عنيفة لدرجة أن القتال قد يستمر لأيام للسيطرة ليس على شارع بل على مبنى كبير".
وأضاف أن نيران المدفعية الروسية أصابت مصنع آزوت للكيماويات الذي كان يحتمي به مئات المدنيين. وتابع قائلاً: "نحو 500 مدني ما زالوا في مصنع آزوت في سيفيرودونيتسك، بينهم 40 طفلاً. في بعض الأحيان ينجح الجيش في إجلاء شخص ما".
وقال داميان ماجرو، المتحدث باسم الفيلق الأجنبي للدفاع عن أوكرانيا وله قوات في سيفيرودونيتسك: "بغض النظر عن القصف المستمر بالمدفعية والطائرات والصواريخ، هناك خطر حقيقي من أن يصبح المدافعون عن سيفيرودونيتسك منفصلين عن ليسيتشانسك في حالة تعرض الجسر الثالث الذي يربط بين المدينتين للدمار".
وأضاف: "عندئذ، من المحتمل أن يكون الموقف مشابهاً للموقف في ماريوبل مع وجود جيب كبير من المقاومة معزول عن بقية القوات الأوكرانية. وهذا أحد الأسباب التي تجعل من المهم أن يزودنا شركاؤنا الغربيون بمدفعية طويلة المدى بأسرع ما يمكن".
"ماريوبل" مرة أخرى
ونقلت وكالة الإعلام الروسية (ريا) عن المتحدث باسم الانفصاليين الموالين لموسكو، إدوارد باسورين، قوله إن القوات الأوكرانية محاصرة فعلياً في سيفيرودونيتسك وأمامها خياران هما الاستسلام أو الموت.
وتعيد قصة المدنيين المحاصرين في المنشأة الصناعية في سيفيرودونيتسك للأذهان سقوط ماريوبل في الشهر الماضي، عندما أُجلي مئات من المدنيين والجنود الأوكرانيين المصابين بجروح خطيرة بعد حصارهم لأسابيع في مصنع "آزوف ستال" للصلب.
ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا، فرَّ أكثر من 5 ملايين شخص من الهجوم وأصبح ملايين غيرهم مهددين بأزمات عالمية في الغذاء والطاقة بسبب تعطل إمدادات النفط والغاز والحبوب من روسيا وأوكرانيا. والدول الغربية مختلفة بشأن أفضل السبل لإنهاء الهجوم.
حرق المحاصيل
ركزت موسكو، بعد فشلها في السيطرة على العاصمة كييف بعد الغزو الذي بدأ في 24 فبراير الماضي، على توسعة نطاق سيطرتها في إقليم دونباس، حيث يسيطر انفصاليون موالون لروسيا على أراض منذ 2014، مع محاولتها في الوقت ذاته السيطرة على مناطق أكبر من الساحل الأوكراني على البحر الأسود في الجنوب.
ويشكّل القتال على امتداد الجبهة في دونباس تهديداً جديداً مع دفء الطقس، إذ يؤدي القصف وإطلاق الصواريخ إلى اشتعال النيران بالحقول وإتلاف محاصيل على وشك النضوج.
وشاهدت ليوبا، وهي من سكان منطقة دونباس وتقيم قرب جبهة القتال، اندلاع نيران في الحقول، لكنها قالت إنها لا تعتزم الرحيل. وقالت: "أين أذهب؟ ومن ينتظرني هناك؟ هذا جنون. ليكن ما يكون".
وأعد ميخايلو بودولياك، المستشار الرئاسي الأوكراني، قائمة بما قال إنها أمور مطلوبة لتحقيق التوازن في الأسلحة الثقيلة، وشملت القائمة 1000 مدفع هاوتزر، و500 دبابة، و1000 طائرة مسيرة، وقال: "ننتظر القرار"، مشيراً إلى اجتماع وزراء الدفاع الغربيين في بروكسل الأربعاء.
وفي أحدث تقرير روسي عن الأوضاع في أوكرانيا، قالت موسكو إنها دمرت أسلحة ومعدات أميركية وأوروبية على أمل توجيه رسالة مفادها أن إرسال المزيد من السلاح لن يكون مجدياً.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن صواريخ عالية الدقة محمولة جواً سقطت قرب محطة قطارات في أوداتشني شمال غربي دونيتسك وأصابت معدات كان يجرى تسليمها للقوات الأوكرانية. ولم يرد تعليق بعد من الجانب الأوكراني.
وانتقدت موسكو الولايات المتحدة ودولاً أخرى لإرسالها أسلحة إلى أوكرانيا، وهددت بضرب أهداف جديدة إذا أمدها الغرب بصواريخ طويلة المدى.
"كلفة مروعة"
وفي كلمته اليومية عبر تليجرام، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الاثنين، إن "الكلفة البشرية لمعركة السيطرة على سيفيردونيتسك مروعة"، بحسب وكالة "فرانس برس".
وأضاف زيلينسكي أن "الكلفة البشرية لهذه المعركة مرتفعة للغاية بالنسبة إلينا. إنها بكل بساطة مروعة. التاريخ العسكري سيذكر بدون شك معركة دونباس باعتبارها واحدة من أعنف المعارك في أوروبا".
وكشف وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف الأسبوع الماضي أن نحو 100 من جنوده يقتلون يومياً و500 يتعرضون لإصابات في القتال ضد القوات الروسية.
وكان زيلينسكي ذكر في الأول من يونيو أن جيشه يخسر "بين 60 الى 100 جندي يومياً".
وتقدمت القوات الروسية في سيفيرودونيتسك في إطار هجومها الواسع النطاق في منطقة دونباس الشرقية بعد فشلها في السيطرة على العاصمة كييف.
وأضاف زيلينسكي في كلمته على تليجرام: "نحن نتعامل مع شر مطلق. وليس لدينا خيار سوى المضيّ قدماً وتحرير أراضينا"، داعياً الغرب إلى إمداد الجيش الأوكراني بمزيد من الأسلحة.