
تشهد كوريا الجنوبية جدلاً سياسياً عنيفاً مرتبطاً بملفين، يتعلّق أحدهما بمصرع موظف أطلق عليه جنود كوريون شماليون النار ثم أحرقوه في مياههم الإقليمية عام 2020، والآخر تسليم صيادَين كوريين شماليين إلى بيونج يانج رغم اعترافهما بقتل 16 بحاراً جنوبياً في 2019.
وأثار حادث مصرع الموظف الكوري الجنوبي لي داي جون، في سبتمبر 2020، صدمة كبرى إلى درجة دفعت زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون إلى تقديم اعتذار.
وثمة تفاصيل محدودة بشأن كيفية العثور على الموظف الكوري الجنوبي، وكان عائماً بسترة إنقاذ في محيط الخط الفاصل بين الشمال والجنوب، علماً أن جزءاً منها يُعتبر سرياً، كما أفادت وكالة "فرانس برس".
وكانت بيونج يانج أقرّت آنذاك بأن جنودها أطلقوا عشرات الرصاصات على الرجل.
وفي بيان نشر نصه المكتب الرئاسي في سول أواخر سبتمبر 2020، أعلن الزعيم الكوري الشمالي أنه يشعر بـ"أسف عميق" لحصول "هذا الحادث غير المتوقع والمخزي".
وذكر الجيش الكوري الجنوبي، أن مسؤول الصيد البحري، وعمره 47 عاماً، خضع لاستجواب لساعات أثناء وجوده في مياه البحر، وأكد أنه يريد الفرار قبل أن يُقتل "بأمر من سلطة عليا".
"انتقام سياسي"
هل كان المسؤول منشقاً هارباً من ديون القمار، كما أعلنت حكومة الرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جاي إن، مستشهدة بمعلومات فرضت عليها السرية بعد ذلك لثلاثين عاماً؟ أم أن هذه الرواية للوقائع هي حملة تستّر على أعلى مستوى، كما أكدت حكومة الرئيس الحالي يون سوك يول، التي رفعت دعوى قضائية بشأن أسلوب تعامل الحكومة السابقة مع هذا الملف؟
وتؤكد أجهزة الاستخبارات أن رئيسها السابق بارك جي وون، أتلف أدلة تثبت أن الموظف لي داي جون لم يكن يعتزم الانتقال إلى بيونج يانج. لكن بارك ينفي هذه المعلومات، وأكد لوكالة "فرانس برس" أن ما يحدث هو "انتقام سياسي".
وأعادت الحكومة الجديدة فتح تحقيق في ملف حساس ثانٍ، يتعلّق باثنين من صيادي السمك الكوريين الشماليين اعترفا بإسقاط 16 فرداً من طاقم سفينة في البحر، وتم ترحيلهما من كوريا الجنوبية إلى الشمال في عام 2019.
ورأت الحكومة آنذاك أن الطابع الوحشي لجرائمهما تحرم الرجلين من إجراءات الحماية التي تمنح عادة للفارين الكوريين الشماليين وتمنع اعتبارهما لاجئين.
ويرى محللون أن المواجهات السياسية حول هذين الملفين، تنطوي على خطر تفسير فئوي للمعلومات السرية والقانون.
ويقول معارضو الرئيس يون، الذي يواجه تراجعاً قياسياً في شعبيته بعد أشهر على انتخابه، إنه يسعى عبر إعادة فتح القضيتين، إلى استعادة شعبيته لدى الناخبين المستائين. لكن أنصار يون يؤكدون أنه يحاول حلّ هذين الملفين.
وقال شين يول، وهو أستاذ في جامعة ميونغجي بسول، إن الأمر سيكون أكثر سوءاً "إذا اختار المدعون تجاهل المعلومات ودفن القضايا، خوفاً من اتهامهم بالقيام بتحقيقات سياسية".
تناقضات دستورية
ويرى خبراء قانونيون أن هذه القضايا تشير إلى تناقضات في دستور البلاد.
وكانت محاكمة الصيادين الكوريين الشماليين في محاكم بكوريا الجنوبية، ستشكّل سابقة كما أن اختصاص المحاكم المحلية في القضية لم يكن واضحاً.
ويعتبر بند في دستور كوريا الجنوبية أراضي البلاد بأنها "شبه الجزيرة الكورية" بأكملها. ويرى الرئيس يون أن ذلك يعني إمكان اعتبار الرجلين مواطنين كوريين جنوبيين، وبالتالي محاكمتهما في الجنوب.
لكن المادة التالية تتعهد بالعمل من أجل "إعادة التوحيد السلمي" مع الشمال، أي أنها تقرّ بوجود دولتين منفصلتين في شبه الجزيرة.
وتتهم إدارة يون الحكومة السابقة بإرسال الصيادَين "مباشرة إلى طابور الإعدام"، عبر إعادتهما إلى الشمال.
لكن انتقادات ترجّح أن الرئيس يعطي الأولوية لـ"سياسة انتقام"، على حساب مشكلات سياسية أكثر إلحاحاً، مثل التضخم الجامح وتراجع سعر العملة.
وقال كيم جونج داي، من معهد يونسي لدراسات كوريا الشمالية: "إن طرح الأسئلة والمطالبة بإجابات بشأن كيفية تعامل الحكومة السابقة مع هاتين القضيتين، هو أمر واحد. لكن التحقيق مع المسؤولين السابقين هو أمر مختلف تماماً وسيثير حتماً شكوكاً بشأن دوافع سياسية".
اقرأ أيضاً: