اعتبر مسؤولون غربيون، أن الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا، إشارة واضحة على أن بكين تنحاز إلى موسكو في الحرب الأوكرانية، إلّا أن مجلة "ذا ديبلومات" الأميركية، قالت إن هذه الشراكة "باتت محدودة النطاق".
واعتبرت المجلة الأميركية المختصة في تناول الشأن الآسيوي، أن هذه النظرة الغربية تتعارض مع الأحداث التي سبقت القمة الأخيرة لمنظمة شنغهاي للتعاون، التي عقدت في سبتمبر بأوزبكستان.
وقالت إن "الأدلة" تشير إلى أن العلاقة الصينية-الروسية باتت محدودة النطاق، وأنه من الممكن تعريفها باعتبارها تعبر عن المصلحة المشتركة في تسريع ظهور نظام متعدد الأقطاب يضع حداً للهيمنة الأميركية.
وأقر آنذاك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في لقائه مع نظيره الصيني شي جين بيج على هامش قمة "شنغهاي، بوجود "أسئلة وقلق" لدى الصين بشأن أوكرانيا.
"تقارب مصالح"
أستاذ العلوم السياسية في جامعة "ويسترن كنتاكي"، كيفن مودلين، والخبير في الدراسات الأمنية في الأكاديمية العسكرية الأميركية زينيل جارسيا، اتفقا في تقريرهما على أنه رغم التقارب في المصالح، إلّا أن الطرفين يختلفان بشأن الجوانب الرئيسية لهذا النظام المتعدد الأقطاب، وفقاً للمجلة.
وأضاف الخبيران أنه من الواضح أن بكين وموسكو تسعيان إلى تجنّب التعهد ببعض الالتزامات تجاه بعضهما البعض، ما يحد من قدرتهما على التعاون، فضلاً عن التنسيق بشأن مصالحهما المشتركة. ونتيجة لذلك، فإنه من الأفضل النظر إلى علاقتهما الثنائية على أنها شراكة استراتيجية محدودة، بحسب تحليل المجلة.
وكشف خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 30 سبتمبر بشأن انضمام 4 مناطق إلى الاتحاد الروسي، وهم دونيتسك ولوغانسك وزابوروجيا وخيرسون، عن تطلعاته لإنشاء نظام متعدد الأقطاب، وهو الهدف الذي لم يكن أساسياً في السياسة الخارجية الروسية منذ التسعينيات فحسب، بل كان أيضاً أساساً للعلاقات الصينية-الروسية، إذ ظلت البيانات المشتركة بين البلدين تشير إلى الجهود المبذولة لتعزيز التعددية القطبية على مدى 3 عقود.
وبحسب المجلة الأميركية: "من وجهة نظرهما (روسيا والصين)، فإن التعددية القطبية ستؤدي لإنشاء نظام دولي أكثر ديمقراطية وإنصافاً واستقراراً، والأهم من ذلك، أن بكين وموسكو تنظران إلى بعضهما البعض على أنهما أقطاب رئيسية في هذا النظام متعدد الأقطاب الذي تروجان له".
اختلاف الرؤى
واعتبر التحليل "رغم هذا التقارب في المصالح، إلّا أن رؤيتهما لهذا النظام ليست متماسكة تماماً، وذلك بالنظر لرغبة الصين في أن تحتل أوروبا مكاناً بارزاً في هذا الترتيب، لأن روسيا لديها تحفظات على البنية السياسية والاقتصادية والأمنية الأوروبية".
وعلى الرغم من سعي المسؤولين الصينيين إلى تجنّب إدانة روسيا لعدوانها في أوكرانيا، فإن الحرب وضعت بكين في موقف "صعب"، نظراً لدعمها المعلن للسيادة وسلامة الأراضي، كما أنه بالنظر إلى تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينج التي سبقت القمة، بات من الواضح أن بكين تسعى للحد من الأنشطة الروسية المماثلة في المناطق القريبة من الصين.
ووفقاً للمجلة، فإن قياس اصطفافات الدول يكون عبر مستوى الالتزامات التي تعهدوا بها تجاه الطرف الآخر، ولكن تشير الاتفاقات والتفاعلات الصينية-الروسية إلى أن الجانبين تجنبا التعهد بالتزامات عميقة تجاه بعضهما البعض.
وأوضح مثال على ذلك هو رفض بكين تحمُّل كلفة أي عقوبات ثانوية من خلال تقديم المساعدة المباشرة لروسيا، بل أنها سعت أحياناً إلى تحويل البيئة الدبلوماسية إلى فرصة على حساب موسكو من خلال انتزاع تنازلات اقتصادية مباشرة أو من خلال استغلال الأزمة سياسياً.
"نقاط الضعف"
ورأت "ذا ديبلومات" أن هذا الوضع يبدو مختلفاً عن وضع الغرب، الذي كان التحدّي الأكبر بالنسبة له قبل الحرب هو الافتقار الملحوظ للالتزام داخل حلف شمال الأطلسي "الناتو"، كما تستمر مشكلة الالتزام هذه في جميع أنحاء العلاقات الدولية لأن الدول لا يمكنها التأكد من أن الدول الأخرى ستفي بوعودها.
وبحسب المجلة فإن "هذا يعني أنه يجب على الدول أن تبذل جهداً أكبر لتقاسم الموارد، وتوزيع الأعباء، ونشر القوات التي يطلبها الحلفاء لدعم التزامهم تجاه بعضهم البعض".
ولفت التحليل إلى أنه يجب على صانعي السياسة أن ينظروا إلى السمات الموجودة في العلاقات الصينية-الروسية، وأن يطوروا أدوات لا تدفع بكين وموسكو إلى التقارب ولكن بدلاً من ذلك استخدامها لزيادة نقاط الضعف المتأصلة في هذه العلاقات والتي تأتي من عدم الالتزام العميق تجاه الآخر.
وخلص تحليل المجلة إلى أن من المهم النظر إلى الصين وروسيا باعتبارهما تتخذان مساراً مختلفاً في سياق حالة عدم اليقين حول حرب أوكرانيا، وسياسات القوى العظمى، والانتشار النووي، وتقلبات الطاقة، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وموجات الشعبوية السياسية، إذ أنه في هذه المرحلة، لا يبدو أن أي من موسكو أو بكين مهتمين بتكبد تكاليف كبيرة للتوافق مع رؤية أي دولة أخرى.
اقرأ أيضاً: