ذكرت مجلة "بوليتيكو" الأميركية أن تراجع الثقة في روسيا كمورد للأسلحة، في ظل حرب أوكرانيا، يمنح فرنسا "فرصة جيدة" للانقضاض وتسريع تحركاتها لاجتذاب الهند، في إطار خطة استراتيجية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للتواجد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ويتوجه وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو إلى الهند، الأحد، لتعزيز العلاقات مع حليف باريس منذ فترة طويلة، وذلك قبل زيارة محتملة لماكرون مطلع العام المقبل.
وأشارت "بوليتيكو" إلى أن هذه الرحلة تُعد رسمياً "مناورة دبلوماسية" وليست محاولة مكشوفة، لبيع الأسلحة التي تنتجها شركة "فرانس إنك"، واعتبرت أن من المستحيل ألا يتخلل ذلك جانباً لعروض بيع السلاح الفرنسي.
زيادة القدرة التصنيعية
منذ عام 1993، أجرت نيودلهي وباريس تدريبات بحرية مشتركة. وتحتل فرنسا المركز الثاني في قائمة أكبر موردي الأسلحة للهند بعد روسيا.
وتُعوّل فرنسا على أن حرب روسيا في أوكرانيا، كشفت على نطاق واسع عن المخاوف بشأن جودة الأسلحة الروسية وقدرة موسكو على الوفاء بالمواعيد النهائية للإنتاج والتصدير في ظل العقوبات المفروضة عليها.
وبالنسبة إلى الهند، الواقعة بين باكستان القادرة على تصدير أسلحة نووية إلى الشرق، والصين العدوانية المتزايدة في الشمال، فإن فعالية الأسلحة تُشكل شاغلاً ملحاً لحكام نيودلهي.
وفي حين نوّعت روسيا مورديها في السنوات الأخيرة، لا تزال هي المورد لما يقرب من نصف أسلحة الهند.
وقالت جاريما موهان، الخبيرة في شؤون الاتحاد الأوروبي والهند في صندوق مارشال الألماني: "هناك شعور بالإلحاح في نيودلهي للتنويع، للعثور على مصادر جديدة، وينظر إلى فرنسا بالفعل على أنها شريك مهم. والهند مستعدة لتخفيف علاقاتها وتنويع (مصادرها)".
وتقول الرواية الرسمية من الفرنسيين إن رحلة وزير الدفاع الفرنسي لا تتعلق ظاهرياً بالأسلحة، لكنه لن يخجل من شرح كيفية إيجاد بدائل لروسيا.
ونقلت المجلة عن مستشار من وزارة الدفاع الفرنسية: "لن نذهب إلى هناك لبيع معدات عسكرية، هدفنا هو إبراز أهمية العلاقة"، مضيفاً أن ليكورنو دُعي ليكون على متن حاملة الطائرات الهندية "فيكرانت" في علامة على "حسن النية" بين فرنسا والهند.
وأضاف: "لكن يمكننا أن نُظهر لهم أن البدائل الأوروبية للأسلحة الروسية موجودة".
وسيكون الاختبار الكبير لفرنسا هو ما إذا كانت قادرة حقاً على زيادة قدرتها التصنيعية لتلبية المطالب الهائلة لدولة عسكرية من الوزن الثقيل مثل الهند، بحسب "بوليتيكو".
شريك موثوق به
وتنطلق فرنسا بخطى حثيثة في السباق للفوز بعقود صفقات عسكرية جديدة مع الهند.
والأسبوع الماضي، ناقش الرئيس إيمانويل ماكرون "تعميق الشراكة الاستراتيجية" مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على هامش اجتماعات مجموعة العشرين، قبل أن يتوجه إلى قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، حيث أكد للمشاركين أن فرنسا ملتزمة بوجودها في المنطقة.
بحسب "بوليتيكو"، يشترك الزعيمان في علاقة دافئة، حيث أشارا إلى بعضهما البعض باعتبارهما صديقين حميمين على وسائل التواصل الاجتماعي في العامين الماضيين.
وكان الرؤساء الفرنسيون يغرسون بذور هذه العلاقة منذ تسعينات القرن العشرين، ولا يفوت ماكرون على وجه الخصوص فرصة للانغماس في التعبير على الملأ عن الشعور بالمودة مع رئيس الوزراء الهندي.
واعتبرت جاريما موهان، الخبيرة في شؤون الاتحاد الأوروبي والهند، أن العلاقة بين باريس ونيودلهي هي "أهم شراكة للهند في أوروبا، وبطريقة ما، كانت فرنسا والهند باستمرار شريكين قويين"، لافتةً إلى أن مجالات التعاون بين البلدين تشمل العمليات البحرية وجمع المعلومات الاستخباراتية.
وباعتبارها ثاني أكبر مورد للأسلحة للهند، أبرمت فرنسا صفقات أسلحة كبيرة في الماضي مثل عقد بيع طائرات مقاتلة من طراز "رافال".
وفي القطاع البحري، تعمقت العلاقة، حيث تجد الهند وفرنسا، اللتان تمتلكان سلسلة من الجزر ومنطقة بحرية شاسعة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، أرضية مشتركة في مواجهة الصين، التي يعتبرانها "أكثر عدوانية".
وقالت إيزابيل سان ميزارد، المحاضرة في المعهد الفرنسي للجغرافيا السياسية بجامعة باريس، إن "الصين واحدة من نقاط الالتقاء العظيمة بين فرنسا والهند، وهي نقطة يتم الاعتراف بها علناً إلى حد ما".
وأضافت: "إنهما بحاجة إلى مراقبة ما تفعله الصين من حيث بناء الاتصال ونشر السفن الحربية والغواصات".
ولكن مع تورط روسيا في حربها مع أوكرانيا، يمكن أن تنتقل علاقة فرنسا مع الهند إلى مستوى جديد.
وبحسب دراسة أجراها مركز "ستيمسون" عام 2020، تعمل ما يتراوح بين 70 إلى 85% من القوات المسلحة الهندية بمعدات روسية، وتتطلع حكومة مودي بالفعل إلى الحد من هذا الاعتماد.
وقال محلل هندي يعمل في القطاع الخاص، طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب مهنية، "إن حكومة أكثر ذكاءً كانت ستدرك عندما انهار الاتحاد السوفيتي في التسعينيات، أنه ليس من المنطقي وضع كل بيض المرء في نفس السلة".
وتابع: "هناك تفاهم الآن على أننا لم نشترِ ما يكفي من الأسلحة غير الروسية".
وبعيداً عن كونها كاشفة لروسيا، أظهر الغزو الروسي لأوكرانيا عن أوجه القصور في الآلة العسكرية الروسية.
وتنقل المجلة الأميركية عن تقرير صادر عن الحكومة الأوكرانية قوله إن العديد من الأسلحة الروسية "غير فعالة وعفا عليها الزمن"، حيث من المرجح أن تخطئ الصواريخ أهدافها، وتكون المركبات المدرعة عرضة للأسلحة الصغيرة.
المشاكل الصناعية في فرنسا
بالنسبة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد يكون هناك عقدان مغريان، إذ تتطلع القوات الجوية الهندية إلى تحديث أسطولها من الطائرات المقاتلة، وشراء أكثر من 100 طائرة جديدة، إلى جانب مناقصة لعقد بناء غواصات لم يتم حسمها.
ولكن هناك قضايا تتعلق بالمصداقية بالنسبة إلى فرنسا بحسب "بوليتيكو"، إذ تكافح صناعتها الدفاعية لزيادة إنتاجها العسكري والاستجابة للطلب العالمي، واحتياجات زمن الحرب منذ غزو روسيا لأوكرانيا.
وفي يونيو، حذر ماكرون من أن فرنسا بحاجة إلى بناء "اقتصاد زمن الحرب"، مع المزيد من الاستثمارات، وسلاسل إنتاج مبسطة وأسرع.
وقال المستشار الدفاعي الفرنسي والكولونيل المتقاعد ميشيل جويا: "إنهم يخططون لزيادة الإنتاج، لكن هناك قضايا تتعلق بالطاقة الإنتاجية والتأخيرات البيروقراطية. ولا يزال السؤال المطروح هو ما إذا كانت صناعتنا الدفاعية قادرة على الانتقال إلى الإنتاج الضخم".
واجتذبت مدافع "هاوتزر" الفرنسية المثبتة على شاحنات "سيزر" اهتماماً عالمياً بكفاءتها في أوكرانيا، إلا أن تصنيعها يستغرق ما يقارب العامين، وهو ما قد يجعل الهند تفكر في اقتنائها، رغم منافسة موردين آخرين مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل أو كوريا الجنوبية.
اقرأ أيضاً: