"النواب الأميركي" بقيادة مكارثي.. مجلس منقسم ورئيس بصلاحيات محدودة

time reading iconدقائق القراءة - 13
الزعيم الجمهوري كيفين مكارثي بعد فوزه برئاسة مجلس النواب في الجولة الـ15 من التصويت، واشنطن- 7 يناير 2023 - REUTERS
الزعيم الجمهوري كيفين مكارثي بعد فوزه برئاسة مجلس النواب في الجولة الـ15 من التصويت، واشنطن- 7 يناير 2023 - REUTERS
واشنطن- رشا جدة

بعد 15 جولة من التصويت، و4 أيام جرت فيها مشاهد فوضى غير مسبوقة بمجلس النواب الأميركي، انتزع زعيم الأغلبية الجمهورية كيفين مكارثي، منصب رئيس المجلس بثمن غال، إذ قدم تنازلات ضخمة لمجموعة من المشرعين الذين أعاقوا انتخابه، ليس أقلها إمكانية الإطاحة به من المنصب الذي سعى إليه بكل الأثمان.

وتنذر الخلافات "العميقة" التي ظهرت وسط الجمهوريين بمجلس النواب خلال الأيام الـ4 الماضية، بأن مجلس النواب الأميركي على أعتاب "حالة فوضى" قد تمتد على مدار العامين المقبلين.

صفقة وانقسامات

قبل جلسة التصويت الأولى لرئاسة مجلس النواب الأميركي الـ118، والتي عقدت الثلاثاء الماضي، قدم مكارثي، بعض التنازلات الرئيسية من أجل الفوز بالمنصب، بما في ذلك وضع قاعدة تسمح للمشرعين بفرض تصويت سريع على عزل رئيس المجلس من منصبه.

وفي وقت سابق الأربعاء، وافقت لجنة عمل سياسي رئيسية متحالفة مع مكارثي على تقييد دورها في الانتخابات التمهيدية للحزب، استجابة لمطلب الجناح اليميني المنزعج من جهود مكارثي لاستبعاد مرشحيه المتشددين لصالح مرشحين أكثر اعتدالاً في الانتخابات النصفية خلال نوفمبر الماضي.

وفي اليوم الثالث للتصويت (الخميس) وافق مكارثي على المزيد من التنازلات التي يُمكن أن تعطل العمليات العادية لمجلس النواب، وتقلل من قدرته على السيطرة عليها، حسب صحيفة "واشنطن بوست".

وتعهد مكارثي باتخاذ إجراءات كان قد رفض قبولها سابقاً، من بينها وضع قاعدة جديدة تسمح لعضو واحد بعقد تصويت في أي وقت على إبعاد رئيس مجلس النواب عن منصبه، بدلاً من اشتراط تقدم 5 نواب بالطلب، كما اقترح هو في البداية كحل وسط.

وتضمنت ملامح الصفقة بين مكارثي العضو عن ولاية كاليفورنيا، ومجموعة "المتمردين" وضع المزيد من أعضاء "تجمع الحرية" والمعروف أيضاً بـ"كتلة الحرية في مجلس النواب" وهي مجموعة مقربة من الرئيس السابق دونالد ترمب تُشكل أقصى اليمين داخل المؤتمر الجمهوري، في لجنة قواعد مجلس النواب، والتي تُناقش التشريعات قبل أن يتم طرحها للتصويت في قاعة المجلس.

"مجلس مختل"

رغم تقديم مكارثي تنازلاً وراء الآخر في كل يوم من أيام التصويت، أملاً في الحصول على الـ218 صوتاً اللازمة للفوز بالمنصب الذي يأتي ثانياً في ترتيب بدائل رئيس الولايات المتحدة بعد نائب الرئيس، لم يكن تحقيق الفوز بالأمر السهل مع قيادة أندي بيجز، عضو الكونجرس عن ولاية أريزونا تمرد 20 من أصل 222 عضواً جمهورياً داخل المجلس.

وفي ضوء انقسام الجمهوريين لاختيار رئيس لمجلس النواب، ذهب الباحث السياسي زاك مكيري، إلى الاعتقاد بأن المجلس الجديد سيكون "مختلاً" خلال العامين المقبلين.

وفي حديث لـ"الشرق"، قال مكيري إن "الجمهوريين يتمتعون بأغلبية ضيقة جداً في المقام الأول، لكن الصعوبة التي يواجهونها في إنجاز أي شيء ستكون أكثر وضوحاً لغياب الوحدة بينهم، وتعطيل الجناح اليميني لعمل المجلس، في ظل محاولات مكارثي المتعددة للحصول على منصب الرئيس".

وأضاف مكيري: "سنشهد عاميين فوضويين. فإذا كان حزب الأغلبية معطلاً، سيكون مجلس النواب معطلاً أيضاً، وهو ما يبدو أنه من المحتمل حدوثه".

من جانبها، وصفت الخبيرة السياسية ومديرة تحرير مجلة "Sabato's Crystal Ball" التابعة لمركز جامعة فيرجينيا للدراسات السياسية كايل كونديك، محاولات مكارثي "المتكررة والفاشلة" للفوز بمنصب رئيس المجلس، على أنها "أمر غاية في الإحراج والقلق".

واتفقت كونديك مع مكيري، في خيبة الأمل من المجلس الحالي، وقالت لـ"الشرق"، إن الخلافات القوية بين الجمهوريين كشفت إلى حد كبير عن صراع تيارات داخل الحزب، وإن تلك الخلافات ستتعمق مع تقليص صلاحيات مكارثي، وبالتالي ستنعكس على عمل مجلس النواب خلال العامين المقبلين".

لعبة ترمب؟ 

مجموعة الجمهوريين الـ20 في مجلس النواب التي تنتمي إلى "تجمع الحرية"، امتنعت عن التصويت لمكارثي رغم مطالبة الرئيس السابق دونالد ترمب، لهم بدعمه في ثاني أيام التصويت.

وكتب ترمب في منشور على شبكته الاجتماعية "تروث سوشيال": "حان الوقت الآن لكي يصوت النواب الجمهوريون العظماء في مجلس النواب لصالح كيفين".

وأضاف: "لا تحولوا نصراً عظيماً إلى هزيمة عملاقة ومحرجة".

وكان معظم هؤلاء الـ20 يؤيدون مزاعم ترمب بشأن نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وقد حظي معظمهم بدعم الأخير في الانتخابات النصفية خلال نوفمبر الماضي.

ورغم ذلك ذلك الدعم توقع خبراء سياسيون آنذاك، أن الكتلة المقربة من ترمب ستستجيب في ثاني أيام التصويت لدعوته بتأييد مكارثي، لكن يبدو أن الأمر كان مجرد لعبة سياسية على حد قول الخبيرة السياسية ومديرة تحرير مجلة "Sabato's Crystal Ball"، كايل كونديك.

ويتفق مع ذلك الباحث السياسي زاك مكيري الذي لم يستبعد وجود لعبة سياسية من الرئيس السابق وأنصاره للحصول على مزيد من الصلاحيات وإثبات تأثيره القوي على المجلس في ظل وجود أغلبية ضئيلة لا يمكن تجنبها.

وأضاف مكيري: "أعتقد أن الجمهوريين الذين يعملون على إسقاط مكارثي يعتقدون أن ترمب لا يهتم كثيراً في واقع الأمر بمكارثي وفوزه، على الرغم مما يقوله علناً".

ويعتقد مكيري أن "الأغلبية الجمهورية تمت إعادة تشكيلها على صورة الرئيس السابق وحركته (فلنجعل أميركا عظيمة مجدداً)"، موضحاً أنه عندما كان ترمب رئيساً، كان لا يزال هناك العشرات من الأعضاء الجمهوريين، ممن لم يشتركوا بالكامل في حركته أو حتى يؤيدونها، لكن الآن يتمتع ترمب بالسيطرة الكاملة تقريباً على الحزب في الانتخابات الثلاثة الأخيرة.

وتابع: "أعتقد أن الجمهوريين الذين ظلوا في مناصبهم، أكثر انسجاماً مع حركة ترمب، وهذا يعني أن الأغلبية الجمهورية ستكون أقل قابلية للعمل عبر الخطوط الحزبية مع الرئيس جو بايدن أو مجلس الشيوخ الديمقراطي".

بدورها، اتفقت كونديك مع وجهة النظر ذاتها، معتبرةً أن دونالد ترمب يرسم ملامح مجلس النواب الجديد، وأن تأثيره سيكون حاضراً في الكثير من القرارات، ومن بينها عمل لجنة التحقيق في أحداث اقتحام الكابيتول في 6 يناير 2021.

سلطات وأطماع

في العام 1910واجه رئيس مجلس النواب جوزيف كانون تمرداً من داخل الصفوف "التقدمية" في حزبه الجمهوري، ضد ما اعتبروه استخداماً لسلطاته في قمعهم.

وبعد سلسلة اجتماعات في تلك الفترة، تعاون الجمهوريون التقدميون والديمقراطيون لإنهاء سيطرة رئيس مجلس النواب على جدول أعمال الكونجرس التشريعي، وذلك عن طريق الحد من تأثيره على لجنة القواعد، المسؤولة عن إرسال معظم التشريعات إلى القاعة للتصويت.

لكن في منتصف التسعينيات، أعاد نيوت جينجريتش رئيس مجلس النواب حينها، تشكيل السلطات داخل المجلس، ومنذ ذلك الحين يتمتع زعماء الأغلبية والأقلية بسيطرة مفرطة على صنع القواعد والعمليات التشريعية على عكس باقي الأعضاء، وهو ما يحاول الجناح اليميني الآن تغييره بحسب المحلل الاستراتيجي الجمهوري جيم دورنان.

ويستند دورنان على ما جاء في خطاب عضو الكونجرس الجمهوري جوش بريشين، قبل أن يتحول لتأييد مكارثي، عندما قال إنه يعارضه (مكارثي) لرغبته في إنهاء "توطيد السلطة في أيدي القلة على حساب العديد من الناخبين من أعضاء الكونجرس البالغ عددهم 434".

ورغم "نبل الغرض" الذي قد يضفي طابعاً ديمقراطياً على المجلس، إلا أن دورنان يُشكك في جوهره، إذ قال لـ"الشرق"، إن الإصلاحات التي يريدها المتشددون هي فقط من أجل مصلحتهم الشخصية وخلق نفوذ قوي لهم في مجلس النواب.

وكان من المفترض أن يلين "تجمع الحرية" بعد الصفقة التي كشفت عنها "واشنطن بوست"، الخميس، وبالفعل حصل مكارثي، على زخم كبير في الجولتين الـ12 والـ13، لكنه لم يحصل على الأصوات اللازمة ليصبح رئيساً للمجلس حتى الجمعة، أي قبل الجولة الـ14 التي توقع الفوز بها ووضع حدٍّ لأكبر خلل وظيفي في الكونجرس منذ 160 عاماً.

ورأى الباحث السياسي زاك مكيري أن التمرد اليميني ضد مكارثي لديه دوافع مرتبطة برغبتهم في تقييد حجم ونطاق الحكومة الفيدرالية بشكل كبير، والرغبة في إنفاق حكومي أقل، ومعالجة سقف الديون، والحد من سلطة رئيس مجلس النواب مع توسيع نفوذهم.

وهي أمور وافق عليها مكارثي قبل أن ينتزع الأصوات بشق الأنفس بالجولة الـ15 في "أطول يوم بتاريخ السياسة الأميركية"، على حد قوله،  لكن مكيري حمّل العداء الشخصي الذي تكنّه مجموعة المتمردين ضد مكارثي مسؤولية ما حدث، معتقداً أن البعض منهم ما زال يتذكر موقفه بعد الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير، عندما حمّل ترمب وحملته "ماجا" المسؤولية.

وقال: "يتعلق الأمر بالسياسة والشخصيات الجمهورية الداخلية في مجلس النواب، ورغبتهم في إثبات قدرتهم على التأثير في مجريات الأمور والمصير السياسي لمكارثي، مستغليين الهامش الضيق بوجود أغلبية قليلة".

أجندة!

يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب فقط في حين يستحوذ الديمقراطيون على مجلس الشيوخ، وهذا يعني أنه من الناحية التشريعية، ليس أمام الحزب الجمهوري الكثير لفعله، بخلاف استخدام سلطته في إجراء تحقيقات عن إدارة الرئيس جو بايدن.

الجمهوريون كانوا قد أعلنوا قبل انعقاد المجلس الذي شابه التوتر والانقسام، أن جدول أعمالهم يُركز على قضايا إنتاج الوقود، والحد من الهجرة غير الشرعية، ومكافحة الجريمة، وتمرير مشروع قانون الإنفاق السنوي المقبل.

ويُعد "إلغاء تمويل 87 ألف عميل جديد لمصلحة الضرائب" أول مشروع قانون ينظر فيه مجلس النواب الجديد، وهي المبادرة التي قامت بها إدارة بايدن لتوظيف عملاء إضافيين لمصلحة الضرائب على مدى 10 سنوات.

وفور إعلان سيطرتهم على مجلس النواب في نوفمبر الماضي، ورغم كونها سيطرة ضعيفة، تبنى الجمهوريون أجندة عكسية للديمقراطيين، وتعهدوا باستهداف إدارة بايدن مع خطط لإعطاء أولوية كبيرة للمساءلة والتحقيقات في إدارة أزمة جائحة كورونا، وأمن الحدود، وانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان ونجل الرئيس هنتر بايدن حالما يؤدي الكونجرس الجديد اليمين.

