قبل أن تبدأ وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين جولتها في جنوب إفريقيا، كجزء من جهود إدارة الرئيس جو بايدن للتركيز على القارة بعد سنوات من إهمالها، أدركت التحديات التي ستخوضها في مواجهة نفوذ منافسيها العالميين الرئيسيين روسيا والصين.
جولة يلين، كانت حتى الآن بمنزلة تذكير بالعلاقات الراسخة التي تربط العديد من الدول في القارة مع روسيا والصين، كما تسلط الضوء على الصعوبة التي تواجهها الولايات المتحدة عالمياً في إقناع الدول بأن مصالحها تخدم بشكل أفضل بالتوافق مع واشنطن في القضايا السياسية والمالية، وفق ما أوردته "بلومبرغ".
وتأتي زيارة يلين بعد 6 أشهر من إعلان الولايات المتحدة عن استراتيجية جديدة تهدف إلى عكس سنوات من الإهمال لقارة إفريقيا، وذلك عبر إعلان بايدن الخطة، باستضافة قمة لزعمائها في واشنطن الشهر الماضي.
كما تأتي في وقت تواصل فيه واشنطن إدانتها الصارمة لموسكو بعد غزوها أوكرانيا، وبعد يوم من إعلان يلين إحباطها من وتيرة محادثات الديون مع زامبيا.
انتقاد الصين وروسيا
وبدأت يلين جولتها في السنغال، حيث ألقت باللوم على روسيا في تفاقم المشاكل الاقتصادية لإفريقيا، ووجهت انتقاداً منفصلاً للصين بسبب ممارساتها الإقراضية، وقارنت تصرفات الولايات المتحدة بسلوك أكبر منافسيها.
وفي كلمتها في العاصمة داكار، أكدت يلين على الدور الذي لعبته الولايات المتحدة في تعزيز التنمية وتحسين الوصول إلى مجالات الصحة والطاقة، كما زارت مركزاً صحياً مجتمعياً في لوساكا، عاصمة زامبيا، الاثنين.
وبعد يوم من تحديد روسيا والصين في السنغال، سعت يلين إلى التقليل من أهمية المنافسة الظاهرة بين القوى العالمية على النفوذ، قائلة إن الولايات المتحدة "لم تجبر الدول الإفريقية على الاختيار بين الشركاء".
وأضافت: "التنافس على النفوذ ليس محور زيارتي على الإطلاق. هذا ليس ما أركز عليه إطلاقاً. مصلحتنا في الشراكة مع إفريقيا، هذه ليست منافسة مع الصين".
ومع ذلك، انتقدت يلين، التي ستلتقي برئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا الأربعاء، الصين لإثقال كاهل إفريقيا بالقروض والتباطؤ في تقديم إعفاءات من الديون، وهي الاتهامات التي رفضها وزير الخارجية الصيني تشين جانج أثناء زيارته لإثيوبيا في وقت سابق هذا الشهر.
كما اتهمت الولايات المتحدة روسيا بتفاقم انعدام الأمن الغذائي والطاقة في إفريقيا، لكنها اصطدمت بجدار من الطوب في جهودها لإقناع القارة باتخاذ موقف أكثر تشدداً ضد موسكو، مع امتناع العديد من الدول عن التصويت على مقترحات الأمم المتحدة التي تدين غزو أوكرانيا.
"روابط قوية"
على الجانب المقابل، رحب المسؤولون العسكريون في جنوب إفريقيا بحرارة بوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الاثنين، ودافعوا علانية عن التدريبات البحرية المزمع إجراؤها الشهر المقبل مع روسيا والصين، مؤكدين على "الروابط القوية" بين الدول الثلاث.
وقالت وزيرة العلاقات الدولية الجنوب إفريقية ناليدي باندور، الاثنين، قبل الاجتماع مع وزير الخارجية الروسي: "يمكن ويجب على بلدينا بذل المزيد من الجهود لتطوير الفرص والاستفادة منها لزيادة تعاوننا في المجال الاقتصادي".
وأضافت: "نتمنى إنهاء النزاع الحالي بين روسيا وأوكرانيا قريباً بشكل سلمي، من خلال الدبلوماسية والمفاوضات".
ورد لافروف بالإشادة بجنوب إفريقيا لموقفها "المستقل والمتوازن"، ورفض ما قال إنه محاولة "لاحتكار العلاقات الدولية"، ودحض الانتقادات للتدريبات العسكرية.
وبلغت التجارة الثنائية لجنوب إفريقيا مع روسيا 1.46 مليار دولار فقط في عام 2021، وهو جزء بسيط من 53.1 مليار دولار مع الصين، و22.7 مليار دولار مع الولايات المتحدة.
وبينما تعهد بايدن بتأمين 55 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة وتجديد قانون التجارة الذي يمنح نحو 30 دولة حرية الوصول إلى أكبر اقتصاد في العالم، فإن المحاولة المتجددة لإقامة علاقات أوثق تتخلف عن المليارات من الدولارات من التمويل والبنية التحتية للصين.
سكوت موريس، الذي عمل مسؤولاً في وزارة الخزانة الأميركية في إدارة الرئيسي الأسبق باراك أوباما، قال إن على واشنطن "دعم خطابها الإيجابي بإجراءات ملموسة، لأن المخاطر أعلى الآن".
من جانبها، قالت سانوشا نايدو، المحللة السياسية المستقلة، إن المنافسة على التحالفات في إفريقيا تعمل لمصلحة القارة.
وأضافت: "المفتاح للدول الإفريقية هو انتزاع أفضل ما في وسعها من هؤلاء المنافسين الجيوسياسيين المتعددين، بدلاً من الانضمام إلى أي منهم. يجب على الدول ألا تسمح لهؤلاء الفاعلين الجيوسياسيين الكبار بإملاء الشروط عليها، بل التصرف بما يحقق مصالحها الخاصة".