أثار الإعلان عن العثور على وثائق سرية في مكتب استخدمه الرئيس الأميركي جو بايدن قبل وصوله إلى رئاسة الولايات المتحدة، مقارنات فورية مع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأميركية إزاء احتفاظ الرئيس السابق دونالد ترمب بمئات الوثائق السرية داخل منزله في فلوريدا.
وطرحت المقارنات عدة تساؤلات مرتبطة بالفارق بين طبيعة الوثائق، فضلاً عن تعامل كلّ من بايدن وترمب مع الوقائع، والإجراءات التي تم اتخاذها في الحالتين.
صحيفة "واشنطن بوست" أعدت شرحاً لتقييم أهمية الوثائق التي تم العثور عليها في حالة الرئيس جو بايدن، كما تناول موقع "أكسيوس" الأميركي كافة التساؤلات المرتبطة بالمقارنات بين الوضعين في محاولة لتقديم إجابات. وهو ما نستعرضه خلال هذا التقرير.
ما الذي تم العثور عليه في مكتب بايدن؟
اكتشف محامو بايدن في البداية ما يصل إلى 10 وثائق سرية في مكتبه الخاص، بحسب شبكة "سي إن إن" الأميركية، في حين ذكرت شبكة "إن بي سي نيوز" أن مساعديه اكتشفوا مجموعة ثانية من الوثائق السرية في مكان جديد، حسبما نقل "أكسيوس".
وتم العثور على الوثائق أثناء قيام المحامين الشخصيين لبايدن بجمع الملفات الموجودة في خزانة مغلقة في مركز "بِن بايدن" للدبلوماسية والمشاركة العالمية، والذي كان يستخدمه بشكل منتظم قبل وصوله للرئاسة، خلال الفترة بين منتصف عام 2017 حتى بداية حملته الرئاسية عام 2020.
وأبلغ مكتب مستشار البيت الأبيض، الأرشيف الوطني في نفس يوم العثور عليها، ليتم الاستحواذ على الوثائق في صباح اليوم التالي، بحسب بيان صادر عن "البيت الأبيض".
لماذا كان محامو بايدن ينقلون محتويات المكتب؟
هذا غير معروف بعد.
كيف بدت الوثائق؟
احتوت الوثائق على أختام واضحة للعيان، أو مواد على الغلاف، تظهر حساسيتها. وأي شخص ينظر إلى المستند سيعرف على الفور أنه يجب التعامل معه بعناية.
وبشكل عام، يجب وضع المعلومات السرية داخل ما يعرف باسم "مرفق المعلومات المجزأة الحساسة"، وهو عبارة عن منطقة مغلقة داخل مبنى يستخدم لمعالجة هذا النوع من المعلومات. وعلّقت "واشنطن بوست" على مكان تواجد الملفات قائلة: "لكن خزانة مغلقة في مكتب لن تكون مؤهلة لينطبق عليها ذلك".
هل هناك درجات من تصنيف السرية؟
نعم. هناك اختلافات كبيرة في التصنيف، بحسب أمر تنفيذي وقَّعه الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009. مع الإشارة إلى وجود مشكلة معترف بها داخل الولايات المتحدة، بشأن إفراط الحكومة في التصنيف. وأقرَّ الكونجرس، عام 2010، "قانون الحد من الإفراط في التصنيف"، لكنه لم يقدم تعريفاً واضحاً لما يشكل إفراطاً في التصنيف.
وأدنى مستوى هو تصنيف "خاص"، وهي المعلومات التي إذا تم الكشف عنها يكون متوقعاً التسبب في "ضرر للأمن القومي".
والمستوى التالي، هو "سري"، ويقال إنها معلومات تسبب "أضراراً جسيمة" للأمن القومي. ويقدم قانون اللوائح الفيدرالية، الذي ينص على "وجوب استخدام التصنيف بشكل مقتصد"، أمثلة من بينها "تعطيل العلاقات الخارجية الذي يؤثر بشكل كبير على الأمن القومي، وإلحاق ضعف كبير في برنامج أو سياسة مرتبطة مباشرةً بالأمن القومي، والكشف عن خطط عسكرية أو عمليات استخباراتية مهمة، والمساس بالتطورات العلمية أو التكنولوجية الهامة المتعلقة بالأمن القومي".