وتوقعت أستاذة العلوم السياسية في جامعة ميشيجان إيدي جولدنبرج، أن مجلس النواب بشكله الحالي سيُكافح من أجل تنفيذ حتى واجباته الأساسية خلال العامين المقبلين، مثل تمويل الحكومة أو تجنب العجز عن سداد الديون، وسيجري الكثير من التحقيقات والقليل من التشريعات، خاصة مع كونهم أغلبية ضئيلة جداً.

وقالت جولدنبرج لـ"الشرق"، إن الجمهوريين عادة ما يفضلون خفض الضرائب إذا كان بإمكانهم ذلك. كما أنهم مهتمون أيضاً بقطع البرامج الاجتماعية والدفاع عن التمويل.

وزادت: "في حين ستكون المزايدات هي هدفهم، سيبدأون الكثير من التحقيقات حول مكتب التحقيقات الفيدرالي، وإدارة التعليم، ومركز السيطرة على الأمراض".

ومع استنكار الباحث السياسي زاك مكيري، أيضاً، أن يحمل المجلس الحالي أي أجندة تشريعية، فإنه يقر بأن الأغلبية الجمهورية تعلم جيداً أن أجندتهم "لن تمر في مجلس الشيوخ"، وإن حدث وتم تمريرها في مجلس النواب، فإن بايدن لن يوقعها.

وقال مكيري: "سيحاولون على الأرجح تركيز انتباههم على القضايا التي توحد حزبهم، والتي يعتقدون أنها تشكل نقاط ضعف لبايدن والديمقراطيين مثل الجريمة والهجرة".

كما ستتحول الكثير من التشريعات المحافظة للجمهوريين في مجلس النواب إلى مجرد رسائل.

وتفسر الخبيرة السياسية كايل كونديك ذلك لـ"الشرق"، بأن التشريعات سوف تموت عند وصولها إلى مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، لكنها توقعت "بما لا يدع مجالاً للشك" أن الأغلبية الجديدة في مجلس النواب ستحقق بقوة في إدارة جو بايدن، بحثاً عن مواد يمكن استخدامها ضده في انتخابات الرئاسة 2024.

القضايا الخلافية

مع نهاية السيطرة الديمقراطية الكاملة على الكونجرس، من غير المرجح أن يكون للقضايا الديمقراطية الرئيسية أي فرصة للوصول إلى مجلس النواب الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري الآن.

وقد يُصيب الجمود الكثير من القضايا الخلافية التي تعد أولوية للديمقراطيين، مثل الحق الدستوري في الإجهاض، الذي ألغته المحكمة العليا في يونيو الماضي.

ورجحت أستاذة العلوم السياسية بجامعة ميشيجان جولدنبرج، أن القضايا ذات الصلة مثل الحقوق الدينية، وسياسة التعليم، ونظرية العرق، لن تحظى بدعم من مجلس النواب الذي يقوده الحزب الجمهوري.

وبالمقابل، يعتقد الباحث السياسي زاك مكيري، أنه كان لدى الديمقراطيين برنامجاً تشريعياً ناجحاً للغاية تم تمريره في عامي 2021 و2022، يتعلق بالرعاية الصحية، وتغير المناخ.

وأردف: "إذا كان الديمقراطيون لا يزالون يسيطرون على مجلس النواب، فمن المحتمل أن يكون هناك المزيد من العمل الذي يتم إنجازه بشأن تلك القضايا، لكن ليس من الواقعي أن يتم تمرير التشريعات الرئيسية في مجلس النواب على مدى العامين المقبلين، إذ لا تزال هناك خيارات لتمرير تشريع أصغر بشأن القضايا الأقل إثارة للجدل، مثل دعم المحاربين القدامى وخفض تكلفة المعيشة".

ومع ذلك، أشار مكيري إلى أنه مع وجود رئيس ديمقراطي ومجلس شيوخ ديمقراطي، سيكون مجلس النواب الجمهوري أكثر تركيزاً على لعب الدفاع، وإيقاف أي تشريع جوهري يقترحه الديمقراطيون.

وتابع: "الجمهوريون سيستخدمون أيضاً السيطرة على مجلس النواب لبدء تحقيقات ضد إدارة بايدن في محاولة لجعل حياته في البيت الأبيض صعبة، وإنتاج عناوين سيئة يأملون أن تضر بايدن في سباق إعادة انتخابه للرئاسة 2024".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات