
تشهد محافظة البصرة جنوب العراق مواجهات متجددة بين الفصائل المسلَّحة، وسط حالة من التوتر دفعت الحكومة إلى إرسال تعزيزات عسكرية، وتكثيف قوات الأمن لدفع الأوضاع إلى الاستقرار.
ويبدو أنَّ الأزمة السياسية في بغداد الناتجة عن الانقسامات بين "التيار الصدري"، بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر من جانب، و"الإطار التنسيقي" المشكَّل من القوى الشيعية الموالية لإيران من جانب آخر، ألقت بظلالها على البصرة، مع سعي الطرفين لتعزيز نفوذهما في كبرى المحافظات العراقية، ومركز الإنتاح الرئيسي للنفط.
من يحمل السلاح؟
تعدُّ البصرة معقلاً لعدد كبير من الفصائل المسلحة التي تحرص على تعزيز حضورها العسكري في المحافظة.
وتنتشر في البصرة مقرات وألوية للفصائل المنضوية في إطار "الحشد الشعبي"، بما في ذلك "كتائب حزب الله" و"منظمة بدر" و"عصائب أهل الحق"، علماً بأنَّ معظم هذه الفصائل تتمركز في منطقة القصور الرئاسية.
وتنتشر في البصرة مجموعة "سرايا السلام" الجناح العسكري للتيار الصدري، والتي أسَّسها مقتدى الصدر عام 2014، كنسخة متجددة من "جيش المهدي" الذي قاتل الأميركيين بعد الغزو في 2003.
ووفقاً لمعهد "كارنيجي" الأميركي للدراسات، فإن البصرة أصبحت مركزاً للنفوذ العسكري للعشائر أخيراً، لذلك تسعى الفصائل إلى الاستعانة بهذه العشائر لتعزيز أنشطتها السياسية والأمنية، مع انتشار السلاح بنوعيه المتوسط والثقيل في أوساط المجموعات القبلية.
كيف يبدو الوضع الأمني؟
ما إنْ تحوَّل الانسداد السياسي بين الصدر ومناوئيه إلى اشتباكات مسلحة، أواخر أغسطس الماضي، في المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، حتى امتدَّت الصراعات إلى البصرة التي شهدت مواجهات بين أنصار الصدر وقوات الأمن.
وفي مطلع سبتمبر الماضي، شهدت المدينة اشتباكات دامية سقط خلالها 4 عناصر من "سرايا السلام"، التابعة للتيار الصدري، و"عصائب أهل الحق"، أحد فصائل "الحشد" التي يقودها قيس الخزعلي.
وفي 30 سبتمبر، وتزامناً مع الذكرى الثالثة لما يعرف بـ"ثورة تشرين"، نفذ المئات من عناصر "سرايا السلام" استعراضاً في الشوارع الرئيسية بمدينة البصرة، وسط أجواء من التوتر وصفتها صحيفة "الشرق الأوسط" بأنها أشبه ما تكون بـ"حرب غير معلنة" بين "السرايا" و"العصائب".
ونقلت الصحيفة عن نشطاء قولهم، إنَّ "أجواء المدينة جاهزة تماماً للانفجار، وقد نكون نحن المدنيين كبش فداء في هذا النزاع".
والثلاثاء الماضي، تصاعدت الأحداث مجدداً بعدما أطلقت مجموعات مجهولة صواريخ على مجمع القصر الرئاسي في البصرة الذي يضم عدداً من القوات الأمنية العراقية، بما في ذلك قوات "الحشد الشعبي"، ما أدَّى إلى اشتباكات عنيفة بين الجماعات المسلحة.
وتضاربت الأنباء عن سبب المواجهات وأطرافها، فبينما ذكرت تقارير أنَّ عناصر من العشائر هاجمت المجمع الرئاسي بعد تورط أحد عناصر "عصائب أهل الحق" في قتل أبنائها، ظهرت رواية موازية للمنصات القريبة من "العصائب" و"الحشد"، تذهب إلى أنَّ عناصر "سرايا السلام" هي من افتعلت المعركة وقصفت مقرات "الحشد".
كيف ردَّت الحكومة؟
عقب الاشتباكات مباشرة، أعلنت الحكومة إرسال تعزيزات عسكرية إضافية للبصرة بغية دعم الأمن فيها، بحسب وكالة الأنباء العراقية "واع".
وشملت التعزيزات، بحسب وسائل إعلام محلية، نشر لواء أمني متكامل في محيط القصر الرئاسي حيث وقعت المواجهات، مع تحليق مكثف للطائرات العسكرية في المنطقة.
والاثنين، زار البصرة، وفد أمني رفيع برئاسة رئيس أركان الجيش عبد الأمير يار الله، ونائب قائد العمليات المشتركة عبد الأمير الشمري.
وقالت قيادة العمليات المشتركة في بيان، إنَّ "زيارة الوفد تهدف لمتابعة الوضع الأمني بالمحافظة والوقوف على جاهزية قيادة القوة البحرية، وتأمين مياهنا الإقليمية".
ورغم هذه التحركات، إلا أنَّ مصادر أمنية شكَّكت في قدرة الحكومة على بسط سيطرتها وفرض الأمن على طرفي النزاع في المدينة.
ما هي خلفيات التوتر؟
مع تفاقم الخلافات بين التيار الصدري وقوى "الإطار التنسيقي"، أصبحت البصرة بثقلها الديموغرافي مركزاً لتصفية الحسابات واستعراض القوة بين طرفي النزاع، إذ يشير مراقبون إلى أنَّ المحافظة تحولت مؤخراً إلى ساحة لاختبار الإرادات بين مقتدى الصدر وخصومه، خصوصاً "عصائب أهل الحق".
ويرى المراقبون أنَّه، إذا تمكَّن الصدر من السيطرة على البصرة، وهو هدف فشل في تحقيقه في الماضي، فسيكون في موقع أقوى بالعاصمة بغداد.
واعتبر الكاتب العراقي محمد حسن الساعدي، أنَّ الصراع الدموي في البصرة يُظهر أنَّ الصدر "يمتلك أدوات إعلان الحرب على الجميع، ووسائل نقلها لتصبح حرباً أهلية"، على حد تعبيره، مشيراً إلى أنه ليس في مصلحة قوى "الإطار التنسيقي" استعداء زعيم التيار الصدري.
هل من مبادرات للحل؟
وفي محاولة لتهدئة الأوضاع، أعلن صالح العراقي، وزير مقتدى الصدر، الخميس، تجميد كل الفصائل المسلحة في محافظة البصرة بما فيها "سرايا السلام" التابعة للتيار.
وأضاف العراقي عبر تويتر: "على قائد القوات المسلحة (رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي) كبح جماح ميليشيات قيس (الخزعلي) الوقحة وأمثالها، فهي لا تعرف غير الإرهاب والمال والسلطة".
ورداً على الإعلان، دعا قيس الخزعلي إلى حصر السلاح بيد الدولة واتخاذ إجراءات رادعة وحاسمة، من أجل حفظ السلم الأهلي.
وقال الخزعلي عبر "تويتر"، إنَّ "البصرة في الأيام الماضية عاشت أوقاتاً عصيبة من ترويع الناس وتهديد أمنهم وممتلكاتهم، ومع التجاوز عن الإساءة الشخصية التي تكررت مع الأسف، ومن أجل الحفاظ على سلامة أهلنا وعشائرنا الكريمة وحفظ الدماء البريئة وتغليباً للمصلحة العامة في الحفاظ على السلم الأهلي، نجدد الدعوة إلى حصر السلاح بيد الدولة".
وطالب الخزعلي بـ"قوات أمنية لا تأتمر إلا بأمر القائد العام للقوات المسلحة (الكاظمي)"، مشدداً على أنه "في حال استمرار المخالفات، وعدم الالتزام فإنه سيدعو الأجهزة الأمنية إلى اتخاذ إجراءات رادعة وحاسمة وتطبيق القانون وفرض النظام على الجميع دون استثناء".
ويعيش العراق منذ الانتخابات البرلمانية في أكتوبر عام 2021، شللاً سياسياً إلى جانب العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
ويكمن الخلاف الأساسي في أنَّ التيار الصدري أراد حكومة "أغلبية وطنية" بتحالف مع السنة والأكراد، في حين أراد خصومه في "الإطار التنسيقي" الإبقاء على الصيغة التوافقية، علماً بأن الأزمة الحالية بدأت إثر رفض التيار الصدري نهاية يوليو الماضي، مرشح الإطار لرئاسة الوزراء.
اقرأ أيضاً: