تكاليف حرب أوكرانيا "اختبار" لقادة أوروبا.. والأمور قد "تسوء" في الشتاء

time reading iconدقائق القراءة - 8
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يترأس اجتماعا عبر الفيديو خارج موسكو- 18 يوليو 2022 - via REUTERS
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يترأس اجتماعا عبر الفيديو خارج موسكو- 18 يوليو 2022 - via REUTERS
دبي-الشرق

تتعرض معظم الحكومات الأوروبية لضغوط متزايدة تشكل اختبارات لزعماء أوروبا بشأن التكاليف المتوقعة على الصعيد الداخلي للغزو الروسي لأوكرانيا وربما "تزداد الأمور سوءاً" شتاء هذا العام، بحسب تقرير لصحيفة "ذا جارديان".

الصحيفة البريطانية أشارت إلى أن الجهود اليائسة في إيطاليا لتجنب سقوط حكومة رئيس الوزراء ماريو دراجي، ليست سوى أحدث عاصفة سياسية في أوروبا مرتبطة باختبارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقوة تحمل الغرب.

ونقلت الصحيفة عن وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، قوله إن بوتين هو الذي سيحتفل بسقوط حكومة غربية أخرى إذا لم ينجو دراجي من التصويت على الثقة في البرلمان، الأربعاء.

واعتبرت الصحيفة أن السيناريو المتعلق بما وصفته بأنه "ثورة شعبية" تختمر ضد العقوبات الغربية على موسكو، تتناسب تماماً مع رواية بوتين الأساسية بأن الوقت والاقتصاد في صفه لأن العقوبات تلحق الضرر بالمستهلكين الأوروبيين أكثر من روسيا.

وأشارت إلى أن الرئيس الروسي يرى أن الارتفاع الحاد في أسعار الوقود، يعد "أشد الصدمات فتكاً" بالسياسيين على صعيد الاقتصادي الكلي، لأنه يؤدي لارتفاع التضخم ويبطئ النمو الاقتصادي.

غير أنه من السابق لأوانه، بحسب الصحيفة، اتخاذ رأي قاطع بشأن مستوى رد الفعل الانتخابي المحتمل في أوروبا. 

وفي هذا السياق أعرب الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل عن غضبه بعد أن اعتبر البعض أن ارتفاع الأسعار يُعزى إلى العقوبات التي فرضها دون أي دليل. 

وقال بوريل عن منتقدي عقوبات الاتحاد الأوروبي: "أليست لديهم أعين؟ ألا ينظرون إلى الرسوم البيانية؟ ألا يأخذون في الاعتبار الأرقام أو الحقائق؟".

ضغوط سياسية بأوروبا

في فرنسا، أُضعف الرئيس إيمانويل ماكرون إن لم يتم إسكاته بفعل خسارة الأغلبية البرلمانية لصالح أحزاب أكثر تعاطفاً بشكل طبيعي مع بوتين. 

وفي إسبانيا، خسر الاشتراكيون الذين يخوضون الانتخابات العام المقبل، قاعدة سلطتهم في الأندلس، المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان، حيث حقق حزب الشعب المنتمي لليمين الوسط رقماً قياسياً جديداً بلغ 36.3٪ في استطلاع حديث، وهي أفضل نتيجة له منذ أبريل عام 2017. وإذا تكررت في الانتخابات فستكون أفضل نتيجة له منذ عام 2011.

وفي إستونيا، نجت رئيسة الوزراء المناهضة بشدة لبوتين، كاجا كالاس، الأسبوع الماضي بعد وقوع حكومتها الائتلافية السابقة في نزاع مرتبط بمعدل التضخم في البلاد البالغ 19٪، وهو أعلى معدل في منطقة اليورو التي تضم 19 دولة. وسجلت أسعار الكهرباء ارتفاعاً قياسياً، بمتوسط بلغ 300 يورو لكل ميجاوات/ ساعة الأسبوع الماضي.

لكن كلاس أعادت بناء حكومتها بمهارة، نظير تكبد بعض التكلفة على حساب ميزانية إستونيا ومصداقيتها. وإذا لم يتحسن الاقتصاد بحلول موعد الانتخابات التشريعية في مارس المقبل، ربما تكون في ورطة. 

وفي وارسو، يشعر حزب "القانون والعدالة" بالقلق من الهزيمة في الانتخابات المقررة خلال الخريف المقبل، حتى لو ظلت المعارضة داعمة لأوكرانيا. وفي بلغاريا، سقطت حكومة موالية للغرب.

أما في بريطانيا فقد سارت الأمور بالتأكيد مؤخراً على غير ما يحب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وبشكل لافت، بعد "الانهيار الذاتي" لحكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون.

وكان السياسي الذي حقق أفضل أداء في صندوق الاقتراع مؤخراً هو على الأرجح فيكتور أوربان، أكبر حليف لبوتين في أوروبا.

وقال أوربان في البداية إنه يعتقد أن السياسيين الأوروبيين "أطلقوا النار على أقدامهم" فحسب، لكن من الواضح الآن أنها كانت رصاصة على رئتي الاقتصاد الأوروبي، الذي يعاني لكي يتنفس في كل مكان، بحسب الصحيفة.

"الأمور قد تسوء" في الشتاء

وحذّرت الصحيفة من أن الأمور ربما تزداد سوءاً الأربعاء، فبغض النظر عن مسألة بقاء دراجي بالنسبة لإيطاليا، سيتعين على الاتحاد الأوروبي أن يقرر ما إذا كان يمكنه الاتفاق على آلية تضامن، إذا نفدت إمدادات الغاز الروسي هذا الشتاء.

وستتضح نوايا بوتين على هذه الجبهة، الخميس، عندما تقرر شركة الغاز الروسية "جازبروم" ما إذا كانت ستستأنف الإمدادات إلى أوروبا بعد فترة التوقف المخصصة للصيانة السنوية المقررة لخط أنابيب "نورد ستريم 1".

ووفقاً للصحيفة، فإن المؤشرات تنذر بالسوء. إذ قالت "جازبروم" بالفعل في خطاب خاص لعملائها، إنها لا تستطيع ضمان إمدادات الغاز نسبة للظروف القاهرة المعلنة.

وفي ألمانيا لا يخفي الساسة عن الناخبين حجم التهديد، في إطار الجهود المبذولة للتأكد من أنهم يفهمون أن بوتين هو وحده الملام فيما يحدث. ووصف وزير الاقتصاد الألماني، روبرت هابيك، تكتيكات بوتين بأنها هجوم على ألمانيا يمكنه إحداث كارثة.

وعلى نحو مماثل، حذّر رئيس الوكالة الألمانية للشبكات، كلاوس مولر، من أنّ أسعار الغاز للمستهلكين ربما تتضاعف 3 مرات بحلول عام 2023.

واعتبر مولر أنّه أمر "واقعي بالتأكيد" أن يُطلب من العملاء الذين يدفعون حالياً 1500 يورو سنوياً للغاز دفع 4500 يورو وأكثر في المستقبل.

بينما قال توماس ماتوسيك، السفير الألماني السابق في لندن، لشبكة "بي بي سي": "إذا حان وقت الحسم، فمن المحتمل أننا سندخل في أكبر أزمة اقتصادية تشهدها ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية".
 
ولفتت الصحيفة إلى أن المسألة بالغة الأهمية تتمثل في مستوى احتياطيات الغاز الأوروبية في الشتاء، لأن النفوذ الأقصى لبوتين سوف يأتي من تضييق الخناق على ألمانيا، التي لا تزال تعتمد على روسيا في الحصول على ثلث احتياجاتها من الغاز في الشتاء. 

وخلافاً لما كان يجري في عمليات الصيانة الروتينية السابقة، لم تكثف شركة جازبروم إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية هذه المرة، لذا فإن صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا تبلغ حالياً ربع المعدل الطبيعي، وربما يلوح في الأفق صراع كبير بين ألمانيا وروسيا، بحسب الصحيفة.

وفي المقابل، تحظى بعض البلدان بحماية أفضل، إذ قال روبرتو سينجولاني، وزير الانتقال البيئي، الأحد، إن إيطاليا، على سبيل المثال، قد ملأت أكثر من 65٪ من سعتها التخزينية للغاز وهي في طريقها لتحقيق هدفها بالوصول إلى مستويات التخزين بنسبة 90٪ في أكتوبر.

وكانت روسيا أوقفت إمدادات الغاز إلى بولندا وبلغاريا وفنلندا وهولندا، وقيدت الإمدادات لـ8 بلدان أخرى.

وقالت شركة "إيناجاس" التي تدير شبكة الغاز في إسبانيا إن الإسبان ليس لديهم ما يخشونه من قطع روسيا لأن بإمكانهم الحصول على الغاز من أماكن أخرى.

"مقامرة" بوتين

ووفقاً للصحيفة تكمن الخطورة بالنسبة لروسيا، في خوض مقامرة تقودها لمواجهة الإفلاس، مقابل محاولة جعل صمود الاتحاد الأوروبي ينهار هذا الشتاء عن طريق قطع التيار الكهربائي عن أكبر عدد ممكن من البلدان الأوروبية. 

لكن بوتين ستكون لديه فرصة واحدة فقط من أجل هذا الأمر، وإذا فشل وكانت احتياطيات أوروبا كبيرة بما يكفي للاستمرار حتى الصيف المقبل، فسيكون الغرب على وشك التحرر من اعتماده على الغاز الروسي. وسيكون بوتين قد نسف بشكل دائم مصدر الدخل الرئيسي لروسيا وأكبر سوق لتصدير الغاز.

وفي تعليق على هذا السيناريو، تقول مساعدة وزيرة الخارجية الأميركي السابقة فيونا هيل، إن ثمة مخاطر انتخابية في هذا الأمر بالنسبة لموسكو، خاصة في عام 2024 عندما يسعى بوتين إلى تمديد فترة ولايته.

وأضافت هيل: "بوتين يريد إنهاء هذا الصراع. يريد أن يبدو شرعياً. إنه يريدنا أن نكون نحن الذين نشعر أنه ليس لدينا وقت في حين أن الوقت يداهمه أيضاً".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات