
أُلغيت كل رحلات الطيران وتوقفت وسائل النقل العمومي وأُغلقت مكاتب البريد الخميس اثر اضراب عام عن العمل في القطاع العام، ردّاً على رفض الحكومة مطالبه بزيادة رواتب العمال والموظفين، في خطوة تشدد الضغط على الرئيس قيس سعيّد وإدارته في بلد يعاني أساساً من أزمة سياسية ومالية خانقة.
وبدأ موظفو القطاع العام، إضراباً عاماً تلبية لدعوة الاتحاد العام التونسي للشغل، احتجاجاً على خطط إصلاح اقتصادي حكومية أقرها سعيّد، إذ أُلغيت الرحلات الجوية وتم تأجيلها مع اتخاذ قطاع النقل التدابير اللازمة لتوفير الحد الأدنى من الخدمات.
وجاءت الدعوة لتنفيذ الإضراب، رداً على مقترحات منها تجميد الأجور وخفض الدعم، وهي إجراءات تأمل الحكومة أن تفضي إلى اتفاق مع صندوق النقد بشأن قرض بـ4 مليارات دولار.
وشمل الإضراب نحو 160 مؤسسة ومنشأة عمومية وفروعها، بينها قطاع النقل الذي شهد توقّفاً منذ الساعات الأولى من صباح الخميس في العاصمة ومدن أخرى مثل بنزرت وسيدي بوزيد وقفصة وسليانة.
وفي هذا الصدد، قال عادل التستوري، كاتب عام النقابة الأساسية للنقل في سليانة لإذاعة "موزاييك"، إن الشركة الجهوية امتثلت للإضراب بإيقاف جميع الرحلات، بما في ذلك النقل المدرسي، لكن تم الإبقاء على نقل موظفي المنطقة الصناعية بالاتفاق مع الاتحاد الجهوي للشغل بسليانة.
إلغاء الرحلات الجوية
في السياق، أصدرت شركة "الخطوط التونسية"، مساء الأربعاء، بياناً أشار إلى إلغاء الرحلات المقررة الخميس وتأجيلها إلى أيّام الجمعة والسبت والأحد، وذلك تنفيذاً للإضراب.
وذكرت الناقلة الجوية الوطنية في بيانها أنّه "يمكن لمسافريها المسجّلين في رحلات الخميس والمؤجّلة، استرجاع قيمة تذاكرهم أو تغيير الحجز مجّاناً دون مصاريف إضافية، وعلى مدى أسبوع كامل، وذلك في حال عدم توافق مواعيد الرحلات المؤجّلة مع التزاماتهم".
من جانبه، أكد كاتب عام الجامعة العامة للنقل باتحاد الشغل، وجيه الزيدي، أن الإضراب العام الذي انطلق في المطارات التونسية من بينها مطارا تونس وقرطاج الدوليان "ناجح بنسبة 100%".
وقال الزيدي في تصريحات لإذاعة "موزاييك": "غالبية شركات الطيران ألغت جميع رحلاتها من وإلى تونس"، مشيراً إلى أنه تم العمل على تأمين استقبال الطائرات التي غادرت مطارات الانطلاق قبل بدء الإضراب.
وكانت وزارة النقل، أوضحت في بيان صباح الخميس، أن حركة النقل العمومي "ستشهد اضطراباً على مستوى كافة منشآتها ومؤسساتها الوطنية والجهوية بسبب الإضراب الذي دعا له الاتحاد العام التونسي للشغل"، مشيرة إلى اتخاذها التدابير اللازمة لتوفير الحد الأدنى من الخدمات.
الطبوبي: الشعب يثق بنا
من جانبه، ندد رئيس اتحاد الشغل التونسي نور الدين الطبوبي الخميس، بالغلاء في البلاد، مطالباً بتحسين نسبة التضخم لتناسب النمو وتحسين القدرة الشرائية.
وأضاف في كلمة أمام تجمّع من المواطنين: "نطالب الجهات المختصة بتوضيح كيفية احتساب القدرة الشرائية للمواطن، نحن نعتمد على المعهد الوطني للإحصاء"، مشيراً إلى أن نسبة التضخم بلغت 8 %، فيما بلغ النمو 2.4 %، موضحاً أن الحد الأدنى للأجور يجب أن يكون بنطاق الـ 10 %.
وتابع: "الاتحاد مبني على المصداقية والشعب التونسي يثق بنا، عندما يعاني الشعب يستنجد ويقول أين الاتحاد؟".
الأول منذ 2018
وحض الاتحاد، الذي يضم نحو مليون عضو، على تنظيم احتجاجات في أنحاء تونس، قائلاً إن مطالبه اجتماعية واقتصادية لا سياسية.
وقال الناطق باسم الحكومة نصر الدين النصيبي: "الإضراب ستكون له كلفة كبيرة على تونس"، مضيفاً أن النقابة تطالب بأمور لا يمكن الإيفاء بها. لا نريد إعطاء وعود كاذبة لاتحاد الشغل".
ويضيف الإضراب، وهو الأول لاتحاد الشغل منذ 2018، بعداً جديداً للأزمتين السياسية والمالية اللتين اشتدتا منذ إجراءات سعيد التي حل بموجبها البرلمان قبل نحو عام، في تحرك وصفه معارضوه بـ"الانقلاب".
وظهر التوتر بين الاتحاد والحكومة على السطح في الآونة الأخيرة، فرئيس اتحاد الشغل قال هذا الشهر إن السلطات "تستهدفه"، بعدما رفض الاتحاد المشاركة في محادثات بشأن دستور جديد لإدراج تعديلات أدخلها سعيد على نظام الحكم في تونس.
162 مليون يورو "منحة أوروبية"
وفي سياق موازٍ، قالت وزارة الاقتصاد والتخطيط التونسية في بيان الخميس، إن الاتحاد الأوروبي منح تونس 162 مليون يورو (168.64 مليون دولار) في إطار برنامج دعم مالي موجه لمساندة إصلاحات تقوم بها الحكومة منها تحرير الاستثمار.
وقدم الاتحاد الأوروبي قرضاً بقيمة 300 مليون يورو لتونس في مايو، وهي أول مساعدة مالية غربية كبيرة تتلقاها تونس منذ "أحكم الرئيس قيس سعيد قبضته على الحكم الصيف الماضي"، وفقاً لرويترز.
"إنقاذ تونس"
ويعزز سعيّد تدريجياً قبضته على السلطة منذ يوليو 2021، فحل البرلمان وأقال الحكومة وبات يحكم بمراسيم. ويقول أنصاره إنه تحرك لإنقاذ تونس من طبقة سياسية فاسدة وتراجع اقتصادي.
وأجرى سعيّد مشاورات متعددة الخيارات عبر الإنترنت بشأن دستور جديد، لكنها لم تحظ بمشاركة كبيرة. ووصف منتقدون الاستطلاع بأنه يميل لتحقيق النتائج التي يصبو إليها سعيد. ويستهدف الرئيس طرح الدستور الجديد لاستفتاء في 25 يوليو، في الذكرى الأولى لتعليقه عمل البرلمان.
وعقدت الأزمة السياسية الجهود الرامية للتصدي للأزمة المالية في تونس. وفي ظل ذلك تسعى الحكومة للظفر بقرض من صندوق النقد الدولي لتجنب الإفلاس، ولضمان الحصول على أموال خارجية أخرى، إذ يدلل قرض من الصندوق على الجدارة الائتمانية لبلد من البلدان.
وحذّر محافظ البنك المركزي من أنه إذا لم تتمكن تونس من الحصول على الأموال، فستواجه وضعاً كالذي يعصف بلبنان وفنزويلا، حيث انهارت المالية العامة.