مسؤولون: لا دليل على وقوف روسيا وراء هجوم "نورد ستريم"

time reading iconدقائق القراءة - 9
محطة خط أنابيب "نورد ستريم" الذي ينقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، في بلدة لوبمين شمال شرقي ألمانيا- 8 نوفمبر 2011 - AFP
محطة خط أنابيب "نورد ستريم" الذي ينقل الغاز من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، في بلدة لوبمين شمال شرقي ألمانيا- 8 نوفمبر 2011 - AFP
دبي - الشرق

بعد انفجارات وقعت في أواخر سبتمبر الماضي، وألحقت أضراراً بالغة بخطوط أنابيب غاز "نورد ستريم" التي تنقل إمدادات الغاز من روسيا إلى أوروبا عبر بحر البلطيق، سرعان ما ألقى قادة العالم باللائمة على موسكو، في ما وصفوه بأنه "عملية تخريب استفزازية وخطيرة".

ومع اقتراب فصل الشتاء، بدا أن الكرملين يعتزم خنق تدفقات الطاقة إلى الملايين في جميع أنحاء القارة، وهو ما اعتبرته أوروبا "ابتزازاً"، يهدف إلى تهديد دول لإجبارها على سحب دعمها المالي والعسكري لأوكرانيا، وفق صحيفة "واشنطن بوست".

ولكن الآن، وبعد أشهر من التحقيق، يقول العديد من المسؤولين سراً، إن روسيا ربما لا تكون هي المسؤولة في نهاية المطاف عن الهجوم على خطوط أنابيب "نورد ستريم".

ونقلت الصحيفة عن مسؤول أوروبي قوله: "لا يوجد دليل في هذه المرحلة على أن روسيا كانت وراء التخريب"، مؤكداً بذلك تقييمات 23 مسؤولاً دبلوماسياً واستخباراتياً في 9 دول، أجرت الصحيفة مقابلات معهم خلال الأسابيع الأخيرة.

وذهب البعض إلى حد القول إنهم لا يعتقدون أن روسيا هي المسؤولة، في حين قال آخرون ممن ما زالوا يعتبرون روسيا مشتبهاً به رئيسياً، إن نسب المسؤولية عن الهجوم بشكل مؤكد إلى أي دولة، "ربما يكون مستحيلاً"، ومع ذلك، لا أحد يشك في أن الضرر كان متعمداً، بحسب "واشنطن بوست".

وفي الأشهر التي تلت الانفجارات، التي أسفرت عما كان على الأرجح أحد أكبر تسريبات غاز الميثان، قام محققون بتمشيط الحطام، وتحليل بقايا المواد المتفجرة المستخرجة من قاع بحر البلطيق.

وحدد علماء رصد زلازل توقيت 3 انفجارات في 26 سبتمبر، ما تسبب في 4 تسريبات على خطي أنابيب "نورد ستريم 1 و2". 

من جانبه، قال مسؤول في الحكومة الألمانية، التي تجري تحقيقاتها الخاصة إن المواد المتفجرة "وضعت على السطح الخارجي للأنابيب".

لكن حتى الأشخاص المطلعين على تفاصيل الأدلة الجنائية، لا يربطون روسيا بشكل قاطع بالهجوم، حسبما قال المسؤولون، الذين تحدثوا للصحيفة بشرط عدم الكشف عن هوياتهم.

تحقيق يمثل "تحدياً"

وقال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية، إن "تحليل الأدلة الجنائية في تحقيق مثل هذا سيكون صعباً للغاية".

وقال مسؤولون للصحيفة إن "الولايات المتحدة تعترض بشكل روتيني اتصالات مسؤولين روس وقوات عسكرية، وهو جهد استخباراتي سري ساعد في التنبؤ بدقة بغزو موسكو لأوكرانيا في فبراير. لكن حتى الآن، لم يسمع محللون أو يقرأوا تصريحات من الجانب الروسي تعلن مسؤولية أو تشير إلى أنهم يحاولون التستر على تورطهم"، حسبما قال المسؤولون.

ووفقاً للصحيفة، كان تحديد المسؤولية عن الهجوم يمثل تحدياً منذ البداية. ووقع الانفجار الأول في منتصف الليل في جنوب شرقي جزيرة "بورنهولم" الدنماركية. ورصد خبراء انفجارين إضافيين بعد أكثر من 12 ساعة شمال شرقي الجزيرة.

وقال مسؤولون إنه بالنظر إلى العمق الضحل نسبياً لخطوط الأنابيب المتضررة، كان بإمكان عدد من الجهات الفاعلة المختلفة نظرياً تنفيذ الهجوم، ربما باستخدام مركبات مسيرة غاطسة أو بمساعدة سفن. ولا تقتصر قائمة المشتبه بهم فقط على دول تمتلك غواصات أو خبرة في تنفيذ عمليات تفجيرية في أعماق البحار.

وحدثت تسريبات الغاز في المناطق الاقتصادية الخالصة للسويد والدنمارك. وتحاول الدول الأوروبية رسم خريطة للسفن التي كانت في المنطقة في الأيام التي سبقت الانفجارات، على أمل الوصول لخيوط إلى المشتبه بهم.

وقال وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو في مقابلة مع "واشنطن بوست" هذا الشهر: "نحن نعلم أن هذه الكمية من المتفجرات يجب أن تكون قيد تصرف جهة فاعلة على مستوى الدولة، وليس مجرد صياد واحد يقرر وضع القنبلة هناك. إنه أمر احترافي للغاية".

