شهدت الدورة الخامسة للجنة الحكومية رفيعة المستوى الجزائرية الفرنسية، توقيع 11 اتفاقاً للتعاون بين البلدين، فيما تشهد العلاقات بين الجزائر وباريس "زخماً جديداً" وملموساً لتطبيع العلاقات، التي بدأها رئيسا البلدين في أغسطس الماضي.
وترأس رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن، ونظيرته الفرنسية إليزابيت بورن، الأحد، اللجنة الحكومية الخامسة رفيعة المستوى بين البلدين، والتي يعود تاريخ اجتماعها الأخير إلى 2017 في باريس، حيث تم التركيز أساساً على "التعاون الاقتصادي".
وتضمنت الاتفاقات الـ11 التي وقعها البلدان، مذكرة تفاهم بين المؤسسة الجزائرية لترقية وتسيير هياكل دعم المؤسسات الناشئة "ألجيريا فانتور" والوكالة الفرنسية للتطوير، وإعلان نوايا في مجال اقتصاد المعرفة والابتكار، بالإضافة إلى إعلان نوايا للتعاون في ميدان العمل والتشغيل.
كما شملت النصوص إعلان نوايا للتعاون في ميدان السياحة والصناعة التقليدية، واتفاقية شراكة وتعاون في مجالات الفلاحة والتنمية الريفية والصناعة الغذائية، وإعلان نوايا للتعاون الصناعي والتكنولوجي.
ووقع البلدان أيضاً إعلان نوايا للتعاون في ميدان تكافؤ الفرص، بالإضافة إلى إعلان نوايا للتعاون في مجالات حماية وترقية الاشخاص ذوي الإعاقة، وكذلك إعلان نوايا متعلق بمعاهد العلوم والتقنيات التطبيقية، واتفاق إطار متعلق بالشبكة المشتركة للمدارس، ومحضر نقل ملكية لقطع أثرية.
"إمكانات استثنائية للشراكة"
وفي كلمته خلال افتتاح أعمال اللجنة، أكد رئيس الحكومة الجزائري أن البلدين يتوفر لديهما "إمكانات استثنائية للشراكة، تشمل العديد من المجالات، بعضها لا يزال حتى يومنا هذا غير مستغل بشكل كبير، وبعضها لم يتم استكشافه بعد"، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الجزائرية "واج".
وأشار رئيس الحكومة الجزائري إلى الجهود المبذولة من قبل الجزائر لإنشاء قاعدة إنتاجية وصناعية تنافسية وحديثة من خلال "تحسين مناخ الأعمال والاستثمار وترقية الإنتاج الوطني"، عبر خطوات من بينها اعتماد قانون جديد للاستثمار في الجزائر.
ودعا المؤسسات الفرنسية إلى استغلال الفرص التي يضمنها هذا الإطار القانوني الجديد، والانخراط في "مشاريع اقتصادية جديدة موجهة أكثر نحو الاستثمار بدل الاكتفاء بالجانب التجاري".
على الصعيد السياسي، قال رئيس الوزراء الجزائري إن بلاده "تسعد" بوجود تطابق في وجهات النظر مع باريس في بعض القضايا، خاصة فيما يتعلق بالحوار الأورومتوسطي والملف الليبي، وكذلك الوضع في الساحل ومحاربة الإرهاب والتطرف.
وتابع رئيس الوزراء الجزائري أن "العلاقة بين الجزائر وفرنسا كثيفة بقدر ما هي خاصة ولم تفتر أبداً، رغم الظروف التي مرت به".
وفي حديثه على ملف التأشيرات، قال بن عبد الرحمن: "علينا إعادة بعث الحوار حول المسائل المتعلقة بتنقل الأشخاص والهجرة وإعادة قبول الأشخاص، طبقاً لإعلان الجزائر في ظل جو تطبعه الثقة والبراجماتية".
وكان رئيسا البلدين مهدا الطريق، في نهاية أغسطس، لجعل نظام التأشيرات الممنوحة للجزائريين أكثر مرونة، في مقابل زيادة التعاون من الجزائر في مكافحة الهجرة غير القانونية.
وتسببت هذه المسألة في إفساد العلاقات الثنائية، منذ خفضت فرنسا عدد التأشيرات الممنوحة للجزائريين إلى النصف، ما اعتبرته الجزائر أنه لا يتماشى وطلب باريس إعادة استقبال مواطنيها المطرودين من فرنسا.
ملف الذاكرة
وقال رئيس الحكومة الجزائرية إن المباحثات مع الجانب الفرنسي تطرقت إلى ملف الذاكرة، مضيفاً: "جودة حوارنا السياسي مكن من التطرق إلى مسألة الذاكرة المشتركة في جو تطبعه الطمأنينة والوضوح والاحترام المتبادل، والذي سجل نتائج لم يكن يتوقعها الكثير منذ سنوات خلت، من خلال مبادرات والتفاتات جديرة بالثناء".
وأعرب بن عبدالرحمان عن تمنيه بأن "يحقق مسعى تهدئة الذاكرة المشتركة مزيداً من التقدم بفضل لجنة المؤرخين"، وكذلك "مزيداً من التقدم في القضايا المتعلقة باسترجاع الأرشيف وتعويض ضحايا التجارب النووية، وتطهير مواقعها في الصحراء الجزائرية وتسليط الضوء على قضية مفقودي حرب التحرير الوطنية".
وذكرت وكالة "فرانس برس"، أنه لا ينتظر تحقيق تقدم في القضية الحساسة المتعلقة بالذاكرة والاستعمار الفرنسي الذي دام 132 عاماً (1830-1962)، خلال زيارة بورن، التي تنتهي الاثنين.
وما زالت لجنة المؤرخين الجزائريين والفرنسيين، التي أعلن عنها ماكرون وتبون في نهاية أغسطس "في طور التأسيس"، بحسب باريس.
"زخم جديد"
رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن وصلت إلى الجزائر، الأحد، ومعها نحو نصف وزراء حكومتها، في زيارة تهدف إلى إعطاء "زخم جديد" للعلاقات الثنائية بين البلدين.
وقالت رئيسة الوزراء الفرنسية لموقع "كل شيء عن الجزائر" الإخباري: "لقد ولى زمن سوء التفاهم".
وباشرت بورن أول زيارة خارج فرنسا تقوم بها كرئيسة الوزراء منذ توليها مهامها، بخطوات رمزية تتعلق بالذاكرة، كما فعل الرئيس إيمانويل ماكرون خلال زيارته التي تمكن خلالها من إعادة الدفء إلى العلاقات بين البلدين بعد أشهر من التوتر.
,وضعت رئيسة الحكومة الفرنسية إكليلاً من الزهور في "مقام الشهيد" الذي يخلد ضحايا حرب الاستقلال في مواجهة المستعمر الفرنسي، في العاصمة الجزائرية، قبل أن تفعل الشيء نفسه في مقبرة سان أوجين، حيث دفن الكثير من الفرنسيين المولودين في الجزائر.
وقبل وصول بورن بساعات، اتصل الرئيس ماكرون هاتفياً بالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وبحث معه أعمال اللجنة رفيعة المستوى. وأعرب الرئيسان عن "ارتياحهما للتطور الإيجابي، والمستوى الذي عرفته العلاقات الثنائية" بحسب بيان للرئاسة الجزائرية.
وفي أبريل 2021، ألغيت في آخر لحظة زيارة لرئيس الحكومة الفرنسي السابق جان كاستيكس وعدد قليل من الوزراء، في أجواء من التوتر في العلاقات بين باريس والجزائر.
الغاز الجزائري
بالنسبة للغاز، أثارت زيارة ماكرون برفقة رئيسة شركة "إنجي" للكهرباء والغاز كاثرين ماك جريجور، الكثير من التوقعات بشأن زيادة شحنات الغاز الجزائري إلى فرنسا، في سياق ندرة الغاز الروسي في أوروبا.
لكن هذا الملف "ليس على جدول أعمال" الزيارة، بحسب الحكومة الفرنسية.
وقالت بورن لموقع "كل شيئ عن الجزائر"، إنه "مع ذلك سنستمر في تطوير شراكتنا في هذا القطاع مع الجزائر لا سيما فيما يتعلق بالغاز الطبيعي المسال، وزيادة كفاءة طاقاتها الإنتاجية من الغاز".
وفي هذا المجال "تتواصل المحادثات" بين "إنجي" ومجموعة النفط والغاز الجزائرية "سوناطراك"، بحسب ما ذكر مصدر مطلع على الملف لـ"فرانس برس".
ولا يرافق رئيسة الحكومة الفرنسية من المجموعات الفرنسية الكبيرة، سوى "سانوفي" المتخصصة في صناعة الدواء، والتي تملك مشروعاً لإنشاء مصنع للأنسولين في الجزائر، بالإضافة إلى أربع شركات صغيرة ومتوسطة.
وهذه الشركات هي "جنرال إنرجي" التي تخطط لبناء مصنع لإعادة تدوير ومعالجة نوى الزيتون، و"انفنيت أوربت" التي لها مشروع لبناء قمر اصطناعي جزائري صغير، و"نيو إيكو" العاملة في مجال معالجة النفايات مثل مادة الأسبيستوس، و"أفريل" المتخصصة في تحويل الحبوب.
من جهتها تصطحب هيئة " بيزنس فرانس" الحكومية المسؤولة عن الاستثمار الدولي، عشرات الشركات لحضور منتدى الأعمال الفرنسي الجزائري، الذي سيفتتحه رئيسا وزراء البلدين، الاثنين.
والمحور الآخر للزيارة، هم الشباب الذين تلتقيهم إليزابيت بورن، الاثنين، في الثانوية الفرنسية في الجزائر، ثم في السفارة، مع ممثلين عن المجتمع المدني الجزائري.
وتساءلت النائبة عن حزب الجمهوريين اليميني المعارض ميشيل تابارو، الجمعة، عن هدف الزيارة، قائلة: "إذا لم تكن مسألة الذاكرة أو الأمن أو إمداداتنا (بالغاز) على في جدول اعمالها، فما فائدة زيارة بهذا الحجم؟".