وأعلى مستوى هو "سري للغاية"، والذي من المتوقع أن يتسبب في "أضرار جسيمة بشكل استثنائي" للأمن القومي. ومن المفترض أن تحصل هذه المعلومات على أعلى درجة من الحماية. ومن الأمثلة الواردة في القانون الاتحادي: "تعطيل العلاقات الخارجية التي تؤثر تأثيراً حيوياً على الأمن القومي، والمساس بخطط الدفاع الوطني الحيوية أو أنظمة استخبارات التشفير والاتصالات المعقدة، والكشف عن عمليات استخباراتية حساسة".
ما مستوى تصنيف وثائق بايدن؟
تقول "واشنطن بوست" إن هذا الأمر غير معروف حتى الآن، في حين ذكرت شبكة "سي إن إن" أن الوثائق تضمنت مذكرات استخباراتية ومواد إحاطة مؤرخة بين عامي 2013 و2016، غطت موضوعات من بينها أوكرانيا وإيران وبريطانيا.
وكانت المذكرات موجودة في صناديق تحتوي أيضاً على أوراق غير سرية، تندرج تحت قانون السجلات الرئاسية، وكان ينبغي أن تكون في حوزة هيئة الأرشيف الوطني.
وأوضحت الشبكة أن المكتب يحتوي في الغالب على وثائق شخصية لعائلة بايدن، لكن لم يتضح ما إذا كانت الصناديق التي تحتوي على مواد سرية تضم مواد شخصية.
ماذا عن تصنيف وثائق ترمب؟
ذكرت إفادة خطية صادرة عن وزارة العدل الأميركية، والتي تم استخدامها لتبرير أمر تفتيش مقر إقامة ترمب في أغسطس الماضي، أنه تم العثور على 184 وثيقة تحمل علامات تشير إلى أنها مصنفة، ومن بينها تم تصنيف 67 وثيقة على أنها "خاصة"، و92 وثيقة على أنها "سرية"، و25 وثيقة "سرية للغاية".
هل يحدث ذلك عادةً؟
"يحدث ذلك طوال الوقت"، بحسب مارك زيد، المحامي الذي يدافع عن الأشخاص الذين ارتكبوا انتهاكات أمنية، مضيفاً: "يتقاعد شخص ما أو يترك وظيفته، ويحزم الصناديق ثم في بعض الأحيان، وبعد سنوات يكتشف أنه قام عن طريق الخطأ بتخزين مستند سري في مكان ما".
وما يحدث بعد ذلك "يعتمد على كيفية تعامل الشخص مع الاكتشاف"، ويضيف زيد أنه "في الغالبية العظمى من الحالات، يتم التعامل مع الأمر إدارياً، إذ يتم تعليق التصريح الأمني، خاصةً إذا ما تم الإبلاغ عن الحادث بسرعة، وقرر المحققون أنه لم يطلع أي شخص آخر على الوثائق، ولم تكن كمية ضخمة".
هل هناك أمثلة؟
على سبيل المثال، اعترفت المحللة السابقة في مكتب التحقيقات الفيدرالي كندرا كينجسبري، بالذنب، في أكتوبر الماضي، بأخذ أكثر من 300 ملف أو وثيقة، مصنفة من المستوى السري، تتعلق بتنظيم "القاعدة".
لكن نقل الوثائق السرية بشكل متعمد يعد أمراً خطيراً بشكل خاص. وخلال التحقيق في هجمات 11 سبتمبر 2001، تبين أن ساندي بيرجر، مستشار الأمن القومي للرئيس الأسبق بيل كلينتون، قد أزال سراً وثائق سرية من الأرشيف ودمر بعضها، كما كذب بشأن ما فعله. وفي عام 2005، وافق على الاعتراف بالذنب في إزالة مواد سرية من دون إذن، وهي جنحة.
كيف تعامل بايدن مع اكتشاف الوثائق؟
بمجرد اكتشاف الوثائق، تم إخطار مسؤولي هيئة الأرشيف الوطني وتسليم الوثائق على الفور، وفقاً للبيت الأبيض.
وفي حديثه للصحافيين خلال رحلة إلى المكسيك، قال بايدن إنه "فوجئ عندما علم أن هناك سجلات حكومية تم نقلها إلى ذلك المكتب". وقال إن محاميه لم يصفوا له الوثائق.
هل هذا مختلف عن قضية ترمب؟
في قضية ترمب، اتصلت هيئة الأرشيف أولاً بالرئيس السابق في مايو 2021، بشأن الوثائق المفقودة. وقاوم ترمب إعادتها. وبعد ذلك، عندما تم إرجاع بعض الصناديق قبل عام، اكتشف مسؤولو الأرشيف وثائق تحمل علامة تصنيف "سرية" بوضوح.
واختلطت الوثائق السرية بنسخ مطبوعة من المقالات الإخبارية والتذكارات وغيرها من البنود. وأدى ذلك إلى إجراء تحقيق في احتمال سوء التعامل مع المعلومات السرية.
ويرى المحامي مارك زيد أنه "لو كان ترمب قد أعاد جميع الوثائق المفقودة عندما طلبها الأرشيف لأول مرة، لكانت هذه هي نهاية الأمر"، وأضاف: "أصبحت مسألة جنائية فقط لأن ترمب ومحاميه تأخروا في البداية ثم عرقلوا".
لماذا لم يتم تعيين مدعٍ خاص في قضية بايدن؟
سارع الجمهوريون إلى توجيه اتهام بأن هناك نظام عدالة "بوجهين"، أحدهما لبايدن والآخر لترمب. وهذا يفترض مسبقاً أن الحالتين متطابقتين، "لكن يبدو أن هناك اختلافات كبيرة، لا سيما في ما يتعلق بالتعاون"، بحسب "واشنطن بوست" التي أضافت: "لكن التحقيق في مراحله الأولية، ولا يمكن استبعاد تعيين مدع خاص".
هل تأخر البيت الأبيض في الإعلان بسبب انتخابات التجديد النصفي؟
تم تسليم وثائق بايدن في نوفمبر الماضي، قبل يومين من انتخابات التجديد النصفي، ما دفع الجمهوريون إلى القول بأن تأخير الإعلان كان متعمداً.
ونشر النائب جيم بانكس (جمهوري من إنديانا)، تغريدة عبر "تويتر"، تساءل فيها: "تم العثور على وثائق سرية في مركز أبحاث جو بايدن قبل الانتخابات النصفية. لماذا نكتشف ذلك الآن؟".
لكن حتى هذا الوقت، لا يوجد دليل على ذلك، بحسب "واشنطن بوست"، مشيرة إلى أنه "غالباً ما تكون المراحل الأولية من التحقيق في الوثائق من قِبل وزارة العدل غير علنية".
ولفتت إلى أنه "في قضية ترمب، طلبت هيئة الأرشيف أولاً منه تسليم الوثائق المفقودة في مايو 2021. ولم يصبح التحقيق علنياً حتى أعلنت الهيئة بعد 9 أشهر أنها حصلت على 15 صندوقاً من ترمب".
في المقابل، أصبح تحقيق بايدن علنياً بعد حوالي شهرين، عندما أبلغت عنه شبكة "سي بي إس نيوز" لأول مرة.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض، إيان سامز، رداً على سؤال بشأن التوقيت: "هذه عملية مستمرة قيد المراجعة من قبل وزارة العدل، لذلك سنكون محدودين في ما يمكننا قوله في هذا الوقت. لكننا ملتزمون بالقيام بذلك بالطريقة الصحيحة، وسنقدم المزيد من التفاصيل حسب الاقتضاء".
هل سيتم تفتيش ممتلكات بايدن؟
إذا تمكن ممثلو الادعاء من إظهار سبب محتمل لإمكانية تخزين وثائق سرية أخرى في منزل بايدن أو ممتلكات أخرى، فيمكنهم الحصول على أمر تفتيش من القاضي.
وفي قضية ترمب، كوّن ممثلو الادعاء أدلة على أن الرئيس السابق لم يمتثل لاستدعاء هيئة محلفين كبرى تسعى إلى إعادة جميع الوثائق السرية.