أظهرت مقاطع فيديو حديثة تداولها نشطاء عبر مواقع التواصل، السبت، لقطات لاشتعال النيران في سجن "إيفين" بالعاصمة طهران، وسط حديث عن اضطرابات نادرة، أسفرت بحسب السلطات القضائية الإيرانية عن مصرع 4 سجناء وإصابة 61 آخرين.
ما حدث في هذا السجن سيء السمعة، يتزامن مع احتجاجات شعبية تشهدها مدن إيرانية عدة، انطلقت في منتصف سبتمبر الماضي بعد مصرع الشابة العشرينية مهسا أميني التي كانت محتجزة لدى "شرطة الأخلاق"، وسط تقارير بأن هذا السجن يحوي العديد ممن اعتقلتهم السلطات الإيرانية على خلفية الاحتجاجات.
وسُمع دوي إطلاق نار وصافرات إنذار داخل السجن الذي يُحتجز داخله العديد من المعتقلين السياسيين ومزدوجي الجنسية، وذلك تزامناً مع تحرك دراجات نارية أمنية باتجاه السجن، بينما تعالت هتافات في محيط المكان تُنادي بـ"الموت لخامنئي".
ويحمل السجن شديد الحراسة الذي شُيّد في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، قبل نصف قرن، ذكريات مؤلمة في وجدان الإيرانيين، إذ لطالما أكدت تقارير دولية استناداً إلى تحقيقات وشهادات معتقلين سابقين حدوث انتهاكات إنسانية تجري داخل جدرانه.
50 عاماً
عند سفوح جبال ألبرز في منطقة سعادت آباد شمال غرب العاصمة طهران، يتربع سجن "إيفين" على مساحة 43 هكتار.
كان السجن قد شُيّد عام 1972 في عهد آخر ملوك إيران الشاه محمد رضا بهلوي، وتولى آنذاك إدارة شؤونه جهاز المخابرات "السافاك"، إذ تم تصميمه بداية ليتّسع لـ 320 سجيناً بما في ذلك الزنازين الانفرادية والمهاجع الكبيرة، ثم شهد أعمال توسيع عام 1977 ليحتوي على أكثر من 1500 سجين من بينهم المعتقلين السياسيين الأكثر أهمية.
وفي أعقاب الثورة الإيرانية التي أطاحت بحكم الشاه عام 1979، حافظ النظام الجديد بقيادة المرشد السابق الخميني على سجن "إيفين"، وحظي باهتمام خاص حتى بات أشهر السجون في إيران، إذ تم زيادة قدرته الاستيعابية إلى 15 ألف سجين، ورغم أنه كان من المفترض أن يستقبل المعتقلين الذين ينتظرون محاكماتهم، تمهيداً لنقلهم إلى سجن آخر، إلا أنه تحول إلى مركز احتجاز رئيسي للكثير من السياسيين والمعارضين.
وتوالت على رئاسة السجن العديد من القيادات الإيرانية المتشددة، أبرزهم محمد كجويي، الذي نفّذ سلسلة إعدامات طالت كبار الضباط والمسؤولين في عهد الشاه، وعلى رأسهم أشهر رئيس وزراء في ذلك العهد عباس كجويي.
كما تولى أسد الله لاجوردي رئاسة السجن، وارتبط اسمه بالمجزرة المعروفة باسم "تبييض السجون"، والتي أمر بتنفيذها الخميني عام 1988 بعد الحرب الإيرانية العراقية، وأُعدم خلالها الآلاف ممّن وصفتهم السلطات بـ"المرتدين" و"الملحدين"، وأغلبهم من أنصار مجاهدي خلق.
ونظراً لوجود عدد كبير من المثقفين الإيرانيين المعارضين سواء من الحقل الأكاديمي أو طلبة الجامعات، الذين يحتويهم هذا السجن فقد أطلق علية أيضاً اسم "جامعة إيفين".
وتحتوي باحة السجن على ساحة مخصصة للإعدام، وقاعة محكمة، وقطاعات منفصلة للمجرمين العاديين والسجينات، وبحسب تقرير لـ"منظمة العفو الدولية"، يحتوي "إيفين" على مجموعة من غرف الاستجواب تحت الأرض، يتعرض المعتقلون فيها للتعذيب بانتظام، وذلك لإجبارهم على التوقيع على اعترافات، تقودهم إلى المشانق في أكثر الأحوال.
ويُعد الجناحان "209" و"350"، من أشهر أجنحة السجن، حيث يدار الأول من قبل المخابرات الإيرانية والحرس الثوري، بينما تتولى السلطة القضائية إدارة الآخر الذي يُسمى أيضاً بالشعبة الثالثة.
وتقول منظمة "مجاهدين خلق" على موقعها الإلكتروني، إنه خلال فترة الخميني مع مطلع الثمانينات، كانت الغرفة التي تبلغ مساحتها 36 متراً مربعاً تحتضن بعض الأحيان أكثر من 120 سجيناً.
اختراق كاميرات السجن
في شهر أغسطس من عام 2021، تمكن قراصنة إيرانيون يُطلقون على أنفسهم "عدالة علي" من اختراق نظام كاميرات المراقبة في السجن، وسرعان ما نشروا مقاطع فيديو أظهرت الحراس وهم يضربون المعتقلين ويسيئون معاملتهم.
وفي اعتراف نادر من قبل السلطات الإيرانية بحدوث انتهاكات، أقر رئيس مصلحة السجون الإيرانية محمد مهدي حاج حسيني، بارتكاب عناصر في أجهزته لـ"ممارسات غير مقبولة"، وفق وصفه.
وفي رسالة نشرها عبر تويتر، قال حسيني "إنني أتحمل المسؤولية عن هذه السلوكيات غير المقبولة. سألتزم بعدم السماح بتكرار هذه الحوادث المروعة، والتعامل بجدية مع المخالفين للقانون".
من جانبها، وصفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" المقاطع بأنها "أدلة لا يُمكن إنكارها" وأنها "غيض من فيض".
وفي تقرير نُشر عام 2020، خلص تحقيق أجرته منظمة العفو الدولية إلى أن السلطات الإيرانية ارتكبت أنماط واسعة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان رداً على احتجاجات واسعة شهدتها البلاد خلال نوفمبر عام 2019، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة.
"لجنة الموت"
في تحقيق مطول نشرته العام الماضي، نقلت مجلة "المجلة" شهادات لمعتقلين سابقين في سجن "إيفين"، تحدثوا عن طرق التعذيب التي تعرضوا لها خلال فترة احتجازهم.
وروى المعتقل السابق حسن ظريف ناصريان، حكايته مع سجن "إيفين" في إحدى ليالي عام 1981، عندما اقتحمت القوات الأمنية منزله وقامت باعتقاله مع شقيقته وخطيبته معاً "أثناء الاستجواب، قُيدت بلوح التعذيب، ضُربت بالكابلات، كما تم تعذيب خطيبتي في الغرفة المجاورة ليحصلوا منها على معلومات عني، وفي نفس المركز، رأيت بعض الناس قد عُلقوا على الحائط، وتعرضوا للضرب المبرح بالكابلات حتى انسلخ اللحم عن العظم".
كان العدد الإجمالي لأساليب التعذيب الذي تعرض له ناصريان خلال 12 عاماً قضاها في السجن أكثر من 170 طريقة تعذيب، حيث وصفه بأنه "أشبه بالمسلخ"، وأشار إلى أن السلطات الإيرانية أعدت مكاناً مزيفاً في إيفين، لإظهاره خلال زيارات الوفود الأجنبية على أنه السجن، لكن في الأقسام الأخرى، تكون الأوضاع "مزرية للغاية، غير آمنة ومزدحمة ومخيفة".
وروى ناصريان ما شهده عام 1988 عندما نفذت "لجنة الموت" التي ضمت الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي بناءً على أوامر الخميني، مجزرة راح ضحيتها ما يقارب 5 آلاف سجين سياسي.
وتابع "كنت في جناح ضم 175 شخصاً، عندما أُعدم 150 شخصاً منهم. في هذه المجزرة، تم نقل الأشخاص الذين كانت آثار التعذيب على أجسادهم أولاً ليتم إعدامهم، حيث أرادوا من خلال ذلك إخفاء آثار التعذيب، وعلى مدار الـ33 عاماً الماضية، لم يتطرق الرأي العام العالمي إلى هذه القضية".
وأضاف "لهذا السبب، لا يزال جميع مرتكبي هذه الجريمة باقين في مناصبهم في إيران، كان (إبراهيم) رئيسي يوافق على أحكام الإعدام، وقام بالتوقيع على ما لا يقل عن 4 آلاف حُكم بالإعدام في سجني إيفين وجوهر داشت".
"سجن إيفين يعني نهاية العالم لكل شخص يدخله"، هكذا وصف ناصريان الحياة بين جدران المعتقل الواقع في العاصمة طهران، حيث "لا توجد أي من قوانين المجتمع الإنساني، ويعتبر الحراس والمحققون والقضاة أن السجين يستحق أسوأ أنواع التعذيب والضغط الشديد".
"ورقة مساومة"
في السنوات الأخيرة، احتجزت السلطات الإيرانية في سجن إيفين أجانب أو إيرانيين مزدوجي الجنسية، وبحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" استخدمت طهران هؤلاء السجناء كورقة مساومة للإفراج عن الإيرانيين المحتجزين في الغرب أو للحصول على تنازلات أخرى.
ومن بين المعتقلين الأجانب في السجن رجلي الأعمال الأميركيين عماد شرقي وسياماك نمازي، والخبير البيئي مراد طهباز، وفي عام 2016 أفرجت طهران عن الصحافي الأميركي الإيراني جيسون رضائيان مراسل صحيفة "واشنطن بوست، الذي قضى حوالي العامين في "إيفين"، وذلك في صفقة تبادل شملت إفراج الولايات المتحدة عن 7 معتقلين إيرانيين.
ولطالما اعتُبر سجن "إيفين" معتقلاً رئيسياً للسجناء السياسيين في إيران، ففي عهد الرئيس السابق حسن روحاني قضى العديد منهم أحكامهم بين جدرانه، أبرزهم مهندسة الديكور ريحانة جباري، التي تم إعدامها بعد دفاعها عن نفسها أمام محاولة اعتداء من قبل مسؤول إيراني سابق بالاستخبارات الإيرانية، وكذلك قضى حارس مرمى نادي بيروزي الإيراني اللاعب سوشا مكاني حكماً بالسجن في إيفين.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" عام 2016، اعتقلت السلطات الإيرانية عدداً من أبرز السياسيين الذين كانوا محسوبين عليها في سجن "إيفين"، وأبرزهم محمد رضا رحيمي، المساعد الأول للرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، ومهدي هاشمي نجل علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام.
اقرأ أيضاً: