مخاوف أوروبية على أمن غرب البلقان نتيجة التقارب الصربي الروسي

time reading iconدقائق القراءة - 8
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش في لقاء سابق بسوتشي في روسيا. 14 ديسمبر 2019 - AFP
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش في لقاء سابق بسوتشي في روسيا. 14 ديسمبر 2019 - AFP
دبي-الشرق

على الرغم من سعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، إلا أن صربيا تعزز علاقاتها مع روسيا في محاولة لتحقيق "توازن" يرى الأوروبيون أنه قد يهدد الأمن في منطقة غرب البلقان، خصوصاً في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا، وفقاً لما ذكره تقرير لـ"مركز كارنيجي أوروبا".

وحض المركز، في تقرير أعدَّه الباحث الزائر ديميتار بيشيف، الاتحاد الأوروبي على استخدام نفوذه في المنطقة لـ"ضمان تعاون الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش، وكسب الشعب الصربي"، محذراً من تداعيات التقارب الروسي الصربي على الوضع الراهن في منطقة البلقان.

كان هويت بريان يي، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق للشؤون الأوروبية والأوراسية، بعث في 2017 "رسالة صارخة" إلى صربيا، مفادها أنه على بلجراد الاختيار بين الغرب وروسيا.

وكتب هويت في رسالته: "لا يمكنكم الجلوس على كرسيين في آن واحد، خاصة إذا كانا متباعدين إلى هذا الحد". 

واعتبر المركز في التقرير أنه "بعد مرور 5 سنوات على الرسالة، لا تزال السياسة الخارجية لصربيا تسير في كلا الاتجاهين، وحتى الحرب الروسية في أوكرانيا لم تدفع فوسيتش إلى تغيير موقفه حتى الآن"، على حد وصفه. 

وأضاف أنه من ناحية، يصرح فوسيتش بأنه ملتزم التزاماً صادقاً بإدخال صربياً في الاتحاد الأوروبي وتعزيز التكامل الإقليمي من خلال مبادرات مثل مبادرة "البلقان المفتوحة" التي تتشارك فيها صربيا مع ألبانيا ومقدونيا الشمالية. ومن ناحية أخرى، تقاوم صربيا الضغوط التي تتعرض لها للانضمام إلى العقوبات الغربية على روسيا، وقطع علاقاتها القائمة منذ وقت طويل مع روسيا. 

ويستقبل مطار بلجراد رحلات جوية من موسكو وسانت بطرسبرغ يومياً، حيث تمتلئ العاصمة الصربية بالمواطنين الروس من الطبقة المتوسطة الذين يستفيدون من نظام الإعفاء من التأشيرة وقواعد الإقامة المتساهلة، لتقريب أنشطتهم التجارية من الاتحاد الأوروبي، وتجنب إمكانية استدعائهم من قبل الجيش الروسي وإرسالهم للقتال في أوكرانيا.

"علاقة مقلقة"

وعلى الرغم من أنَّ العلاقة بين صربيا وروسيا قوية كما كانت دائماً، إلا أنَّ هذا لم يمنع البعض في الاتحاد الأوروبي من الإشادة ببلجراد.

وكتبت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، على "تويتر" خلال زيارتها إلى بلجراد في 28 أكتوبر 2022: "صربيا تتقدم بشكل جيد في مسارها نحو الاتحاد الأوروبي"، وفقاً لما نقله المركز. 

وقال المركز إنَّ "علاقة صربيا بروسيا تثير القلق في جميع أنحاء المنطقة، إذ تخشى الدول المجاورة لها في يوغوسلافيا السابقة من عودة حروب التسعينيات بروح انتقامية، معتبرة أنَّ العدوان الروسي على أوكرانيا يقوي النزعة الانتقامية الصربية، ويعرض الوضع الإقليمي الراهن -المدعوم من الغرب- في غرب البلقان للخطر". 

في كوسوفو، على سبيل المثال، تصور الحكومة صربيا على أنها امتداد لروسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين. وعندما أقام الصرب القوميون حواجز في شمال كوسوفو، وأطلقوا النار على الشرطة في الفترة من يوليو إلى أغسطس 2022، قال رئيس وزراء كوسوفو، ألبين كورتي، إنَّ خطر اندلاع صراع جديد بين كوسوفو وصربيا قد زاد. 

وكان كورتي يرى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 أن فرص اندلاع حرب جديدة ضئيلة، لكن الوضع تغير بعد ذلك.

التأثير الروسي

وقال كورتي: "كانت أوكرانيا هي الحلقة الأولى في فكرة القومية السلافية الفاشية لدى الكرملين. وإذا شهدنا حلقة ثانية، على سبيل المثال في ترانسنيستريا، فإنَّ احتمالات اندلاع حرب ثالثة في غرب البلقان مرتفعة للغاية"، على حد تعبيره، مُشيراً إلى تحذيرات فوسيتش المتكررة من أنَّ صربيا ستتحرك لمنع "مذبحة" ضد الصرب في كوسوفو. 

واعتبر المركز أنه على الرغم من انخفاض حدة التوتر أخيراً، بفضل ما وصفه بـ"الجهود الدؤوبة للاتحاد الأوروبي"، إلا أنَّ المخاوف لم تتلاشَ تماماً، معتبراً أنه "لا يُمكن استبعاد نشوب تصعيد جديد في شمال كوسوفو مثل الذي حدث في أواخر ديسمبر 2022".

مع ذلك، لا ينبغي المبالغة في التهديد الذي تشكله روسيا في غرب البلقان، لأن صربيا ليست مدينة بالفضل للكرملين، ولكنها حريصة على التحوط في رهاناتها، كما كانت تفعل منذ زمن طويل، وفقاً لتقرير المركز. 

وقال التقرير إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نفد صبرهما، ما زاد الضغط على فوسيتش لاتخاذ قرار.

وفي بلجراد، أكدت فون دير لايين أنَّ تقدُّم صربيا نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يتوقف على توافق الدولة مع السياسة الخارجية للاتحاد. 

صعوبات الانضمام

بدأت بلجراد محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عام 2014، وكانت الجبل الأسود (مونتينيجرو) الدولة الوحيدة التي قامت بذلك سابقاً. وبدءاً من أكتوبر 2022، فتحت 22 فصلاً من أصل 35 فصلاً للسياسة، بما في ذلك الملفات الحاسمة المتعلقة بالإصلاحات القضائية، والعدالة، والشؤون الداخلية. 

واعتبر المركز أنه بالكاد يمكن وصف التقدم الذي أحرزته صربيا نحو الانضمام للاتحاد بالناجح، مشيراً إلى أنَّ محادثات الانضمام تسير ببطء "بصورة محبطة"، وبعد مرور 8 سنوات، أُغلق فصلان فقط مؤقتاً.

وعلى سبيل المقارنة، استغرقت كرواتيا القدر نفسه من الوقت لاستكمال الانضمام الكامل إلى الاتحاد الأوروبي بين عامي 2005 و2013. ويولد هذا التقدم البطيء شعوراً بالاحباط لدى المجتمع الصربي. 

وفي يوليو 2022، أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة "نيو ثيرد واي" البحثية أن 66% من الصرب يشعرون بأنهم أقرب إلى موسكو من الغرب، وأن 40% يفضلون إنهاء محادثات العضوية مع الاتحاد الأوروبي. 

ووجد الاستطلاع أيضاً أن 59% من الصرب يحملون الغرب مسؤولية إراقة الدماء في الحرب في أوكرانيا، بينما حمل 23% من الصرب روسيا مسؤولية الحرب. وقال 18% إن روسيا والقوى الغربية تتحملان معاً مسؤولية الحرب. 

وأظهر استطلاع رأي آخر أجري في يونيو 2022 أن 72% من الصرب يرون أنَّ روسيا اضطرت إلى بدء الحرب بسبب نوايا حلف شمال الأطلسي (ناتو) للتوسع. 

تحديات الكرملين

وقال المركز إنه "على الرغم من التحركات الروسية المزعزعة للاستقرار، إلا أن موسكو تواجه مهمة شاقة لتحقيق أجندتها الجيوسياسية في غرب البلقان".

وبحسب المركز، يواجه الكرملين 3 عقبات، أولها "صعوبة سيناريو التدخل العسكري الشامل في هذه المنطقة وعدم قدرتها على شن حرب استكشافية في يوغوسلافيا السابقة، كما حدث خلال حرب كوسوفو في عام 1998-1999". 

وتتمثل العقبة الثانية في أن صربيا ليست حليفاً متكاملاً لروسيا، فبدلاً من الوقوف بجانب موسكو من دون أي تحفظات، تتحوط بلجراد في رهاناتها في المحافل الدولية.

ومنذ مارس 2022، أيدت الدبلوماسية الصربية العديد من قرارات الأمم المتحدة التي تدين الحرب الروسية على أوكرانيا. وفي 13 أكتوبر، انضمت صربيا إلى 143 دولة أخرى في إدانة انضمام مناطق دونيتسك، وخيرسون، ولوجانسك، وزابوروجيا، إلى الاتحاد الروسي.

وتتمثل العقبة الثالثة في تعرض صربيا لضغوط شديدة لفرض عقوبات على روسيا. وفي أواخر مارس 2022، وصل السفير الأميركي لدى صربيا، كريستوفر هيل، إلى بلجراد في مهمة صريحة لإقناع فوسيتش بالانضمام إلى التحالف الغربي. 

وقال المركز إنَّ الحرب في أوكرانيا سلطت الضوء على القضايا السياسية العالقة والانقسامات المستمرة في غرب البلقان، ولكن المنطقة ليست معرضة لخطر الهجوم المباشر من قبل روسيا، معتبراً أنَّ الأمر الأكثر إثارة للقلق هو ما وصفه بقدرة موسكو على استغلال مشكلات السكان الأصليين وتأجيج الصراع. 

اقرأ أيضاً:

تصنيفات