أفادت مجلة "بوليتيكو" الأميركية بأن الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو" منقسمة بشأن عضوية أوكرانيا في الحلف، كما أنها تتجنب "استفزاز" روسيا، لإدراكها مدى حساسية قضية التوسع شرقاً بالنسبة للرئيس فلاديمير بوتين.
وأوضحت المجلة أن الانقسام والتردد الغربي ناجم من أسباب متعددة، أولها أن العواصم الغربية لا تسعى إلى استفزاز الكرملين أكثر، فضلاً عن أن العضوية تتطلب التزاماً من الحلفاء يقدمون بموجبه مساعدات لكييف حال الهجوم عليها، وهو ما لن يؤيده الكثيرون.
وعندما طلبت أوكرانيا في سبتمبر الماضي تسريع عملية الانضمام إلى التحالف العسكري، كرر "الناتو" علناً سياسة "الباب المفتوح"، لكنه لم يقدم رداً ملموساً، فيما أشار بيان الحلف النهائي خلال اجتماع عقد الأسبوع الماضي، إلى أنه "لا معنى لانضمام أوكرانيا ما لم تكن قادرة (أوكرانيا) على الدفاع عن نفسها كدولة مستقلة".
وأثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غضباً خلال عطلة نهاية الأسبوع، عندما قال إن الغرب يجب أن يفكر في ضمانات أمنية لروسيا إذا عادت إلى طاولة المفاوضات، في لفتة انتقدتها كييف، ويبدو أنها تتعارض مع سياسة "الباب المفتوح" التي يتبعها الحلف.
وقال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا: "بعض أصدقاء أوكرانيا المقربين يخشون الرد الإيجابي على طلب أوكرانيا للانضمام إلى الناتو أكثر من خوفهم من تزويد أوكرانيا بأحدث الأسلحة".
وصرح لـ"بوليتيكو" في مقابلة أجريت معه مؤخراً: "لا يزال هناك العديد من الحواجز النفسية التي يتعين علينا التغلب عليها. فكرة العضوية واحدة منها".
حليف "بحكم الواقع"
ترى القيادة في أوكرانيا أنها "عضواً" في التحالف العسكري الغربي، وبالتالي فهي تستحق "مساراً سريعاً" للعضوية الرسمية.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في سبتمبر الماضي، عندما أعلن محاولة بلاده الانضمام إلى الحلف: "بموجب إجراء معجل. نحن حلفاء بحكم الأمر الواقع".
وأضاف: "بحكم الأمر الواقع، لقد أكملنا بالفعل طريقنا إلى الناتو. في الواقع، لقد أثبتنا بالفعل قابلية التشغيل البيني مع معايير التحالف. أوكرانيا تتقدم بطلب لجعلها شرعية".
لكن المبادرة الأوكرانية هددت بتعطيل خطة استقرت عليها عواصم الحلف الأكثر نفوذاً، تتمثل بأولوية الأسلحة، ثم الحديث عن العضوية لاحقاً، في نهج ارتأوا أنه قد يحرم موسكو من ذريعة لجذب الحلف لصراع مباشر.
في بيانهم الأسبوع الماضي، تعهد الوزراء بتكثيف المساعدة السياسية والعملية لأوكرانيا، مع تجنب الخطط الملموسة لوضع كييف في المستقبل، ومع ذلك، فإن قلة من الحلفاء يشككون في آفاق عضوية أوكرانيا طويلة الأجل، على الأقل من الناحية النظرية، إذ تدور الانقسامات حول كيفية وموعد معالجة مسألة العضوية.
ويدافع عدد من الحلفاء الشرقيين عن علاقة سياسية أوثق بين أوكرانيا وحلف "الناتو"، ويريدون خطة أكثر واقعية تمهد الطريق للعضوية.
وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية الليتواني جابريليوس لاندسبيرجيس: "ما أفكر فيه هو أنه أمر لا مفر منه بشكل أساسي، يجب على الناتو أن يكون لديه طريقة لقبول أوكرانيا".
لكن على الطرف الآخر، يريد ماكرون أن يأخذ منظور موسكو في الحسبان، إذ قال في تصريحات لقناة "TF1" التلفزيونية الفرنسية، السبت: "إحدى النقاط الأساسية التي يجب أن نتناولها، كما قال الرئيس فلاديمير بوتين، هي الخوف من أن يأتي حلف شمال الأطلسي إلى أبوابه، ونشر الأسلحة التي يمكن أن تهدد روسيا".
الأمين العام لحلف "الناتو" ينس ستولتنبرج، قال الأسبوع الماضي: "المهمة العاجلة والأكثر إلحاحاً هي ضمان أن تسود أوكرانيا كدولة ديمقراطية مستقلة وذات سيادة في أوروبا". فيما رددت سفيرة الولايات المتحدة للحلف جوليان سميث، النقطة ذاتها في مقابلة، قائلة: "التركيز الآن هو الدعم العملي لأوكرانيا".
جهود إضافية من كييف
ويرى المحللون أن خط الصدع يكمن في المقام الأول بين عواصم أوروبا الغربية مثل برلين وباريس، التي تعتبر العضوية مسألة "بالغة الحساسية" يجب تجنبها حالياً، وبعض العواصم الشرقية التي ترى الانضمام الأوكراني هدفاً يمكن للتحالف أن يبدأ العمل من أجله.
ويدرك المسؤولون الأوكرانيون أن عضوية "الناتو" ليست وشيكة، لكنهم ما زالوا يريدون لفتة من الحلف.
واعتمدت أوكرانيا تعديلاً دستورياً في عام 2019، تلتزم بمتابعة عضوية الحلف، ولكن رغم أن البلاد قد اتبعت بعض الإصلاحات على مدى السنوات القليلة الماضية، إلا أن الخبراء والحكومات الشريكة ترى أن هناك المزيد الذي يتعين على أوكرانيا القيام به، لدمجها في المؤسسات الغربية.
وقال زيلينسكي في نوفمبر الماضي: "كانت روسيا قادرة على بدء هذه الحرب على وجه التحديد، لأن أوكرانيا ظلت في المنطقة الرمادية، بين العالم الأوروبي الأطلسي والإمبريالية الروسية".
وتابع: "كيف نمنع تكرار مثل هذا العدوان الروسي علينا؟ نحن بحاجة إلى ضمانات أمنية فعالة"، داعياً إلى عقد مؤتمر دولي للتوقيع على ما يسمى "اتفاق كييف الأمني"، وهو مجموعة جديدة من الضمانات الأمنية لأوكرانيا.
لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان شركاء أوكرانيا الغربيين على استعداد لتقديم أي ضمانات ملزمة قانوناً، أو إذا كان أي شيء أقل من بند الدفاع الجماعي لحلف الناتو في المادة 5، سيثبت أنه رادع كافٍ مستقبلاً، بحسب "بوليتيكو".