هل تعكر تصريحات ماكرون "صفو" العلاقات الجزائرية الفرنسية؟

time reading iconدقائق القراءة - 6
أعلام فرنسا والجزائر تزين أحد شوارع العاصمة الجزائرية بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. 25 أغسطس 2022 - REUTERS
أعلام فرنسا والجزائر تزين أحد شوارع العاصمة الجزائرية بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. 25 أغسطس 2022 - REUTERS
الجزائر-أمين حمداوي

أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن عدم اعتزام بلاده طلب "الصفح" من الجزائر عن الماضي الاستعماري، انتقادات في الأوساط السياسية الجزائرية، التي اعتبرتها "خطوة إلى الوراء" على الرغم من أن العلاقات بين البلدين شهدت تحسناً ملحوظاً في الآونة الأخيرة.

وأعادت زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر في أغسطس الماضي، الدفء إلى العلاقات بين البلدين بعد شهور من التوتر، إذ يتبادل البلدان الزيارات الرسمية، بالإضافة إلى الاتصالات المتكررة بين ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون.

ولكن تصريحات جديدة لماكرون، أعادت الجدل بشأن العلاقات الفرنسية الجزائرية، إذ قال الأخير في مقابلة مطولة مع أسبوعية "لوبوان" الفرنسية: "لست مضطراً لطلب الصفح، هذا ليس الهدف. الكلمة ستقطع كل الروابط"، لكنه أعرب عن أمله في أن يتمكن نظيره الجزائري عبد المجيد تبّون من زيارة فرنسا العام الحالي، لمواصلة "عمل صداقة غير مسبوق"

ورداً على تصريحات ماكرون، قال وزير المجاهدين (قدامى المحاربين) الجزائري العيد ربيقة: "نحن متيقنون أن الجزائر لن يمسها أو يضرها أي تصريح مهما كان قائله، وهناك عودة قوية في مواضيع الذاكرة".

ولفت ربيقة، رداً على سؤال لـ"الشرق" خلال مؤتمر صحافي، السبت، إلى أن "تصريحات الرئيس الفرنسي لها إطارها وميزانها، لكن بالنسبة إلينا كجزائريين، فإننا نعرف تاريخنا جيداً".

وتعد مسألة اعتذار فرنسا عن ماضيها الاستعماري في الجزائر (1830-1962) أبرز المعوقات أمام تعزيز العلاقات الثنائية، ولطالما تسببت في تأجيج التوترات المتكررة بين البلدين.

وساعدت الزيارة التي قام بها ماكرون إلى الجزائر في أغسطس الماضي، على إعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها، بعد الأزمة التي أشعلتها تصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي في أكتوبر 2021، وصف فيها "النظام السياسي" الجزائري بـ"العسكري"، واتهمه بإنشاء "ريع للذاكرة"، كما شكك بوجود "أمة جزائرية" قبل الاستعمار.

وفي السياق، وقعت باريس والجزائر في أغسطس الماضي على "إعلان الجزائر" الذي تضمن قرارات تنص على إنشاء لجنة مشتركة تضم مؤرخين، تعمل على معالجة جميع المسائل المتعلقة بالذاكرة خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر.

ومن بين المسائل المراد معالجتها، استعادة الأرشيف والممتلكات الجزائرية من فرنسا، وكذلك رفات المقاومين الجزائريين، ومعالجة ملفي التجارب النووية والمفقودين.

"اشتباك سياسي"

عضو مجلس الأمة الجزائري الدكتور محمد لعقاب، وصف تصريحات ماكرون بـ"المستفزة لمشاعر الجزائريين، الذين يولون أهمية كبرى لملف الذاكرة". وقال لـ"الشرق" أن "هذا النوع من التصريحات يمثل حجرة عثرة أمام طريق تطوير العلاقات الجزائرية الفرنسية".

وطالب لعقاب الفرنسيين بأن يكونوا "صريحين مع أنفسهم وواضحين في مواقفهم"، متسائلاً: "لماذا يرفض ماكرون الاعتذار إذا لم تكن المسألة مهمة؟ ولماذا تدافع فرنسا عن أرمينيا وتفتخر بجرائمها الاستعمارية، التي لا تسقط بالتقادم في الجزائر برفض الاعتذار عنها؟".

وشدد على أنه "لا يمكن التنصل ومحاولة القفز على مسألة الاعتذار لتسوية ملف الذاكرة، والدفع أكثر بالعلاقات الجزائرية الفرنسية الثنائية"، مؤكداً وجوب قيام فرنسا بـ"الاعتذار عن جرائمها الاستعمارية لتحسين العلاقات الثنائية، مثلما اعتذرت إيطاليا لليبيا".

بدوره، اعتبر الصحافي الجزائري جلال مناد أن تصريحات ماكرون "مؤشر على ارتباك المواقف الفرنسية تجاه ملف الذاكرة"، لافتاً إلى أنه "بدلاً من تفعيل عمل اللجنة الحكومية المشتركة لبلوغ نتيجة عملية تسهم في تجاوز رواسب الماضي، تستدرجنا مثل هذه التصريحات إلى اشتباك سياسي نحن في غنى عنه".

وقال مناد لـ"الشرق" إن "الجرائم البشعة للاستعمار بحق الشعب الجزائري لن تسقط بالتقادم، وآثارها الفظيعة لن يطالها النسيان".

"صفحة جديدة"

وكان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون دعا قبل أيام من تصريحات ماكرون إلى "فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين"، كاشفاً عن زيارة دولة سيقوم بها إلى باريس خلال العام الجاري.

وقال تبون في مقابلة مع صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية، نهاية ديسمبر، إن "فرنسا يجب أن تحرّر نفسها من عقدة المستَعمِر، والجزائر كذلك يجب أن تتحرّر من عقدة المستَعمَر"، مشدداً على أن "من الضروري فتح صفحة جديدة بين البلدين، فبعد أكثر من 60 عاماً على نهاية الحرب، علينا المضي قدماً". 

وقال تبون إن "باستطاعة الرئيس إيمانويل ماكرون أن يجسّد الجيل الجديد المنقذ للعلاقات بين بلدينا"، داعياً باريس إلى "تنظيف مواقع التجارب النووية في رقان وتمنغست، حيث التلوث كبير جداً". كما أمل "أن يتم تقديم الرعاية الطبية للأشخاص ضحايا هذه التجارب".

ونفّذت فرنسا، التي احتلت الجزائر بين عامي 1830 و1962، 17 تجربة نووية في الصحراء بين الأعوام 1960 و1966 في منطقتي رقان وإن إيكر.

وكانت السلطات الفرنسية أكدت بعد 3 أيام من أول تجربة نووية بالجزائر، في 13 فبراير 1960، أن الإشعاع كان في أدنى مستويات السلامة المقبولة. لكن وثائق رفعت عنها السرية في عام 2013، أظهرت أن الإشعاع كان أعلى بكثير مما أعلن حينها، ووصل إلى كامل غرب إفريقيا وجنوب أوروبا.

وجرت 11 تجربة من تلك التجارب، وجميعها تحت الأرض، بعد توقيع اتفاقيات إيفيان في عام 1962، التي قادت إلى استقلال الجزائر، ولكنها تضمنت بنوداً تسمح لفرنسا باستعمال مواقع في الصحراء حتى عام 1967.

ووفقاً لدراسات تاريخية أجريت في الجزائر، تسببت 17 تجربة نووية أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية، ما بين 1960 و1966، في مصرع 42 ألف جزائري وإصابة آلاف آخرين بإشعاعات نووية.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات