قال الرئيس الصيني شي جي بينج، الأحد، خلال افتتاح المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي الحاكم، إن بكين تمكنت من السيطرة الكاملة على هونج كونج، وستمضي قدماً على النهج ذاته في تايوان، فيما وعد بتحقيق نمو اقتصادي كبير، مشدداً على أن بكين "لن تسعى إلى الهيمنة، ولن تنخرط في أنشطة توسعية".
وتعهد شي، في المؤتمر الذي يعقد كل خمس سنوات، بخوض "كفاح كبير ضد النزعة الانفصالية والتدخل" في جزيرة تايوان التي تتمتع بحكم ذاتي، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن "الوضع في هونج كونج حقق تحولاً كبيراً من الفوضى إلى الحكم".
وأشاد شي بحكم الحزب الشيوعي، الذي يتوقع أن يمنحه ولاية ثالثة على رأس السلطة، قائلاً إن "المؤتمر الوطني الـ20 للحزب الشيوعي الصيني مهم جداً، وينعقد في لحظة حساسة، عندما يبدأ الحزب بأكمله والشعب من جميع المجموعات الإثنية برحلة جديدة لبناء بلد اشتراكي حديث بشكل شامل".
قدرة ردع استراتيجية
عسكرياً، قال الرئيس الصيني إن بلاده ستسرع بناء جيش على مستوى عالمي، كما ستعزز من قدرته على بناء قدرة ردع استراتيجية.
وعلى صعيد حماية البيئة، فتعهد شي بمنح "الاستهلاك الأخضر" الأولوية، قائلاً إن حماية الطبيعة "أمر ضروري"، مؤكداً دعمه القضاء على المشكلات البيئية الثقيلة "أساساً" ومواصلة "ثورة الطاقة" وتعزيز الاستخدام النظيف للفحم، وفق ما أوردته "رويترز".
"عقلية الحرب الباردة"
وأكد الرئيس الصيني شي جين بينج، الأحد، رفض بكين "عقلية الحرب الباردة" في الدبلوماسية الدولية، دون أن يأتي على ذكر العلاقات مع الولايات المتحدة.
وقال لممثلي الحزب الشيوعي الحاكم في قاعة الشعب الكبرى إن "الصين تعارض بحزم جميع أشكال الهيمنة والسياسات القائمة على القوة، وتعارض عقلية الحرب الباردة والتدخل في شؤون الدول الأخرى الداخلية، كما تعارض ازدواجية المعايير"، مشدداً على أن بكين "لن تسعى إطلاقاً إلى الهيمنة، ولن تنخرط في (أنشطة) توسعية".
وحذّر شي جين بينج من أن بلاده "لن تلتزم قط بالتخلي عن استخدام القوة" عندما يتعلق الأمر بتايوان.
وقال إن "حل مسألة تايوان شأن صيني، ويجب حلها من قبل الشعب الصيني وحده. سنلتزم بالسعي إلى احتمال إعادة التوحيد بشكل سلمي بأكبر قدر من المصداقية والجهد، لكننا لن نلتزم التخلي عن استخدام القوة، ونحتفظ بحق اتّخاذ كافة الإجراءات اللازمة".
وقال شي "تمضي عجلات إعادة التوحيد والإحياء الوطني التاريخية إلى الأمام"، مضيفاً أن "إعادة التوحيد مع الوطن الأم يجب أن تتحقق وستتحقق".
"بيئة دولية غير مستقرة"
ودافع الرئيس الصيني عن سياسة "صفر كوفيد"، قائلاً: "لقد قمنا بحماية حياة الناس وصحتهم وسلامتهم إلى أقصى حد ممكن".
وتابع: "تسببت سياسة (صفر كوفيد) بإغلاق الحدود لما يقرب من 3 سنوات، في حين أن عمليات الإغلاق والاختبار الشامل للقضاء على الفيروس أثرت في النمو الاقتصادي".
وأضاف في هذا الصدد أن الصين "ستدعم الاقتصاد الخاص بثبات وتدع السوق يلعب دوراً حاسماً في تخصيص الموارد"، موضحاً أن الصين ستهدف إلى تحقيق نمو اقتصادي عالي الجودة، فيما ستكون السنوات الخمس المقبلة حاسمة لبناء "قوة اشتراكية حديثة"، حسبما نقلت "بلومبرغ".
ومع ذلك، حذر شي من وجود "بيئة دولية غير مستقرة"، قائلاً إن الصين "يجب أن تكون مستعدة للرياح القوية والأمواج العالية، وحتى العواصف الخطيرة".
وأضاف: "في مواجهة التغييرات الجذرية في المشهد الدولي، حافظنا على تصميم استراتيجي ثابت وأظهرنا روحاً قتالية. من خلال هذه المساعي، قمنا بحماية كرامة الصين ومصالحها الأساسية، وأبقينا أنفسنا في وضع جيد لمواصلة التنمية وضمان الأمن".
ولفت الرئيس الصيني إلى أن النمو عالي الجودة يعد "الأولوية القصوى لبناء دولة اشتراكية حديثة من جميع الجوانب، إذ إن التنمية هي الأولوية القصوى للحزب في الحكم"، مشدداً على أنه من المستحيل "بناء دولة اشتراكية حديثة قوية من جميع الجوانب دون أساس متين من المواد والتكنولوجيا".
وأكد شي أيضاً على الدعوات إلى "الاعتماد على الذات" في التكنولوجيا، مستخدماً العبارة مرتين على الأقل مقارنة مع عدم وجود إشارات مشابهة في خطابه الأخير العام 2017، وفق "بلومبرغ".
ويستمر المؤتمر أسبوعاً، إذ من المتوقع على نطاق واسع أن يفوز خلاله شي بفترة رئاسة ثالثة، ويعزز مكانته كأقوى حاكم للبلاد منذ ماوتسي تونج.
لا تغييرات استراتيجية
ويتابع المستثمرون العالميون الخطاب عن كثب بحثاً عن إشارات بشأن كيفية قيام الحزب بتوجيه الصين للخروج من الركود الاقتصادي، فضلاً عن القرارات التي ستتخذ للتخفيف من السياسة العقابية المتعلقة بقيود الجائحة، إضافة لخطط شي في التغلب على التوترات مع الولايات المتحدة، خصوصاً مع فرض إدارة الرئيس جو بايدن قيوداً على أشباه الموصلات الصينية.
ولا يتوقع المحللون بشكل عام أي تغيير كبير في اتجاه السياسة، إذ قال ريدموند وونج، محلل الأسواق في "ساكسو بنك"، في مذكرة الجمعة: "لا نرى أي سبب يدعوه إلى تغيير المسار أو إجراء تعديلات جوهرية على المبادئ والاستراتيجيات الأساسية التي وضعها خلال العقد الماضي".
وخلال عقده في السلطة، وضع شي (69 عاماً)، الصين في "مسار استبدادي"، إذ أعطى الأولوية للأمن للسيطرة على الاقتصاد باسم "الرخاء المشترك"، كما مارس دبلوماسية أكثر حزماً وكثف الضغط للاستيلاء على تايوان المحكومة ديمقراطياً، وفق "رويترز".
ويبدو أن قوة شي لم تتضاءل بسبب الاضطرابات التي حدثت خلال العام، حيث شهد الاقتصاد الصيني تباطؤاً كبيراً تأثر بعمليات الإغلاق المتكررة لمواجهة كورونا، كما تدهورت علاقات الصين بالغرب بشكل حاد، وتفاقمت بسبب دعم شي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في غزو أوكرانيا.
زيادة المواليد لمواجهة شيخوخة السكان
وأعلن الرئيس الصيني، خلال كلمته، أن بكين ستطبق سياسات لزيادة معدل المواليد مع شعور صناع السياسة بقلق من أن يلحق انخفاض وشيك في عدد سكان الصين ضرراً بثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وقال أمام المؤتمر: "سنضع نظام سياسة لزيادة معدلات المواليد وانتهاج استراتيجية وطنية استباقية لمواجهة شيخوخة السكان".
ويقول خبراء السكان إنه على الرغم من أن عدد سكان الصين يبلغ 1.4 مليار شخص، وهو أكبر عدد في العالم، إلا أنه من المتوقع انخفاض عدد مواليدها إلى مستويات قياسية هذا العام ليتراجع إلى أقل من 10 ملايين من 10.6 مليون طفل في العام الماضي، والذي كان منخفضاً أصلاً 11.5% عن عام 2020.
وفرضت السلطات، سياسة "الطفل الواحد" في الفترة من عام 1980 إلى عام 2015، ثم تحولت فيما بعد إلى سياسة 3 أطفال، معترفة بأن الشعب على وشك الانكماش السكاني.
ومن المتوقع أن يعيد المؤتمر، الذي يعقد مرتين في العقد، تأكيد شي على أنه الأمين العام للحزب، أقوى منصب في الصين، وكذلك رئيس اللجنة العسكرية المركزية.
ويستعد الرئيس الصيني، لنيل ولاية ثالثة سكرتيراً للحزب الشيوعي ورئيساً للبلاد، وسط تحذيرات يواجهها من تداعيات "حكم الرجل الواحد".
يشار إلى أن 2296 مندوباً "منتخبين" يشاركون في المؤتمر، يمثلون 96 مليون عضو في الحزب، الذي يُرجّح الكشف عن قيادته الجديدة خلال جلسته الختامية، مع ظهور أعضاء بارزين من وراء ستار، ليأخذوا أماكنهم في التسلسل الهرمي بناءً على بعدهم من شي جين بينج، إلى يساره ويمينه.