تواجه الولايات المتحدة خيارين "كلاهما مُر" بشأن أسطولها من "ثالوث" أسلحة الحرب الباردة المكون من قاذفات وغواصات وصواريخ باليستية نووية، إذ عليها المفاضلة بين "صيانة دورية شاملة ومرهقة مع استمرار إمدادات قطع الغيار"، أو إنفاق ما يُقدر بتريليون دولار أو أكثر خلال العقود المقبلة لاستبداله، بحسب مجلة "تايم".
وقال وزير الدفاع الأسبق والسيناتور الجمهوري عن نبراسكا تشاك هاجل، للصحيفة، إنه "إذا تقرر الاحتفاظ بالصواريخ الأرضية، يجب تمويل سلاح جديد بدلاً من الاستمرار في ضخ مليارات الدولارات في الأسطول الموجود حالياً"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة بحاجة إما إلى استبدال هذه الأنظمة، أو التخلص منها نهائياً".
وبحسب "تايم"، فإن القرار النهائي بشأن استبدال القدرات النووية المتقادمة، يقع على عاتق الكونجرس، مشيرة إلى أن البنتاجون في وجود الرئيس الأميركي جو بايدن بايدن، يراهن على حصد ميزانية خطته بأكملها والبالغة تريليون دولار، من أجل استبدال أضلاع الثالوث بالكامل، بما في ذلك 100 مليار دولار لاستبدال الصواريخ البالستية الأرضية العابرة للقارات.
وجاء بايدن إلى السلطة برغبة في تقليص دور الأسلحة النووية في السياسة الأميركية، كما بحث عن إلغاء ضلع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، إلا أن هذا الخيار تم إلغاؤه العام الماضي، بمجرد تحذير الوكالات الاستخباراتية من "توسع الصين في مخزونها من السلاح النووي بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً في السابق".
وقال مسؤول في إدارة الرئيس بايدن لمجلة "تايم": "عندما ترى الصين تراكم أسلحتها سريعاً، وتتطلع إلى مضاعفة عدد الأسلحة التي تمتلكها ثلاث مرات، لا يبدو مناسباً للولايات المتحدة أن تسعى من جانب واحد، وفي هذا الوقت، إلى خفض ترسانتها".
وتعززت هذه الرؤية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث لمح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إمكانية استخدام الأسلحة النووية إذا تعرضت روسيا لخطر وجودي.
خطة الاستبدال
وفي أبريل الماضي، عقد ممثلو القوات الجوية أول اجتماع، ضمن سلسلة اجتماعات مع البلديات، لتوعية المجتمعات المتضررة بما يضمره المستقبل، خاصة مع مهمة الاستبدال التي ستستمر لعقود، وينتظر أن تكون واحدة من أكثر المهام تعقيداً وتكلفة في التاريخ العسكري.
وتتضمن المهمة إزالة 450 صاروخاً و45 مركز قيادة في ولايات وايومنج، ونبراسكا، وكولورادو، ومونتانا، ونورث داكوتا، وتعويض 9800 من ملاك الأراضي على امتداد 193 ألف هكتار، وصناعة وتركيب معدات جديدة في مكانها.
ولا يخطط الجيش فقط لتبديل جميع الصواريخ، والمستودعات ومراكز الإطلاق، وإنما يعتزم أيضاً إلغاء شبكة الكابلات المضغوطة التي تمتد تحت الأرض لمسافة كبيرة لربط هذه الهياكل، واستبدالها.
وحتى الآن، تقبع الصواريخ البالستية العابرة للقارات، والتي تسمى "Minuteman III"، داخل مستودعات صلبة على مسافات تمتد لعدة أميال عبر منطقة السهول الكبرى.
وخلف أسوار من الأسلاك الشائكة، بارتفاع 8 أقدام، داخل حقول القمح، ومراعي الماشية، والطرق الممتدة خارج المزارع، يوجد 400 صاروخ في حالة تأهب قصوى، وجاهزة للانفجار في كل لحظة على مدار اليوم.
الأنظمة الجديدة
وستتضمن قائمة الصواريخ البالستية العابرة للقارات الجديدة المقترحة، والتي كانت تُعرف باسم "الرادع الاستراتيجي الأرضي"، حتى أطلقت عليها القوات الجوية رسمياً، في أبريل، اسم "Sentinel"، معززات صاروخية محسنة، ومواد مركبة، وأنظمة توجيه جديدة، حسبما نقلت "تايم" عن الجيش الأميركي.
وستستخدم أيضاً تصميماً هيكلياً مفتوحاً، ما يتيح تحديث البرمجيات، وإجراء تحديثات أخرى من دون الحاجة إلى إجراء إصلاح شامل. ونقلت "تايم" عن قادة في القوات الجوية قولهم إن هذه الطريقة ستكون "أسهل وأقل تكلفة" لدعم دورة حياة الصواريخ، التي تبلغ 50 عاماً مقارنة بإجراء عمليات تجديد شاملة تستنزف الكثير من الجهد.
وبدأ أفراد سلاح الجو وفيلق المهندسين في الجيش الأميركي بالفعل في الانتشار عبر ولاية وايومنج لإعداد دراسات التأثير البيئي، وحقوق الدخول، وغير ذلك من الخطط ذات العلاقة بعملية البناء.
وسيبدأ العمل الأولي في ميادين صواريخ وايومنج في عام 2024. ومع تناغم الخطط وتدفق المزيد من العاملين، تبدأ أعمال البناء الرئيسية في المستودعات ومراكز التحكم في 2026.
وعندئذ ستستهدف أطقم العمل فتح مستودع جديد كل أسبوع لمدة 9 سنوات متتالية. وفي غضون ذلك، من المقرر إطلاق الصاروخ "Sentinel" في أول رحلة تجريبية له في العام المقبل من قاعدة "فاندنبرج" للقوة الفضائية في كاليفورنيا.
كيف تعمل المنظومة القديمة؟
تشغيل منظومة الصواريخ الباليستية القديمة لا يستغرق أكثر من 90 ثانية قبل أن تومض الأضواء وتعود الآلات إلى الحياة، حيث تمت برمجة منظومة صواريخ "minuteman III" العابرة للقارات لتعقب قوس ناري لمسافة نحو 70 ميلاً فوق الأرض، وإنجاز ثلاث مراحل مختلفة في غضون 3 دقائق.
وفي الفضاء الخارجي، يمكن لمركبة إعادة دخول مخروطية الشكل وللرأس الحربي النووي الحراري الذي تحمله بداخلها المناورة باتجاه الهدف عند نحو 15 ألف ميل في الساعة.
وتعتمد حركة المركبة على نظام توجيه بالقصور الذاتي مزود بأجهزة جيروسكوب دوارة، وليس إشارات أقمار اصطناعية.
وستدور مركبة إعادة الدخول في اتجاه عقارب الساعة، وتسقط عبر الغلاف الجوي للأرض بسرعات تفوق سرعة الطلقة النارية عدة مرات. وبعد أقل من دقيقة ستنفجر القنبلة الهيدروجينية على بعد بضع مئات من الأمتار فوق سطح الأرض مخلفة كرة نارية بطول عدة أميال، ودرجات حرارة تقدر بملايين الدرجات.
سوف يؤدي ذلك إلى حرق أي شخص أو مبنى في نطاق نصف ميل، وسيتساقط ما تبقى منها على مدى عدة أيام، ما سيؤدي إلى تلوث البيئة والمياه وإمدادات الغذاء، ومن ثم يتسبب في العديد من المشكلات الصحية للناجين.
ورغم أنه لا أحد يريد رؤية وقوع مثل هذا، إلا أن "الولايات المتحدة تحتاج إلى هذه الصواريخ البالستية العابرة للقارات لردع روسيا والصين وكوريا الشمالية، أو أي دولة أخرى تفكر في شن هجوم استباقي على الولايات المتحدة"، بحسب "تايم".