وقال هافيستو إنه بالنسبة لفنلندا، التي ليست عميلاً لخط أنابيب "نورد ستريم"، فإن "الدرس المستفاد هو أن (الهجوم) يُظهر إلى أي مدى شبكات الطاقة لدينا، والكابلات البحرية، والإنترنت، عرضة لخطر جميع أنواع الإرهابيين".

روسيا مشتبه به رئيسي

ومع ذلك، لا تزال روسيا مشتبهاً به رئيسياً، ويُعزى ذلك جزئياً إلى تاريخها الحديث في قصف البنية التحتية المدنية في أوكرانيا، وميلها إلى الحرب غير التقليدية. 

في هذا السياق، قال مسؤولون إن الاعتقاد بأن الكرملين كان سيهاجم "نورد ستريم"، ربما جاء وسط توقعات بسعي موسكو لتقويض عزم حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وإزعاج حلفاء يعتمدون على مصادر الطاقة الروسية.

ووصف مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الهجوم بأنه "هجوم إرهابي خططت له روسيا وعمل عدواني تجاه الاتحاد الأوروبي".

وقال مسؤول بيئي أوروبي بارز لصحيفة "واشنطن بوست" في سبتمبر: "لا أحد على الجانب الأوروبي من المحيط يعتقد أن هذا أي شيء آخر، غير عملية تخريب روسية".

ولكن مع استمرار التحقيقات، يشير مشككون إلى أن موسكو لم يكن لديها الكثير لتكسبه من إلحاق الضرر بخطوط الأنابيب التي تغذي أوروبا الغربية بالغاز الطبيعي، وهي عملية تضخ مليارات الدولارات من الإيرادات السنوية. 

وأثارت مشاريع "نورد ستريم" الجدل لسنوات، لأنها دفعت ألمانيا ودول أوروبية أخرى إلى مصادر الطاقة الروسية.

وقال مسؤول أوروبي: "الأساس المنطقي القائل إن روسيا هي التي هاجمت خطوط الأنابيب، لم يكن منطقياً بالنسبة لي".

مخاوف أوروبية

ودفعت الحرب الدول الأوروبية إلى بناء مخزونات من الطاقة البديلة، ما جعلها أقل اعتماداً على المصادر الروسية. لكن هجوم "نورد ستريم" أثار قلق العديد من الحكومات بشأن المدى الذي قد تذهب إليه روسيا أو جهات فاعلة أخرى.

في هذا الصدد، قال وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم إن حكومته تنتظر أن يستكمل مكتب المدعي العام في البلاد تحقيقه في الانفجارات، قبل التوصل إلى نتيجة. وزادت السويد، إلى جانب الدنمارك، دورياتها البحرية بعد الهجوم مباشرة.

وقال بيلستروم في مقابلة مع "واشنطن بوست" هذا الشهر: "لقد تحدثنا عن الانفجارات كجزء من الرأي القائل إن الوضع الأمني في الجزء الشمالي من أوروبا قد تدهور في أعقاب العدوان الروسي على أوكرانيا، مع كل الآثار المترتبة عليه".

ولفتت الصحيفة إلى أن احتمال عدم تحديد مصدر الانفجارات بشكل قاطع، أمر مقلق لدول مثل النرويج، التي لديها 9 آلاف كيلومتر من خطوط أنابيب الغاز تمتد إلى أوروبا تحت سطح البحر.

وقال مسؤول نرويجي إن بلاده تحاول تعزيز الأمن حول خطوط أنابيبها، والبنية التحتية الحيوية الأوسع. وأشار إلى أنها تستثمر في تعزيز المراقبة، وتعمل مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا لتكثيف الدوريات البحرية، ومحاولة إيجاد سبل للحفاظ على تدفق النفط والغاز في حالة وقوع هجوم آخر.

وتحقق النرويج أيضاً في ظهور مركبات مسيرة مجهولة الهوية حول منشآتها للنفط والغاز في وقت قريب من هجمات "نورد ستريم".

وقال المسؤول: "هذا ليس بالأمر الجيد"، في إشارة إلى احتمال أن تظل انفجارات "نورد ستريم" من دون حل، بينما توقع أن "من فعل ذلك قد يفلت من العقاب".

تفجير "نورد ستريم"

وتحقق السلطات السويدية والدنماركية في 4 فتحات في خطي أنابيب "نورد ستريم 1 و2"، اللذين يربطان روسيا وألمانيا عبر بحر البلطيق، وأصبحا مثار جدل في أزمة أوكرانيا.

ونجم تسرب الغاز في 4 مواقع من خط أنابيب "نورد ستريم" عن انفجارات في بحر البلطيق تعادل في قوتها مئات الكيلوجرامات من المواد المتفجرة، بحسب ما جاء في تقرير "دنماركي- سويدي".

ونقلت وكالة "تاس" الروسية للأنباء عن متحدث باسم شركة "غازبروم" العملاقة للغاز، قوله إن 800 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي تسربت، وهو ما يعادل 3 أشهر من الإمدادات للدنمارك. 

واتّهمت موسكو لندن بالوقوف وراء انفجارات خطوط أنابيب "نورد ستريم" للغاز، لكنها لم تقدم حتى الآن أي أدلة تثبت صحة مزاعمها.

وكانت خطوط الأنابيب التي تربط روسيا بألمانيا، في قلب التوترات الجيوسياسية، بعدما قطعت روسيا إمدادات الغاز إلى أوروبا، في ما يشتبه في أنه رد على العقوبات الغربية التي فرضت عليها على خلفية غزو أوكرانيا.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات