يستمر أكبر تحقيق في تاريخ وزارة العدل الأميركية بعد عامين من إقدام حشد عنيف من أنصار الرئيس السابق دونالد ترمب على مهاجمة مبنى الكابيتول في العاصمة واشنطن.
ويواجه أكثر من 930 شخصاً اتهامات بارتكاب جرائم فيدرالية تتعلق بأحداث 6 يناير 2021، ويزداد العدد كل أسبوع. ولا يزال مئات الأشخاص هاربين في الذكرى الثانية للهجوم غير المسبوق الذي أشعل فتيله مزاعم بلا أدلة بشأن "سرقة" انتخابات الرئاسة عام 2020.
وهذه أبرز المحطات التي شهدتها الولايات المتحدة بعد عامين من اقتحام مبنى الكابيتول الأميركي.
خطاب ترمب
في صباح السادس من يناير 2021، ألقى الرئيس السابق على أنصاره خطاباً نارياً، ووبخ علناً نائبه آنذاك مايك بنس، لعدم موافقته على خطته بعرقلة المصادقة على فوز جو بايدن في انتخابات نوفمبر 2020.
وانتظر ترمب ساعات قبل الإدلاء بتصريح علني، بينما اقتحم الآلاف من أنصاره مبنى الكونجرس واعتدوا على أفراد الأمن، وهددوا بشنق بنس.
اقتحام الكابيتول
أثار المئات من أنصار الرئيس الجمهوري الفوضى، في أعقاب الخطاب، وقاموا بأعمال عنف في الكابيتول، في وقت كان النواب يصادقون على فوز الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية.
واقتحم أكثر من 2000 متظاهر من أنصار ترمب كانوا خارج الكونجرس مبنى الكابيتول، في محاولة منع التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أعلنت فوز جو بايدن، والتي يعتقدون أنها "مزورة".
ولقي 5 أشخاص مصرعهم خلال تلك الأحداث أو بعدها بفترة وجيزة، بينهم ضابط شرطة الكابيتول براين سيكنيك الذي توفي متأثراً بجلطات متعددة بعد رشه بمادة كيماوية خلال أعمال الشغب.
وأصيب أكثر من 140 من أفراد الشرطة، بينما لحقت بمبنى الكونجرس أضرار تُقدّر بملايين الدولارات.
"نفي" ترمب
بعد أسبوع من اقتحام مبنى الكابيتول، اتخذت منصات التواصل الاجتماعي العملاقة إجراءات لتضييق الخناق على ترمب وأنصاره، ما أثار جدلاً واسعاً بشأن "حرية التعبير" على الإنترنت.
وإضافة إلى إيقاف شركتي فيسبوك وتويتر لحسابات ترمب، فقد اتخذت كل من أبل وجوجل وأمازون خطوات مماثلة استهدفت تطبيق "بارلر" المنافس لتويتر، والذي يستخدمه العديد من مؤيدي ترمب اليمينيين المتطرفين.
وبرّرت شبكتا فيسبوك وتويتر قراريهما بأن الرئيس السابق، الذي كان يحظى بصفة شخصية عامة، قد "انتهك قواعد استخدام منصتيهما"، ولكن خبراء ومسؤولين نددوا بخطوة المنصتين، معتبرين أنها تشكل "مساساً بحرية التعبير، وفرض رقابة".
تشكيل لجنة تحقيق
في 1 يوليو 2021، صوّت مجلس النواب الأميركي بأغلبية 222 صوتاً، مقابل 190 على تشكيل لجنة مختارة يقودها ديمقراطيون للتحقيق في أعمال الشغب التي رافقت عملية اقتحام مبنى الكابيتول.
وكانت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، سعت لتشكيل لجنة يسيطر عليها الديمقراطيون، بعد أن عرقل الجمهوريون في مجلس الشيوخ مشروع قانون لتشكيل لجنة من الحزبين على غرار لجنة 11 سبتمبر، للتحقيق في هجوم 6 يناير.
وقضت اللجنة 18 شهراً وهي تحقق في المحاولة غير المسبوقة لمنع النقل السلمي للسلطة من قبل الآلاف من مؤيدي ترمب، انطلاقاً من مزاعم الرئيس الجمهوري السابق بأن خسارته في انتخابات عام 2020 أمام الديمقراطي جو بايدن كانت نتيجة لتزوير واسع النطاق.
استدعاءات لدائرة ترمب
في 24 سبتمبر 2021، أصدرت لجنة التحقيق في أحداث اقتحام الكابيتول، مذكرات استدعاء بحق 4 مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي السابق، كانت الأولى من نوعها، ما نقل التحقيق آنذاك إلى مرحلة جديدة أشد صرامة.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن اللجنة، أصدرت مذكرات استدعاء بحق كبير موظفي البيت الأبيض السابق مارك ميدوز، ونائبه دان سكافينو، وكاش باتيل الذي شغل منصب كبير موظفي وزارة الدفاع بالوكالة في ذلك اليوم (6 يناير 2021)، إضافة إلى ستيفن بانون مستشار ترمب.
التقرير النهائي
في 22 ديسمبر 2022، أصدرت لجنة التحقيق النيابية في الهجوم على مبنى الكابيتول الأميركي تقريراً نهائياً بأكثر من 800 صفحة، ذكرت فيه أن الرئيس السابق دونالد ترمب "حرّض على العنف في محاولة فاشلة للتمسك بالسلطة".
وأشار التقرير النهائي إلى أن "السبب الرئيسي في هجوم 6 يناير كان رجلاً واحداً، هو الرئيس السابق دونالد ترمب، وتبعه آخرون"، لافتاً إلى أن الهجوم على مبنى الكابيتول جاء ضمن "خطة متعددة الأجزاء لإلغاء الانتخابات الرئاسية لعام 2020".
ويأتي هذا التقرير بعد أن قابلت اللجنة أكثر من ألف شاهد، وعقدت 10 جلسات استماع، وحصلت على ملايين الوثائق، وفق "أسوشيتد برس".
وتحدث شهود من مساعدي ترمب وسلطات إنفاذ القانون وبعض مثيري الشغب عن تفاصيل مرتبطة بتصرفات ترمب في الأسابيع التي سبقت الهجوم، وكيف "أثَرت حملة الضغط الواسعة النطاق لإلغاء نتيجة الانتخابات على أولئك الذين هاجموا الكابيتول"، وفق الوكالة.
وكانت اللجنة المشكّلة من 7 أعضاء ديمقراطيين وجمهوريين اثنين اختتمت عملها في ديسمبر، وأوصت بإطلاق ملاحقات جنائية بحق ترمب.
350 متشبهاً بهم
وبعد عامين من الهجوم، لا تزال الشرطة الفيدرالية تسعى للتعرّف على 350 مشتبهاً بارتكاب أعمال عنف في الكابيتول، بينهم 250 ضد شرطيين وطلبت مرة جديدة مساعدة الرأي العام.
وأعلن وزير العدل ميريك جارلاند، الأربعاء، قبل يومين من الذكرى الثانية للهجوم، أن أكثر من 950 شخصاً أوقفوا خلال الأشهر الـ24 الأخيرة.
وحوكم أكثر من ثلثهم بتهم متنوّعة تتراوح بين تلك البسيطة مثل "اقتحام" الكونجرس وصولاً إلى "إثارة الفتنة"، وحُكم على 192 شخصاً بالسجن، وفق ما جاء في بيان منفصل صادر عن المدعي الفيدرالي في واشنطن الذي يشرف على تحقيق واسع النطاق".
اتهامات جديدة
والخميس، رفعت ساندرا جارزا، الشريكة منذ فترة طويلة لضابط شرطة الكابيتول المتوفي بريان سيكنيك، دعوى قضائية ضد الرئيس السابق ترمب، ومتهمين آخرين بتهمة الاعتداء على سيكنيك، خلال أحداث 6 يناير.
وتطالب الدعوى القضائية بتعويض قدره 10 ملايين دولار، وتوجه اتهامات بـ"القتل الخطأ والتآمر" لانتهاك الحقوق المدنية، وفق ما أورد موقع "أكسيوس" الأميركي.
وأصيب سيكنيك بجلطتين وتوفي لأسباب طبيعية بعد اشتباكه مع مثيري الشغب خلال هجوم 6 يناير.
وقال الطبيب الجنائي فرانسيسكو جيه دياز لصحيفة "واشنطن بوست"، بعد تشريح الجثمان، إن الأحداث التي وقعت في مبنى الكابيتول يوم 6 يناير "لعبت دوراً في حالته".
وتقول الدعوى القضائية إنه "من خلال كلماته وسلوكه، أيّد المدعى عليه ترمب وصدّق على أعمال العنف التي ارتكبتها حشود هاجمت مبنى الكابيتول، بما في ذلك المدعى عليهما خاطر وطانيوس"، في إشارة إلى المتهمين جورج طانيوس وجوليان خاطر.
وتزعم الشكوى القضائية أنه "قبل توجيه الحشود إلى مبنى الكابيتول، طلب منهم المدعى عليه ترمب أن (يقاتلوا بضراوة)"، وأعلن أنه "يحق لكم التحرك وفق قواعد مختلفة تماماً، وعليكم إظهار القوة"، مشيرة إلى أن "المدعى عليه ترمب قصد أن تؤخذ هذه الكلمات بمعناها الحرفي".
وفي الوقت الراهن، تتركز الملاحقات على الأشخاص الذين شاركوا بشكل مباشر في الهجوم الذي أثار صدمة في العالم كله، ولكن وزارة العدل تحقق أيضاً في مسؤولية ترامب والمقربين منه عما حصل.
ومنذ إعلان ترامب ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة عام 2024، عُيّن مدّع خاص للإشراف بشكل مستقل على التحقيقات المتعلقة بالرئيس السابق.
اقرأ أيضاً: